مخطط “شق الصف” الإخواني.. الأهداف والأبعاد
دخلت العلاقة بين جماعة “الإخوان المسلمين” وبعض حكومات المنطقة مرحلة جديدة عنوانها “شق الصف” الإخواني حيث تحاول الأردن الضرب على وتر الخلافات القائمة بين بعض أعضاء الجماعة لمحاربتها وتفتيتها أو وضعها تحت العباءة الحكومية.
لم تنتظر الحكومة الأردنية طويلاً حتى تترجم “الخلافات الإخوانية” على أرض الواقع، فقد أوضح وزير التنمية السياسية الأردني خالد الكلالدة، في تصريح لـ”القدس برس” أن حكومة بلاده لاتعترف إلا بـ “جمعية الإخوان المسلمين” المرخصة حديثا في سجلات وزارة التنمية السياسية، في إشارة إلى عدم الاعتراف بـ “جماعة الإخوان المسلمين” الأم، فمن هي هذه الجماعة الجديدة؟
حركة الإخوان الجديدة
حصل القيادي المفصول (المراقب العام) من “الإخوان المسلمين” الأم في الأردن، عبد المجيد الذنيبات، في الآونة الأخيرة على ترخيص رسمي من وزارة التنمية السياسية بتأسيس جمعية تحمل اسم “جمعية جماعة الإخوان المسلمين”، بينما تعتبر الجماعة الأم بقيادة الدكتور همام سعيد، أن “الترخيص لجمعية جديدة، خطوة في سياق استهداف الجماعة وشرعية وجودها”.
جماعة “الإخوان الجديدة” التي أقامت إفطاراً شاركت فيه الأردن الرسميّة على غير عادتها ممثلةً بوزير الأوقاف والمقدسات الإسلامية هايل داود، بالاضافة إلى مشاركة عمدة العاصمة عقل بلتاجي وعدد من النواب، نجحت في منع الجماعة الأم من عقد عدة فعاليات دأبت على تنظيمها سابقاً، من أبرزها منع الإفطار الرمضاني السنوي بالتنسيق مع وزارة الداخلية، كما طالبت الحكومة الأردنية بتحويل الأموال المنقولة وغير المنقولة المسجلة باسم الجماعة الأم إليها، باعتبارها الجهة الشرعية والمرخصة في الأردن بعد مصادرة السلطات مجموعة من ممتلكات الجماعة ملحقةً إياها بجمعية الإخوان المرخصة حديثا.
الذنيبات ألقى خطاباً سياسياً بامتياز في الإفطار الحاشد، واصفاً الجماعة على أنها “هيئة اسلامية تعمل ضمن اطار وطني اسلامي، تحمل مشروعا اصلاحيا وطنيا هدفه حماية الاردن وحفظ أمنه واستقراره ونظامه، وارساء معالم الديمقراطية، واقامة الدولة المدنية باعتماد المنهج السلمي، وتبني الفكر المعتدل، القائم على التسامح والتعاون والمشاركة في العمل السياسي، وبناء علاقات طيبة مع مؤسسات الدولة، بعيدا عن التشكيك والتخوين وحفظ هيبة الدولة، وصيانة أمنها واستقرارها، والحفاظ على الوحدة الوطنية، واعتماد عملية التدرج في الانتقال نحو الديمقراطية، وتبني الخطاب العقلاني الايجابي”.
الحركة الجديدة حاولت إضفاء صبغة وطنية على نفسها، معلنةً عن وجود مشروع “مراجعة تقويمية شاملة لمراحل عمل الجماعة خلال الفترة الماضية، من أجل تقديم خطط عمل مستقبلية تقوم على العلمية والواقعية والبرامجية المؤسسية في مختلف المجالات التي تحقق أهداف الجماعة”.
صحيح أن الحكومة الأردنية لم تعلن حظر جماعة الإخوان بصورة صريحة، إلا أنها اتخذت إجراءات توحي بـ”الإنقلاب” على معادلة التعاطي السابق مع جماعة الإخوان. الخطوة الأردنية على الطريقة البريطانية أثناء إحتلالها لدولنا العربية في القرن الماضي، تفتح الطريق على خطوات مماثلة في دول الجوار حيث تستفيد بعض حكومات المنطقة من الترويج الإعلامي ضد جماعة الإخوان “الأصلية”، والعلاقات المستحدثة التي بنتها معها( السعودية على سبيل المثال) لشقّ الصف الإخواني، وجعله موظفاً لدى أجنداتها. ولكن ما هي أهداف وأبعاد هكذا خطوة على دول المنطقة؟
الأهداف والأبعاد
يرى البعض أن أحد أبرز أهداف الخطوة الأردنية هو الحد من الحضور الإخواني على الساحة الأردنية خشية الوقوع في التجربة المصرية، في حين يؤكد آخرون إستناداً إلى تقارير عدّة أن الخطوة الأردنية تتماهى مع السياسة السعودية الجديدة في التعاطي مع الجماعة. السعودية كانت السبّاقة في التعاطي مع الإخوان المسلمين الممثلين بحزب الإصلاح في اليمن، ذلك أن الرياض تحاول تمرير أهداف عدّة من خلال هذا المخطط، أبرزها:
أولاً تحد من الدورين التركي والقطري في داخل الجماعة، وبالتالي تنجح في تعزيز دورها الإقليمي عبر الجماعة سواءً في مصر، سوريا، اليمن أو الأردن.
ثانياً مع قليل من المرونة، تحاول السعودية رأب الصدع بين مصر وتركيا في الملف الإخواني، بإعتبار جماعة الإخوان الجديدة وطنية “بإمتياز”، ولا تهدّد الحكومة المصرية والرئيس السيسي. والسعودية ستحاول إسقاط الرئيس الأسد عبر محور سعودي- تركي- مصري جديد.
ثالثاً تكون الخطوة الحالية مقدّمة لضرب الإخوان في مصر التي تحدّد مصيرهم، فقلب الجماعة في مصر، ووفاتها في مصر، ومصيرهم يبقى رهينة بما يحدث للإخوان في مصر.
وأما من ناحية الأبعاد، لم تنجح كافّة الإجراءات السابقة ضد الإخوان المسلمين منذ تأسيسها في إنهائها أو ترويضها في خدمة الحكومات المحلية، إلا أن المشروع الجديد سيحاول تفتيت الإخوان في اتجاهين كل منهما يظن أنه ورث الجماعة وتاريخها، وأن سلوكه هو التجسيد لحقيقة أفكار وأهداف الجماعة. السعودية ستروّج لقسم على أنه تنظيم إسلامي”قانوني”، في حين سيصبح القسم الآخر غير قانوني ومحارب وربّما “إرهابي” لدى حكومات لم تعهده كذلك.
ختاماً، إنتقلت السعودية من مرحلة محاربة الجماعة، إلى ترويضها وتفتيت ما يتبقى من التنظيم الأصيل، وهذا ما ظهرت بوادره في اليمن عبر الدعم لحزب الإصلاح الإخواني، إلا أن تعنّت النظام المصري في قبول أي شكل من أشكال الجماعة، وكذلك وحدة صف إخوان مصر، والدعم القطري للإخوان الأم أسباب عدّة ستقف حجر عثرة أم المشروع السعودي.
طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق