دور الوهابية في هيكلية السعودية ثقافيا واجتماعيا
بتنا نسمع مع الانفتاح القائم وبسبب الأحداث الجارية بمذاهب لم نألفها من قبل، ومن هذه المذاهب “المذهب الوهابي.” والوهابية هي فئة تأسست في القرن الثامن عشر للميلاد على يد محمد بن عبد الوهاب بعد تغيير في المذهب الحنبلي، ويُعتبر ابن عبد الوهاب بمثابة مرجع ديني فقهيٍّ لهم يأخذون منه تعاليم الدين والمسائل الشرعية. وبعد ان أسس محمد بن سعود الدولة السعودية قام بمبايعة الوهابيين ووقّع حلفاً سياسياً دينياً مع محمد بن عبد الوهاب عام 1157 في منطقة الدّرعيّة، ومن هنا بات هذا المذهب بأحكامه هو القانون المتّبع في السعودية، والفكر الوهابيّ هو منطقها المطبّق والناطق.
مرتكزات عقيدة الوهابية:
في البداية لابد من الحديث عن أهم المرتكزات التي يعتمد عليها الفكر الوهابي، حيث أنهم يحرمون كل ما حرمه القرآن الكريم بالاضافة الى كل ما يمكن أن يؤدي الى عمل محرم. وجملة عقائدهم قائمة على مبدأ التحريم المطلق الذي لا جدال فيه ومنها: تحريم الموسيقى والغناء، قيادة المرأة للسيارة، الإحتفال بالأعياد الشخصية والدينية، فهم لا يعترفون الا بعيدي الفطر والأضحى وكذلك ينبذون حب الوطن والروح القومية والثورية وبالتالي الاحتفالات الوطنية، بالاضافة الى كرة القدم والعديد من انواع الرياضة، وكذلك يحرمون الرفق بالحيوان، وقراءة السير الشعبية كسيرة عنترة وتعلم اللغة الانكليزية وارتداء الزي الأجنبي الغربي وتطول قائمة الممنوعات والمحرمات الى ما لانهاية . وما يمكن الوقوف عنده هو نفيهم لظاهرة علمية لم يرفضها مذهب من قبل ألا وهي كروية الأرض ودورانها حول نفسها وحول الشّمس[1].
ومن عقائدهم الأخرى، أنهم يعتبرون التوسّل من مظاهر الشرك، ويرفضون مبدأ زيارة القبور، كما ويجب عدم طلب الشفاعة من النبيّ صلى الله عليه واله وسلم، ولا حتى الاستغاثة به صلى الله عليه واله وسلم لان ذلك يعتبر حسب عقيدتهم شركاً، ولا يجوز ايضا مناداته والاستعانة به بأيّ حال من الأحوال. كذلك يعتقد الوهابيون بالجبر، بمعنى أنَّ الإنسان مجبر في أفعاله فالله خلق الإنسان وخلق أفعاله وكلّ ما يقوم به من خير أو شر، ولا يجوز الخروج على الحاكم الجائر، والمستبدّ الفاسد، ويوجبون طاعته والاستماع له، كما جاء في كتاب الأحكام السلطانيّة. وإذا خالف الإنسان أمر الله عن جهالة فإنّه يكون مبتدعاً حتّى لو كان جهله عن قصور لا عن تقصير.
من جهة أخرى، يعتبر الوهابيون أن كل من هو ليس بوهابي كافر وغير مسلم دمه مباح ويجوز قتله. وقد رفضوا كافة المذاهب الاخرى والشّيعي هو من ألد خصامهم حيث نال النصيب الاكبر من كره وحقد المذهب الوهابي.
نشاطات الوهابية:
ثانيا وعلى صعيد نشاطاتهم، فإن الوهابية بفكرها وأفكارها تمارس العديد من النشاطات الاجتماعية والثقافية المختلفة، بهدف ترسيخ عقائدها في ذهن الشعب السعودي أو حتى في عقول مختلف الشعوب الأخرى. فهي تقوم بإفتتاح المدارس الدينية الخاصة بها واستقطاب الناس اليها لتعليمهم اسس العقيدة الوهابية القائمة على تكفير المسيحية وجميع المذاهب والفرق الإسلامية الأخرى كالشيعة والمتصوفة والأشعرية والإفتاء بجواؤ قتلهم وقطع أيديهم وأرجلهم وسبي نسائهم وأطفالهم وأموالهم، كما تستغل الفقراء وتجذبهم الى مؤسساتها الخيرية المنشئة بغرض ترسيخ مختلف احكام وأصول الفكر الوهابي في عقولهم.
وقد استطاعت الوهابية بسبب نفوذها الكبير داخل السعودية ادخال عقيدتها في مناهج التعليم ليتم تدريسها كمادة دينية اساسية على الجميع معرفتها لا بل وينصحون بالتعمق بها. كما انهم يستغلون أوقات معينة لنشر كتب تتحدث عن الفكر الوهابي لحث مختلف الناس ومن دول اخرى لاتباعه ونشره فيما بينهم كما في مواسم الحج حيث في مكة وبعد انتهاء المناسك مباشرة شاهد الحجاج حافلات صغيرة تحمل اشخاصا لهم لبس معين ذات طلاء بني وهم يوزعون كميات كبيرة من الكتب التكفيرية المحرضة على الكراهية وخاصة مايتعلق بزيارة القبور والاماكن المقدسة وفيها دعوة صريحة الى الفكر الوهابي المتطرف[2].
المؤسسات الدينية وأنشطتها:
تتميز السعودية بوجود السلفية الرسمية فيها والتي تظهر في مختلف الانشطة التي تقوم بها المؤسسات والجهات الدينية الرسمية كهيئة كبار العلماء، مجلس القضاء الأعلى، هيئة الأمر بالمعروف، الجامعات الدينية، رجال الدين الرسميين سواء كانوا مبلغين أو خطباء أو أئمة مساجد، وهي تتلقى الدعم الكبير من الأسرة الحاكمة من تأسيسها حتى الساعة. كما أن للمؤسسات الدينية والعديد من رجال الدين أدواراً وأنشطة ثقافية واجتماعية عدة تقع في ظل المؤسسة الدينية الرسمية، وهي تخضع لإشراف اسمي من جانب الدولة، لكنها تعمل بصورة مستقلة عنها. ولعل ابرز هذه النشاطات هي الجمعيات الخيرية لتحفيظ القرآن، وجمعيات البر، التي يقود معظمها امراء المناطق، لكن ادارتها بيد رجال دين وتعتبر مستقلة عن الدولة. ومن الأنشطة أيضا انشاء المكاتب التعاونية للارشاد والدعوة وتوعية الجاليات، موزعة في جميع محافظات السعودية، حيث تقوم بتنظيم المحاضرات والدروس وتوزيع المطبوعات وحفلات افطار الصائمين وغيرها من االانشطة.
دور الوهابية في هيكلية السعودية:
ثالثا، لابد من الحديث عن دور الوهابية في التأثير على هيكلية السعودية اجتماعيا وثقافيا، فالوهابية من بداية نشأتها وتحالفها مع الدولة السعودية أي منذ الميثاق التاريخي بين السلطة الدينية ممثلة في ابن عبد الوهاب والسلطة السياسية المالية ممثلة في ابن سعود، قامت بإدخال عقيدتها في فصول الحياة السعودية كافة وعلى مختلف الصعد اجتماعيا وسياسيا ودينيا وثقافيا وقضائيا وغيرها. فباتوا يستنبطون الأحكام والقوانين من هذا الفكر والذي اصبح نفوذه ومكانته قوية جدا هناك بل وبدأت تتسع يوما بعد يوم في السعودية، فمثلا تشاهد هناك ما يسمى بالمطوعين الذين يقومون بدور الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر في الشوارع ويعطون لأنفسهم الحق بالتدخل في الشؤون الخاصة وإجبار الناس على التصرف حسب اعتقاداتهم رغم أن ما يطلبونه قد يكون في الكثير من الأحيان من المستحبات التي لا يجب فعلها حسب الشرع الإسلامي مثل إجبار المارين في الشارع حين الأذان على الذهاب إلى الصلاة فوراً[3]. كما أنّ تشريعهم بات خليط الافكار الوهابية حتى بالنسبة لحياتهم الاجتماعية التي تأثرت وبشكل كبير بهذه العقيدة فأصبح الناس يمتثلون لأوامرهم ويمشون على خطاهم. بالنتيجة فإن الوهابية قد أعلنت عن عقيدتها ونشرتها في السعودية حتى استطاعت تغيير مرتكزات وقوانين هيكلية الحكم والنظام وبات معروفا ان فكرهم هو الفكر الطاغي والمهيمن هناك حتى صار معظم الشعب متمسكا بهذه العقيدة.
ردود الفعل حول الفكر الوهابي:
إن الوهابية التي تعتبر نفسها المذهب الإسلامي الوحيد نشرت عقيدتها على حد السيف، حيث قامت بالعديد من المجازر بحق المذاهب الاخرى باعتبارهم كفاراً ففي عام 1802 احتل 12 ألف وهابي بقيادة سعود الجزء الجنوبي من العراق، ودخلوا كربلاء، وذبحوا 4 آلاف شيعي، ونهبوا الأضرحة، بما في ذلك ضريح الإمام الحسين. وقد وصف وكيل نابليون، الذي زار الجزيرة العربية عام 1807 (علي باي): “لم يصمد السكان طويلاً مِمّا قامُوا بمجزرة على كربلاء، وكان هناك طبيب وهابي يصرخ من على برجٍ أن اقتلوا واشنقوا كل الكفار الذين يشركون بالله”[4]، وكذلك قامت بهدم قبور المسلمين الأوائل والعديد من الاولياء الصالحين والمؤمنين في السعودية حتى أرادوا هدم قبر النبي محمد خاتم النبيين (ص) لولا الصحوة الاسلامية التي منعتهم وحالت دون ذلك. ومن هنا فقد لاقت العديد من ردود الفعل التي شجبت وانكرت هذا التفكير لا وبل دعت الى محاربته بسبب ممارساته وافكاره التي يقوم بنشرها، حيث أن جيع المذاهب الأخرى لم تتفق معهم حتى أن سليمان بن عبد الوهاب أخ المؤسس لهذا المذهب لم يتبع مذهب أخاه بل أنكره وأصدر كتاباً بعنوان “الصواعق الالهية” يفضح أفعال المتبعين لهذا الفكر. وقد رفض الامام الخميني(قدس) ايضا الوهابية واصفا اياها بأنها تتعارض مع القرآن الكريم وأنها معتقد لا أساس له [5]. وكذلك اعتبر العديد من المراجع والعلماء والنقاد بأن هذا الفكر لا علاقة له بالدين بل انه يعتمد على بسط عقيدته الهمجية بالقوة والبعيدة كل البعد عن المنطق والدين الاسلامي. ومنهم من اعتبرها الوجه المقيت للارهاب [6]. ونختم بكلام عميد كلية الدراسات الدولية في جامعة طهران الدكتور محمد مرندي عن الفكر التكفيري الذي يستهدف أعرق الحضارات الإنسانية حيث قال: إن الحقيقة تشير إلى أن الأغلبية في العالم الإسلامي لا تقبل الوهابية والفكر المتطرف…[7] .
المصدر / الوقت
طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق