تفجيرات داعش ونظرية الإرهاب البناء
بعثت الهجمات الإرهابية التي استهدفت القارات الثلاث بالأمس من قبل تنظيم داعش الإرهابي رسائل متعدّدة الإتجاهات، فاتحةً باب التساؤل عن الوجهة المقبلة للتفجيرات، ومدى القدرة الداعشية على إختراق “إمارات جديدة” في دولة الخلافة المزعومة.
لم يقتصر تنوع العملية الإجرامية بالأمس على البعد المكاني باستهداف القارات الثلاث، بل تعداه إلى تنوع غير مسبوق في هوية الهدف. ضحايا تفجيرات الأمس إنتموا إلى أديان وأعراق عدة، فقد إستهدف العرب الشيعة في الكويت، والعرب السنة في تونس والأكراد السنة في عين العرب، والمسيحيين في أوروبا، ليقطع هذا التنظيم الشك باليقين للجميع بأن الإرهاب لا دين له سوى إلغاء الآخر لأي دين أو قوم إنتمى.
تقاطعت أهداف هذه الهجمات الإرهابية مع الحملة التي يروج لها التنظيم الإرهابي “داعش فوبيا” أو بالأحرى زرع الرعب في قلوب الناس، وذلك عبر الفيديوهات البشعة التي تطالعنا كل يوم في وسائل التواصل الإجتماعي، إلا أن رسائلها كانت بإتجاهات مختلفة.
كردياً، حاول التنظيم الإرهابي أن يثبت للأكراد أن بإستطاعته السيطرة على الأراضي الكردية متى أراد ذلك، أما شيعياً فهذه الهجمة هي الثالثة من نوعها في الدول الخليجية، وبالتالي تأتي ضمن البنية العقائدية للتنظيم، ولكن ما هو مستغرب نشر بعض التويتات التي تحدد وجهة التفجير المقبل(تناقلت بعض وسائل التواصل الإجتماعي تهديدات مفادها “اليوم الكويت والجمعة المقبلة البحرين”) ما يطرح العديد من التساؤلات حول التفجيرات في هذه الدول، إن من حيث القدرة الداعشية على ذلك، أو من حيث التواطئ أو التغاضي لحكام هذه الدول عن إستهداف الشيعة في سياق مشروعها الإقليمي. وأما في تونس، فلم تكن حادثة الإعتداء هي الأولى من نوعها على السياح الأجانب، لذلك تأتي في إطار “الداعشية العالمية” أو “الإرهاب البناء” الذي أراد إيصال رسالة “القارات الثلاث” لمن يهمه الأمر.
فرنسياً، رغم أن خسائرها إقتصرت على إحدى العمال، إلا أن رسائلها ضرب الأمن الأوروبي بأكمله وإستنفاره لأي هجوم إستباقي على داعش الإرهابي في الشرق الأوسط، خاصةً أن العديد من الدول الأوروبية إستنفرت بالأمس خشية هجمات إرهابية، في حين تأهب الأمن الأمريكي لينتظر هجوم داعش الإرهابي.
لا ريب في أن ممارسات داعش بالأمس في “يوم الجمعة الأسود”، كشفت أن أصحاب هذا الفكر التكفيري الإرهابي الآثم يمارسون وحشيتهم ضد الجميع، فيرتكبون مجازر توازي أفظع ما شهدته البشرية على امتداد تاريخها. ولكن من المستفيد الأكبر من هذه التفجيرات؟ هل هو تنظيم داعش الإرهابي؟ أم من يقف خلف هذا التنظيم من وجهة نظرنا؟ أم أننا نرى سيراً تكاملياً بين الطرفين في آن واحد؟
الجهات المستفيدة:
أولا سعت تفجيرات الأمس للضرب على وتر الطائفية في دولة خليجية يشكّل الشيعة منها حوالي الـ٤٠%، وبالتالي يريد التنظيم أو من يقف خلفه إشعال فتنة طائفية تخدم المشروع الأمريكي الإسرائيلي، خاصةً أنه فشل في ذلك عندما استهدف أبناء الطائفة نفسها في السعودية. داعش من خلال هذه الأعمال الإجرامية وإشعال الفتنة الطائفية يسعى لجذب كافة أهل السنة إلى جانبه وجعلهم بيئة حاضنة، ولكن هل نسي هذا التنظيم ما فعله بأهل السنة والجماعة في العراق وسوريا؟ ألا يدرك هذا التنظيم أو من يخطط له أن أفعاله ترفضها الإنسانية جمعاء بصرف النظر عن الدين والقومية؟
ثانياً تأتي هذه التفجيرات لتعزز من فرصة المشروع الأمريكي الجديد للمنطقة وخاصةً إقامة قواعد عسكرية جديدة في العراق. وبما أن الشعب العراقي رفض هذا الأمر لا بد من إعطاء داعش صبغة العابث بالأمن القومي العالمي (ضرب القارات الثلاث) وبالتالي يسهل على أمريكا العودة إلى المنطقة تحت مظلة الفصل السابع من الامم المتحدة، وبتعاون أوروبي كون أوروبا من أبرز الأهداف.
ثالثاً ما مدى صحة الإدعاءات الكردية بوقوف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وراء تسهيل مرور الجماعات الإرهابية بإتجاه عين العرب، ألم تفعل القيادة التركية الأمر نفسه عندما حاول الجيش السوري فك الحصار عن بلدتي نبل والزهراء في الفترة الأخيرة؟ هل يحاول أردوغان الإنتقام من الأكراد بعد فشله في تحقيق أغلبية تؤهله لقيادة تركيا؟
رابعاً جاء الهجوم الإرهابي على مصنع الغاز الأمريكي بمدينة ليون الفرنسية في ظل أزمة دبلوماسية بين البلدين إثر تجسس الأولى على الاخيرة وفق وثائق ويكيليكس، ليطرح العديد من التساؤلات حول الجهة الحقيقية التي تقف وراء الهجوم، فهل أرادت أمريكا أن تصرف النظر عن أزمتها الدبلوماسية مع فرنسا عبر هذا الهجوم الذي يخدمها دولياً اذا ما قرّرت التدخل البري في منطقة الشرق الأوسط كونه “منبع الإرهاب” وفق النظرية الأمريكية؟
يبدو أن الأمريكي، وكما هو الحال دائماً مع الجماعات التكفيرية، يعتبر المستفيد الأكبر من الهجمات الإرهابية، ولكن الرسائل الإستراتيجية للإرهاب الداعشي البناء وفق النظرية الأمريكية تضع كافة دول وشعوب المنطقة في نفق مظلم لن نخرج منه سوى بطريقتين، إما المقاومة الشرسة، أو الإحتلال الأمريكي للمنطقة ونهب خيراتها.
المصدر / الوقت
طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق