التحديث الاخير بتاريخ|الإثنين, ديسمبر 23, 2024

الأسلحة الصامتة للحرب الهادئة “سري للغاية”.. (الجزء الأول) 

لا يخفي التاريخ القديم والحديث أن العالم منذ نشأته يشهد صراعات دموية تنقسم فيها التجمعات البشرية الى هدف ومستهدف. لكن مصطلح الهدف في ميدان السياسة العالمية يحمل الى حد ما في طياته ابعادا ايجابية، لكن الحقيقة أن الهدف في معجم السياسة الدولية ليس الا ترجمة لكلمة مصلحة.

فمنذ أن تفتحت عيون التاريخ على قضايا تخص المجتمع البشري، شهد العالم صراعات دموية ومعارك مدمرة وصلت الى حد الابادة لمجتمعات بشرية بأسرها ومحت حضارات عريقة مرت على سطح الكرة الأرضية.

ومع توسع عيون المصالح وبالتالي ازدياد الاطماع وحب التكاثرعند الدول والملل، بدأت الصراعات البشرية تتخذ طابعا ممنهجا وبدأت تظهر الدراسات أن الصراع والتصارع بات يخضع لأصول وقوانين وقواعد ثابتة تتحكم بها نخبة فكرية شريرة تنظمها وتدربها وتستخدمها الدول التي استطاعت ان تنتهز فرصا استثنائية لتقفز الى الامام خطوة مكنتها من تحقيق خطوات أخرى على مدى الزمن.

امريكا، الدولة التي لا تمتلك تاريخا عريقا يعبر عن أصالة انتماء شعبها، فهي دولة هجينة تتألف من الشعب الاوروبي الذي هاجر الى القارة المكتشفة وحمل معه تاريخا وباعا طويلا من الحروب الدينية العنيفة التي شهدتها اوروبا في حقبة تسمى بالعهد القديم ويراكم تجارب استعمار طويلة قامت بها الدول الاوروبية وشعوبها فيما بينها وكذلك بحق الشعوب الاسيوية المضطهدة.

ومع هذا الزخم من التجارب، ابدع الاوروبيون المهاجرون في ابادة شعب القارة الامريكية الاصيل الهنود الحمر، وأقام على احلام الشعب الهندي وحقوقه دولة لم تتغير في حقيقتها عن تاريخها ونشأته ولم يتوقف شجع الاوروبيين القديمين الامريكيين الجدد الذين يتفاخرون بتاريخ رعاة الابقار التي تعبر عن عميق ثقافتهم وما يحمل تاريخ الرعاة من مفردات وسلوكيات وقيم بل لا قيم، تشكل ولحد الان مفردات السياسة والتعاطي الامريكي، فراعي الابقار المعاصر انتقل فقط من الخيم والتنقل الى البيت الابيض وضواحيه بفكر رعاة الابقار الجشع الذي لا يحترم قداسة ولا يراعي حرمة وحقوقا ولا يتوقف جشعه عند حد.  

ومع التجارب التي يحملها التاريخ في بطنه منذ زمن طويل، تاريخ مشرف للدول الاوروبية الحالية وامريكا التي تتغنى بالحضارة والرقي وتتحكم بأنظمة الحكم العالمية ومؤسسات ما يسمى بالمجتمع الدولي ومنظومة الامن العالمية وكل المؤسسات التي لم تولد الا نتاج التصارع الاوروبي ولم تكن الا فكرة لحل النزاع الدموي الذي تنتجه الدول المتطورة نفسها، ولكنها فشلت في ايجاد حلول لكل الازمات التاريخية والحالية لسبب جوهري هو ان من أسس المؤسسات الدولية نظريا كان مختلفا عمن يتحكم في تلك المؤسسات، ومن يتحكم بها ليس الا ماردا جشعا طامعا لا يشبع مالا وثروة وتطورا مشبوها وجاها وحكما وسطوة وتمددا، ويمضي وراء مصالحه بشكل مستميت حتى ولو داست أقدامه العالم كله والكرة الارضية بأسرها ودمرتها.

امريكا التي انتهزت فرصة الحرب العالمية الاولى والثانية وادارت الصراع من خلف البحار، حيث بقيت اراضيها سالمة من الدمار ومن كل تداعيات الحرب، لا بل اسهمت في امداد الدول المتقاتلة بالسلاح وتدخلت بقدرتها العسكرية لتقاتل على ارض الغير وتشكلت “بيضة القبان” في الحرب لتدعم الدفة الراجحة في المعارك وتسيطر بذلك على القرار السياسي للدول الغربية المنهزمة لأنها ضعفت والمنتصرة بذريعة تقديم الدعم الذي مكنها من الانتصار. وغرق المجتمع الاوروبي في ظلمة الحروب الدامية التي أوصلت اوروبا والدول الاسيوية التي كانت تستعمرها الى الحضيض وسط تمايز امريكي وقوة بدأت تتخذ معه امريكا مسارا نحو السيطرة الاحادية على العالم ومؤسساته والقرار الدولي عبر التحكم بالدول الغربية والضغط عليها.

ومع الفرصة الذهبية التي حصلت عليها امريكا، وتراكم علمي واسع خزنته الدول الاوروبية التي شهدت نهضة علمية وعلى مختلف المستويات اثر الثورة الصناعية وما تلاها، كل هذا كان فريسة سهلة جاهزة لامريكا القوة الوحيدة التي حافظت على مقدراتها بعد الحربين العالميتين.

مختصر السلوك الامريكي وقبلها الدول الغربية عموما يضيء عليه نعوم تشومسكي عالم لسانيات ومفكر أمريكي يعد من أبرز مثقفي العالم، في مقال بـعنوان “استراتيجيات التحكّم والتوجيه العشر” التي تعتمدها دوائر النفوذ في العالم للتلاعب بجموع النّاس وتوجيه سلوكهم والسيطرة على أفعالهم وتفكيرهم في مختلف بلدان العالم.

مقال يوضح الخلفية الفكرية والثقافية التي تتحكم بكل دوائر القرار والحكم الغربي مهما اختلفت التسميات للقوى المنتخبة من احزاب وتكتلات سياسية واشكال واطر اجتماعية تصل الى سدة الحكم في هذه الدول يبقى المقال فعلا يعبر عن سياسات عليا ثابتة محرم المس بها تشكل قاعدة للسياسة الغربية عموما والامريكية خصوصا بلحاظ ان امريكا هي الدولة الاكثر استفادة من الفرص لتحقيق المصالح بناءا على الظروف التي اتيحت لها فيما سبق مما قدمناه. 

تشومسكي استند في مقاله إلى “وثيقة سريّة للغاية” يعود تاريخها إلى عام ١٩٧٩، وتمّ العثور عليها سنة ١٩٨٦ عن طريق الصدفة، وتحمل عنوانا مثيرا هو “الأسلحة الصّامتة لخوض حرب هادئة”، وهي عبارة عن كتيّب أو دليل للتحكّم في البشر وتدجين المجتمعات والسيطرة على المقدّرات، ويرجّح المختصّون أنّها تعود إلى بعض دوائر النفوذ العالمي التي عادة ما تجمع كبار الساسة والرأسماليين والخبراء في مختلف المجالات.

غموض كبير مازال يشوب اسلوب العثور على الوثيقة ويثير الكثير من التساؤلات، تشبه ايضا تلك التساؤلات التي أثارها نشر بروتوكولات حكماء بني صهيون، فإن فيها الكثير من الخطط الخطيرة التي توحي بأن من أعدها لم يكن أقل خبثاً ممن أعد البروتوكولات وقد تكون الجهة نفسها وهي تتحكم بدوائر القرار الامريكي والغربي عموما. 

الوثيقة بكل تفاصيلها فضلا عن مقالات نعوم تشومسكي عموما تشكل مادة مهمة جدا لفهم الواقع السياسي العالمي منذ فجر التاريخ وحتى اليوم وتؤكد على ان ما يجري انما هو مجموعة من الخطط الجاهزة التي تحول العالم والواقع السياسي العالمي الى ما يشبه لعبة الحرب الشهيرة وهذه الخطط مبنية على علوم حديثة دقيقة بنيت من اجل هذه الخطط ومنها علم يدعى بالتحقيق في العمليات المهمة جدا ونظريات متعددة مخصصة لاتخاذ القرار والتحليل الاستراتيجي والرباعي وغيره على مثال “نظرية اللعب” التی تحولت الى مادة تدرس في العلوم المعاصرة. 

تفصيل المقال باختصار وعرض سريع للوثيقة يضاف اليها الرابط الالكتروني الذي يمكنكم الوصول من خلاله لنص الوثيقة السرية المهمة جدا فضلا عن رابط آخر لنشاط وحياة نعوم تشومسكي الذي يعطي صورة واقعية عما يجري اليوم وجرى بالامس وبالماضي، كل هذا نضعه بين ايديكم في الجزء الثاني من المقال المخصص لعرض مختصر حول الوثيقة السرية وتوظيفاتها.

المصدر / الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق