التحديث الاخير بتاريخ|الأحد, نوفمبر 17, 2024

غربة الشرق .. قوى الظلام وأطماع الغرب بين الماضي والحاضر 

 الموت القادم الى الشرق.. مسلسل تليفزيوني سوري قديم عرض منذ سنين على شاشات العربية تكرارا.

قصته تختصر المأساة وتعبر عن واقع مرير يمر فيه الشرق منذ فجر التاريخ..

لم يترك الاستعمار مكانا شرقيا الا ووضع بصمته عليه.. فهل أهل الشرق قد أمنعوا الاستشراق فتاهت سفنهم ووهنت قلاعهم فطمع الطامعون حيث تاه أهل الأرض وأضاعوا الحرمات وباعوا الحق لقاء الكرسي والحكم ؟؟

 أم أن الغرب بعيونه الجشعة وأطماعه الواسعة ورذائل ثقافته المشوهة وعفن المادة المتأصلة في توجهاته جعله آلة موت وقتل وكذب فارغة من أي جوهر ومضمون تتكل على الاعلام والمال لتستر شراهتها لانتهاك الحقوق تحت غطاء مؤسسات قامت بيد ظالم لتحاكم المظلوم !

لعبة الشرق والغرب، قصة الحمل والذئب والعطش الفاصل، وحكاية تاريخ دموي لم يغفل المؤرخون ولا بقايا الاثار الشاهدة عن أرشفة تفاصيله..

هنا أقام البزنطيون قلاعهم، وهنا احرق الصليبيون حضارة وبنوا حصنا وهناك غابت حضارات بيد الاسكندر وانقادت جيوش مهزومة وأقيمت المشانق وأصدرت الفرامانات وحكمت السلاطين والباشاوات وتصارعت الامراء والملوك .. 

وهنا في الشرق أقام الغرب بين الحاضر والماضي مؤامرات ومستعمرات اختفت حدودها الجغرافية وبقيت قلاعا وحصونا اسميناها آثارا ولكنها أصبحت قصورا سياسية وسفارات واستخبارات ومشاريع تعبر سفن موت عائمة في بحر دماء الشرقيين !

الموت القادم الى الشرق .. منذ الصغر ترك بصمته في ذاكرتي..

يحكي المسلسل قصة حقيقية عن شرقيين قاوموا الاحتلال والاستعمار الظالم مقارعة الابطال, حتى بات الحجر والشجر والصخر والهواء يحكي قصة بطولات وشهداء وشرف ينتزع بحد السكين وآخر رمق لروح أبية .. ومعاناة المقاومة والمقارعة عذابات ورائحة موت وسجون وآهات واضطهاد يحكي المسلسل تفاصيله ببراعة وألم يختزن القلب لظلم  غربي في الماضي !

تفرح في اخر المسلسل أنت الصغير, تشاهد مشهد انتصارالثوار يخلعون باب القلعة ويطردون ويقتلون جنود الاستعمار.. فيفرح قلبك بعد مرارة عشرات الحلقات المؤلمة من مسلسل الاضطهاد الذي يحكي واقعا لطالما تكرر في اغلب دول الشرق ..

ولكن المؤسف، أنه في الحلقة الاخيرة حيث تنتظر ان يكتمل مشهد الانتصار والتحرر، يأخذك المخرج الى مشهد لا ولن أنساه، أنه وفي خضم معركة التحرير، والثوار يحتفلون بالنصر، ثمة مجموعة من الاثرياء الأجانب الغربيين يتجولون في سوق المدينة يعجبهم ما فيها وما تختزنه الاسواق من خيرات وثروات، فيقول احدهم وهو يبتسم والثراء ظاهر على لباسه وشكله: ” انها بلاد مهمة جدا لا بد أن نستفيد من غناها بشكل افضل ” … وينتهي المسلسل .. 

لم أشعر في قلبي الصغير أن المشهد قد حافظ على نشوة الانتصار في قلبي .. لكنني لم افهم .. سألت أمي ماذا يعني هذا فأجابتني بجملة: ” من عنوان المسلسل افهم، الموت القادم الى الشرق .. وعقبت إن هؤلاء سيجرون وراءهم جيشا يسكن قلاع من سبقه من الغربيين.. رحلة الطمع بالشرق لا تنتهي !”

ومن التاريخ وعبرة رائعة من عبر المسلسل المميز, كبرت وكبر المسلسل فصار حقيقة .. جولات وصولات من الانتداب الى الكيان الصهيوني، الى المشاريع الديموقراطية الرائعة المفخخة، الى نشر الحريات البراقة، الى السجون والمعتقلات التي تديرها الفتيات الغربيات لاذلال قوم يمتلكون اصيل القيم في تاريخهم، الى الاستخبارات ومطابخ السفارات الجاهزة المسمومة والعمالة المأجورة والخيانة التي باتت توجها ورأيا، الى القاعدة فمحاربة الارهاب وبن لادن الورقة التي خدمت وادت ما عليها وانتهت بارادة المحرك والسيد، الى الظواهري والفعالية الرائعة في الترويج والدعاية لحرب الغرب على الارهاب، الى الزرقاوي ونسخته العربية الاصولية التكفيرية، الى البغدادي وبلاغته في الحشد والتحشيد والتحريض لقتال الروافض، الى المشاريع الظلامية الداعشية والنصروية وأخطارها التي لا تعد ولا تقف عند حد.

ويبقى الشرق، بقلبه الأوسطي، قلب العالم النابض، مأساة وغربة أريد لها ان تكون، لينقلب الشرق بغزوة الغرب الثقافية غربا بنسخته الأسوء، وبسلاح الغرب الأحمر بقع ظلام ومستنقعات دماء تطفو على صفحاتها أوساخ مشاريع قد فتكت من يقاتلها ومن يتماشى معها !

فالهدف أن لا يبقى أحد، فالقدم الغربية لا تحب أن يسير الى جانبها احد ويتقاسم مغانمها احد ؟؟ فهل اتسعت امريكا لهندي أحمر أصيل حتى يتسع الشرق المتغرب الى قدم شرقي عميل وضع يده بيد الغرب.

غربة الشرق التي اريد بها ان يأكل الشرق قلبه، وأن يتصارع الموت بأقصى وأكثر وجوهه حدة وفتكا وتقتيلا وابادة على حلبته هو ..في لعبة ليست ككل لعب المصارعة .. ليس ممنوعا فيها القتل بل مطلوب وملزم.. وليس ملزم فيها ان يقتل في النهاية واحد من المتصارعين الاخر.. انها الثقافة الامريكية المنتشرة بنسختها الاخيرة .. مصارعة ملزم فيها موت المتصارعين كلاهما ! وكيف هذا ؟؟ الأمر بسيط إنها مهمة من يتستر بلباس الحكم في المباراة، يتخذ من التحكيم ستارا لمهمته التي تقضي بأن يمنع المتصارعين من بلوغ النهاية وحسم المباراة عبر تدخله لصالح الاخر، حتى يصل الوضع الى مرحلة يتساوى فيها الاستنزاف ويصل حد الموت الى اخر نفس، عندها ينقلب الحكم لاعبا ويقضي على الاثنين وينصب نفسه منتصرا في حلبة لا وجود فيها لمنازع ! انه العراق،‌ و لبنان،‌ و سوریا، و ليبيا، و اليمن،‌ و مصر، و تونس و.. انه الشرق ضد الشرق يتصارع في قلب العالم .. لم تكن ابتسامة التاجر الغربي في المسلسل كما فهمتها أنا وأمي بأن المقصد فيها انه سيعود جيش جرار لغزو المدينة المتحررة حديثا.. لقد قصد المخرج حينها أن يكون اللباس المبهر والثري للتاجر بديلا عن لباس العسكر والسلاح، ويكون الاجتياح متسترا ومن السوق ليس من القلعة، والابتسامة التي اطلقها وهو يقول جملته الشهيرة، انما هي الابتسامة لان ما سيأخذه هذه المرة من منافع لن توسخ ثيابه حتى فلن يغزو الغرب الشرق بل سيفتك الشرق بالشرق، والتجر فقط يتجول في الاسواق ويكسب ويبتسم بسمة الفتنوية  !

يدخل الشرق اليوم مراحل ظلامية، يبدأ رحلة غربة تمس في اصيل وجوده من قيم وسلم وديانات وتعايش .. فمشروع الغرب وموته القادم يمر في محطة مفصلية خطيرة جدا، انها مؤامرة التكفير الخطيرة، التي ينبشها التاجر الغربي من بطن تاريخ الشرق يحرض فيها احقادا دفينة عند سفهاء وجهالة الشرق، فيسل سيف الجهل على دفاع الحق وتشرع الفتن اشرعتها تنسل من كل حدب وصوب..

غربة الشرق التي يتولى تنظيم داعش والتكفير مهمتها، ليست الا موتا قادما الى الشرق، وغربة ينطفئ فيها كل مشعل شرقي مضيء، وكل منارة معرفية قيمية مشعة، ليتحول الشرق الى امارات ارهاب تهدد العالم وينتقل الدين من اصالة الرحمة ودقة التشريع الى ظلامة القتل والفساد والكراهية ودقة التحريف والتعسف !

الشرق بسيف يقطع الرؤس ويغرق الحي حتى الموت وفتيل يقطع الرقاب واطفال تشتهي الدماء، ودين اسلامي اصيل بلسان يمتهن التحريف والتكفير والتشويه الخطير، وتوجيه وثقافة وممارسات تقلب الحق باطلا والباطل حق، وتنشر الموت والتقتيل الذي لن يمر على بيت شرقي الا وغربه وبدل حاله !

لم يعد شعار الموت لامريكا شعارا عدائيا، ولم يعد الاشهار بشعار الموت لامريكا واسرئيل والتنديد بظلم الغرب الفاسد المجرم الطامع الماكر جهلا وتقوقعا .. لم يعد الحديث عن مجتمع دولي أسير مجرد تكهنات.. كما لم يعد الارهاب طفل الغرب المستشرق وحشا يفترس الشرقيين.. في الشرق، شرقيون لا يعرفون الذل، لا يعترفون بالهوان، ولا يحترمون الخوف ولا يهابون المصارعة بأعنف الوانها ان فرضت..

في الشرق أصالة فوق كل زيف، وفوق كل دخالة، تدرك وتعي الغرب كما هو عبد من عبيد الارهاب الامريكي الدفين، حضارة رعاة الابقار المجرمين الذي ابادوا شعبا واقاموا على ظهره احلامهم.. واستخدموا السلاح النووي لتحقيق مصالحهم غير ابهين بمن مات ومن فتك وفري لحمه من الشعب الياباني..

يجب أن نقارع ايادي الغرب ونطهر البيت الشرقي قبل كل شيء.. هي معركة موت او حياة, يحتدم فيها الصراع بين الحق والباطل, ويسير المشهد نحو النهاية المفروضة، أما ان ينتهي المشهد وتكتمل ابتسامة التاجر الغربي الثري في سوق شرقي ويستحكم الموت القادم الى الشرق ويتمكن، واما ان ينقضي الغمام وينجلي الغبار وتنقطع يد الغرب ويقتل الحكم المزيف ..

عذرا ايها المخرج، سأضع انا الشاب هذه المرة خاتمة المسلسل..سيعود التاجر يائسا الى بلاده بيد واحدة، فقد بترت يده بسيف شيخ شرقي محارب، قال له : ” يبدو انك واسيادك لن تفهموا الا حين تقطع ايديكم نهائيا، الشرق يبقى شرقا فقانون وردة الجهات ثابت لا يتغير لا يتبدل، فمن الماضي لم  تعتبر ولم تتعلم !

 المصدر / الوقت

 

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق