التحديث الاخير بتاريخ|السبت, نوفمبر 16, 2024

في أي بيئة ينمو التطرف؟ 

رغم وجود اسباب مختلفة لوجود ظاهرة “داعش” الارهابية يجب الاذعان بأن هذا الوجود نابع من فكر اصبحت له ارضية اجتماعية في المنطقة وان مواجهته يحتاج الى معرفة عميقة، ان حماة هذه الظاهرة المحليين والاقليميين والدوليين قد اوجدوا لها منطقة للانتشار وقوة للمناورة وان القضاء على هذه الظاهرة لن يكون بإبداء القلق واللعن بل يجب معرفة اسباب ظهورها واهداف مَن اوجدوها ومكافحة شاملة وتعامل اقليمي ودولي من اجل ذلك.

ان الامعان في الاوضاع الراهنة يظهر ان تنظيم داعش الإرهابي يمتلك مقومات البقاء وان زواله في القريب العاجل امر مستبعد وان شعوب المنطقة ستتحمل اعباء هذا الوجود لفترة طويلة، كما ان داعش الذي يستهدف الشيعة بشكل اكبر يسعى الى جر الآخرين لردات فعل انتقامية وضرب الشيعة بالسنة وهنا يمكن القول ان حماة داعش الدوليين يستفيدون منه لتشويه الاسلام في العالم وايجاد فتنة طائفية في المنطقة.   

وفيما يحاول الغرب احداث تغيير في الشرق الاوسط يعتقد الغرب ان هذا التغيير لن يكون فقط عبر تغيير الانظمة السياسية بل يجب استهداف الاسلام كعنصر ينظم العلاقات في حياة المسلمين عبر رفع شعار فصل الدين عن السياسة وهذا يعني القيام بطرد الدين من الحياة كما حصل في المجتمعات الغربية ولذلك نجد ان الغرب يحاول اشعال فتنة مذهبية في الشرق الاوسط لاضعاف الصبغة الدينية ومن ثم تطبيق العولمة والعلمانية في الشرق الاوسط حيث يعتقد الغربيون ان الحروب المذهبية في اوروبا لعبت دورا في ايصال الغرب الى العلمانية ولذلك يجب تكرار هذه التجربة في الشرق الاوسط.  

ان هذا المخطط الغربي سيحل ايضا مشكلة امن الكيان الاسرائيلي ويساعد على تشكيل شرق اوسط جديد يلائم التوجهات الغربية ويجب الانتباه ان اهداف حماة داعش الدوليين لها اهمية استراتيجية فائقة تفوق اهداف حماته المحليين ولذلك يجب القول ان اللعبة الجارية هي لعبة غربية بامتياز. 

وفيما يتعلق بالشأن الاقليمي يجب الاخذ بعين الاعتبار ان ظهور داعش وتقويته لم يكن ممكنا دون وجود الدعم السعودي والتركي وان سبب ذلك هو المواجهة مع ايران ووهم وجود الهلال الشيعي في وقت يوجد هذا الهلال بين السنة انفسهم، ان التغيير الحاصل في العراق بعد سقوط صدام ومجيء الشيعة الى الحكم دفع انقرة والرياض الى تسريع عملية الحرب المذهبية تحت غطاء تنظيم داعش الارهابي وبما ان كل الاطراف الموجودة في الشرق الاوسط لا تمتلك القدرة على ازالة الآخرين فإن هذا الصراع الذي له صبغة طائفية لن يجلب للمنطقة سوى المزيد من الدمار والحقد كما ان تغليب العقل والمنطق والقبول بالتعامل بدلا عن التناحر سيجنب المنطقة مخاطر كبيرة في الوقت الراهن وفي المستقبل.   

ان تاريخ وثقافة ومذاهب وجغرافيا الشرق الاوسط هو نتاج عملية تاريخية طويلة ولايمكن تغييره بالحروب والعنف، وان التدخلات الخارجية قد تسببت بحدوث تغييرات في المنطقة ربما تروق لبعض الدول في الامد القصير لكن عندما يصل الامر الى استخدام أداة مثل داعش فان النتيجة ستكون مدمرة لجميع بلدان المنطقة وهذا ما يحتم ضرورة ايجاد حل لمشكلة ظاهرة داعش وظاهرة التطرف والارهاب عبر التوصل الى السلام قبل انتشار الحرب وتهيئة الظروف الملائمة للتعامل بين دول المنطقة.   

قبول الشيعة والسنة كل منهما للطرف الآخر واعطاء الحقوق بالتناسب مع حجم كل منهما ينهي ارضية الصراعات على المدى البعيد ويرسي الاستقرار في المنطقة لكننا اذا لم نغير افكارنا فان التغييرات الخارجية هي التي ستغير افكارنا، ان التغييرات الناجمة عن التدخلات الخارجية ستقضي حتى على الوضع الموجود حاليا وستدفع الامور نحو ما هو اسوأ بكثير ويجب على دول المنطقة ان لاتقع في فخ هذه اللعبة التي يديرها الاجانب والتي لاتخدم الشيعة ولا السنة ورغم ان هناك ارضية مهيأة لوجود داعش في المنطقة لكن وجود اجواء وثقافة التعامل بين دول المنطقة سيقضي على جذور هذه الظاهرة.

ان الشيعة والسنة قد عاشوا في هذه المنطقة لقرون عديدة ولم يكن هناك صراع طائفي ومذهبي بينهما لكن مجيء الاستعمار الى هذه المنطقة وخلق جماعات متطرفة هو الذي تسبب بايجاد صراعات وتوفير بيئة مؤاتية لنمو الارهاب وتنظيمات مثل داعش وان العودة الى الذات وتحكيم العقل والمنطق والتمسك بالتعاليم الدينية الحقيقية ورفض التدخلات والمؤامرات الاجنبية سيجنب المنطقة وشعوبها مخاطر كبيرة تحدق بهم.

المصدر / الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق