التحديث الاخير بتاريخ|الخميس, سبتمبر 19, 2024

ملف ( PMD) اختبار حقيقي لنوايا أمريكا في المفاوضات النووية 

سعت أمريكا مراراً الى حرف المفاوضات النووية بين إيران والمجموعة السداسية الدولية عن مسارها الحقيقي عبر إقحام قضايا لا علاقة لها بالملف النووي. ومن هذه القضايا المطالبة بتفتيش المواقع العسكرية الايرانية للتأكد من خلوها من أي نشاط نووي.

 

واتهام طهران من قبل أمريكا وحلفائها الغربيين بمحاولة صناعة سلاح نووي او ما يعرف بملف الأبعاد العسكرية المحتملة (PMD) الذي تم بموجبه فرض الحظر على طهران والذي لم يحظى حتى الآن بما يستحقه من البحث والدراسة يستدعي التوقف عنده بإعتباره يمثل العقبة الرئيسية التي تقف حائلاً دون التوصل الى اتفاق نهائي وشامل بشأن الأزمة النووية بين إيران والسداسية الدولية. 

وقبل الشروع بهذا البحث لابد من تسليط الضوء على ملف (PMD) لمعرفة خلفياته والأسباب التي دعت الى اعتماده كأساس للتفاوض بين طهران والسداسية (مجموعة ٥+١) بشأن برنامج إيران النووي. 

يمكن تلخيص هذا الملف بأنه عبارة عن مجموعة من المزاعم التي تم تلفيقها ضد إيران لأتهامها بمحاولة صناعة أسلحة نووية من أجل فرض الحظر عليها وإجبارها على القبول بتفتيش جميع مواقعها النووية للتأكد من خلوها من أي نشاط تسليحي. 

ومن أجل إعطاء هذه المزاعم صبغة قانونية تم إقحام الوكالة الدولية للطاقة الذرية للقيام بدور تفتيش المنشآت النووية الايرانية بإعتبارها الجهة الدولية الوحيدة المعنية بمراقبة هذه المنشآت طبقا لقوانين الوكالة ومقررات معاهدة حظر الانتشار النووي (NPT).

ويعتقد المراقبون ان هذا الملف تم تشكيله على أساس جملة من المزاعم التي لفقتها الأجهزة الاستخبارية والجاسوسية الغربية والاسرائيلية بهدف ابتزاز إيران لثنيها عن مواصلة نشاطاتها النووية السلمية من خلال فرض سلسلة من العقوبات “الحظر” شملت الكثير من المؤسسات والشركات والشخصيات الايرانية التي تزعم هذه الأجهزة بأن لها صلة ببرنامج إيران النووي. 

ورغم رفضها لهذه المزاعم وافقت إيران لإثبات حسن النية على تفتيش مواقعها النووية وسمحت مراراً لمفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية بزيارة هذه المنشآت، إلاّ أن مسؤولي الوكالة كانوا يزعمون في كل مرة ان طهران لم تجبهم على جميع أسئلة الوكالة للتأكد من طبيعة نشاطاتها النووية من أجل التشكيك بسلمية هذه النشاطات ومن ثم التمهيد لفرض الحظر أو تشديده على ايران، وهو ما حصل بالفعل وما زال الشعب الايراني يدفع ضريبة هذا الحظر رغم عدم وجود أي دليل على انحراف البرنامج النووي الايراني عن أهدافه السلمية. 

وبعد دخول المفاوضات بين إيران والسداسية الدولية مرحلة البحث بشأن تخصيب اليورانيوم في المنشآت النووية الايرانية، وجدت أمريكا والدول الغربية الحليفة لها لاسيما بريطانيا وفرنسا وألمانيا الفرصة سانحة أمامها لتشديد الضغط على إيران واتهامها من جديد بمحاولة الاستفادة من التخصيب للأغراض العسكرية رغم تأكيد مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية على عدم وجود أي دليل أو قرينة لإثبات صحة هذه الاتهامات، ما أثار غضب واشنطن والعواصم الغربية الحليفة لها، الأمر الذي جعل الادارة الامريكية تمهد لاستبدال المدير السابق للوكالة محمد البرادعي الذي كان يرفض الاتهامات الغربية لإيران، وتقوم بدعم يوكيو أمانو لتسلم هذا المنصب علّها تتمكن من إقناع الوكالة بتبني هذه الاتهامات، إلاّ انها فشلت أيضاً في هذه المساعي لأن الوكالة لم تحصل أيضاً في زمن أمانو على أي دليل يمكن من خلاله إدانة إيران واتهامها بمحاولة صناعة أو حيازة السلاح النووي. 

وعندما عجزت أمريكا عن العثور على دليل واحد لأثبات صحة هذه المزاعم ضد إيران أخذت تتشبث بالمطالبة بتفتيش المواقع والمنشآت العسكرية الايرانية والتحقيق مع العلماء النوويين الايرانيين، لكنها جوبهت بالرفض من قبل طهران بإعتبار أن تفتيش هذه المواقع يمهد الطريق للتجسس على القدرات العسكرية الايرانية خصوصاً وان أمريكا تلوح بين الحين والآخر بإحتمال استخدام القوة وتوجيه ضربة عسكرية الى إيران على خلفية الأزمة النووية لإرغامها على القبول بشروطها غير المنطقية في المفاوضات التي تجري في اطار السداسية الدولية التي تضم بالاضافة الى أمريكا كلاً من روسيا والصين وبريطانيا وفرنسا والمانيا. 

والتساؤل المهم الذي يُطرح في هذا المجال هو: ما هو الطريق الذي ينبغي أن يُسلك لتسوية ملف (PMD) والتوصل الى اتفاق نهائي وشامل لحل هذه الأزمة؟

يبدو أن هناك طريقين للاجابة عن هذا التساؤل:

الاول رفع هذه القضية من جدول أعمال المفاوضات. وفي هذه الحالة سيبقى هذا الموضوع عالقاً ويمنع بالتالي من ابرام اتفاق نهائي وشامل للأزمة النووية. والثاني حل هذه القضية بطريقة جديدة تعتمد الحل السياسي. 

ويبدو أن الحل الثاني هو الأقرب للواقع ويمكن تجربته، لكن هذه التجربة تحتاج الى مقدمات، وهذا يعتمد بالدرجة الاولى على مدى تفهم أمريكا لمثل هذه القضايا وعدم التصيد بالماء العكر لتحقيق أغراض سياسية لا علاقة لها بالشأن النووي والذي يجب أن يتم التعاطي معه على أساس تقني وقانوني إذا كانت واشنطن جادة فعلاً في التوصل الى حل ينهي هذه الأزمة. وبالتالي فإن هذا الملف يمثل إختباراً حقيقيا لنوايا أمريكا ومدى مصداقيتها في التعاطي مع الازمات ومن بينها أزمة الملف النووي الايراني.

المصدر / الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق