محاولات سعودية لإبعاد حركة حماس عن محور المقاومة عبر البوابة المصرية
في ظل الصراعات المتداخلة، تسعى الدول لإعتماد سياسةٍ في بناء العلاقات الخارجية، على قاعدة المصالح الكبرى. لكن إعتماد المبادئ ليس من عادة بعض الدول، والتي تعتبر مبدأها الأساسي، هو المكسب السياسي. وهو الأمر الذي يمكن أن ينطبق على السعودية، التي تعيش حالةً من التصدع الداخلي، والفشل الخارجي. وهنا يطفو على السطح، النقاش الدائر حول محاولة السعودية التقريب بين حركة حماس ومصر، ليس من باب الجمع بينهم، إنما من باب ضم حركة حماس لتحالفٌ قد يضرب محور المقاومة بحسب رأي المخطط السعودي. فماذا في السعي السعودي للتقارب المصري مع حماس؟ وكيف يمكن قراءته؟ ولماذا تُقدم السعودية خدمةً للكيان الإسرائيلي؟
السعي السعودي للتقريب بين مصر وحماس
تحاول السعودية مؤخراً، خلق نوع من التقارب بين مصر وحركة حماس. وقد ظهر ذلك جلياً في لقاء الرئيس عبد الفتاح السيسي، ووزير خارجيته سامح شكري، مع وزير الخارجية السعودي عادل الجبير. فقد تقدَّم الأخير بمقترحٍ للمصالحة بين مصر وحركة حماس. وقد إستجابت مصر للمبادرة السعودية بالتصالح مع حماس، إذ أنه وبعد زيارة خالد مشعل، رئيس الحركة للسعودية بأسبوعٍ واحد، أعلنت مصر إزالة حماس عن قائمة الجماعات الإرهابية. كما فتحت معبر رفح مع قطاع غزة لمدة أسبوع لنقل المؤن الغذائية ومواد البناء أيضاً. من جانبها، تعهدت حماس بوقف انتقاد مصر فى الإعلام وعدم تنفيذ عمليات فى أنفاق معبر رفح. كما تم الإتفاق على التعاون بين مصر وحماس فى لقاء بين رئيس المخابرات المصرية خالد فوزى، وقادة من حماس فى قطر. في وقتٍ يعتبر فيه هذا اللقاء الأول من نوعه منذ إعلان مصر حركة حماس جماعة إرهابية.
قراءة تحليلية:
أن تختار السعودية ضرب محور المقاومة، أمرٌ ليس مستغرب على الرياض داعمة الإرهاب. فالدولة التي إختارت ترسيخ عرشها على مستنقعات دم الشعب العربي، لا يُستهجن على الإطلاق قيامها بمحاولة تفكيك محور المقاومة، عبر استمالة حركة حماس الفلسطينية. وهنا يجب الإنتباه الى التالي:
– على الرغم من موقفها من الأزمة السورية، وقيامها بالمناداة بإسقاط النظام، كانت تُدرك حركة حماس أن ما قدمته إيران للقضية الفلسطينية، لم يقدمه أحد. كما أن ما قدمه النظام السوري لقياداتها، لم تقدمه السعودية حينها. بل إن الحقائق التاريخية تقول أن السعودية لم تتعامل مع قضية المقاومة الفلسطينية من منطلق الأولويات بل من منطلق المصلحة، وهو الأمر الذي ترجمه تواجد كوادر حركة حماس لفترة طويلة في سوريا التي إحتضنتهم، بعد أن رفضتهم الرياض.
– لذلك فإن السياسة السعودية القائمة على التعاطي بقدر المصلحة، ليس جديدة. وهنا نقول أن محاولة السعودية، التقريب بين الطرف المصري وحماس، ليست إلا محاولةً لضرب محور المقاومة. وإبعاد حركة حماس التي تؤمن بأن إيران تعتبر القدس قضيتها، عن الساحة الجهادية العريقة لها. وبالتالي فالرابح الأكبر من هذه العملية، لن تكون الرياض ولا القاهرة، ولا النخوة العربية، بل سيكون الكيان الإسرائيلي.
– كما أن هذا لا يعني أن الخاسر سيكون طهران. فلا بد من الإشارة الى أن دعم إيران لحركات المقاومة والفلسطينية منها بالتحديد، نابعٌ من منطلقٍ عقائديٍ آمنت به القيادة الإيرانية وما زالت. وهي التي في أوج التخاذل العربي للقضية الفلسطينية، مدَّت يد العون لجميع حركات التحرر لا سيما المقاومة الفلسطينية. فإذا كانت الرياض تُقيم حساباتها على قاعدة الربح والخسارة، فإن طهران تتعاطى ضمن مبادئها التي تؤمن بها، بغض النظر عن تصرفات الطرف الآخر، والتي قد تكون متخاذلةً في بعض الأحيان.
– لذلك فإن التقارب بين حماس ومصر، كما أنه سيُفيد وبطريقة غير مباشرة، الكيان الإسرائيلي، بالنظر لما نصَّه الإتفاق بين الطرفين، فإنه سيضر في الواقع الطرف المُتراجع عن دوره الجهادي ضد الكيان الإسرائيلي. وبالتالي فإن محور المقاومة القائم على شعوب تؤمن بالخط المقاوم، لن يؤثر بها، تغيُّر موقفٍ لجهةٍ هنا أو هناك.
إذاً إن ما يجب الوقوف عنده ملياً اليوم، هو الحال العربية المتردية، والتي وصلت لها الأمة. فأين النخوة العربية التي تضع في أولوياتها قضية القدس؟ وما هي المصلحة السعودية في محاولة إسترضاء الكيان الإسرائيلي؟ كما أنه يجب الوقوف عند المصلحة المصرية في ذلك! وهنا لا بد من إيضاح التالي:
– لم تكن مصر في الآونة الأخيرة، مهتمةً للشأن الفلسطيني، وبالتحديد عندما تقوم بالتعاطي مع قضية فتح المعبر من منطلق أنها ورقة ضغط سياسية. فأين الحس الإنساني تجاه الشعب الفلسطيني؟ لكن مصر التي تبحث عن دورٍ جديدٍ لها في المنطقة، سعت لبناء توازنٍ بين علاقتها بالكيان الإسرائيلي وحركات المقاومة، الى جانب السلطة الفلسطينية. وهو الأمر الذي تقع في خانته، مسألة إرسال سفير مصري لتل أبيب، بعد غيابٍ دام ثلاث سنوات.
– وبالتالي فإن المبادرة السعودية والتي أفضت لهذا التقارب، أدت وللأسف لتحويل إحدى حركات المقاومة الى أداة في الخطوات الإستراتيجية التي تقوم بها السعودية، من أجل إبعاد الأطراف عن إيران. ظناً منها بأن ذلك سيؤثر على نفوذ وتعاظم طهران، أو سيكسر محور المقاومة الذي يحقق الإنجازات من سوريا الى لبنان والعراق. لكن الواضح أن جلوس أمريكا مع إيران، ما يزال يؤرِّق الرياض، وبالتالي فإن هذه المسألة تأتي من ضمن ردات الفعل.
– ولأن الواقع السياسي في المنطقة تغير، جمعت المصلحة الخصوم السياسيين. فتركيا التي حجَّت الى الرياض، جمعها بالسعودية إسقاط النظام في سوريا، كما إقترحت عليها إحتضان حماس. ليس كمقاومة بل كحركةٍ جذورها إخوانية، وهو الأمر الذي يتطلب بالنتيجة التقريب بينها وبين مصر.
النتيجة:
لا تريد السعودية أن يكون بيد العرب أوراق قوةٍ بوجه الكيان الإسرائيلي. وتظن أنها قد تفصل إيران عن القضية الفلسطينية. إذاً تعود السعودية للعبة الحسابات الخاطئة. فإيران التي تدعم حركات التحرر في العالم، لا تنتظر جميلاً من أحد. وهي التي تعرف الوفي والمتخاذل جيداً. ومن يظن أن محور المقاومة يمكن كسره، فعليه أن يُعيد حساباته جيداً، لأن سياسة إيران تجاه المنطقة، سياسة قائمةٌ على إرادة الشعوب وليس دفع الأموال. وبالتالي فإن القضية الفلسطينية، هي قضيةٌ للشعوب، التي تدعم المقاومات. مما يعني أن محور المقاومة قائمٌ على أرضيةٍ صلبة، لا يمكن أن تُكسر. بينما أثبت التاريخ أن كل ما يُشرى بالمال، يذهب مع المال سريعاً.
محمد علي جعفر
طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق