كيف تُشرِّع أمريكا القوانين لحماية الكيان الإسرائيلي
تسعى أمريكا وعلى الدوام، لإرضاء الكيان الإسرائيلي حتى من خلال شرعنة القوانين. وهنا يجري الحديث اليوم عن السعي الأمريكي للوقوف على خاطر الكيان الإسرائيلي، في مواجهة حملات المقاطعة التي أصبحت تلقى إقبالاً كبيراً على الصعيد العالمي، لا سيما في الدول الأوروبية. فماذا في قانون مجلس الشيوخ الجديد الهادف في تفاصيله لإرضاء تل أبيب؟ وما هي دلالات ذلك؟
المسار التجاري السريع ومحاولة إنقاذ تل أبيب من المقاطعة الأوروبية:
جرى الحديث مؤخراً عن تجاوز مشروع القانون الذى يعطى الرئيس الأمريكى باراك أوباما سلطة واسعة فى التفاوض مع الدول الأخرى بشأن اتفاقيات التجارة الحرة عقبة إجرائية مهمة فى مجلس الشيوخ الأسبوع الماضي. فقد وافق المجلس بأغلبية ٦٠ مقابل معارضة ٣٧ عضواً على الحد من المناقشات بشأن مشروع قانون “سلطة المسار التجارى السريع”. ويعد قانون “سلطة المسار التجارى السريع” عنصراً أساسياً لإتمام اتفاقيات التجارة التى تتفاوض بشأنها أمريكا مع دول المحيط الهادئ والإتحاد الأوروبي. وقال زعيم الأغلبية فى مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل إن تمرير المشروع “سيشير إلى أن أمريكا تدعم النشاط التجاري” ويوجه رسالة قوية إلى حلفاء واشنطن. يذكر أن هذه هى المرة الثانية التى يصوت فيها مجلس الشيوخ على قانون تفويض أوباما سلطة التفاوض التجارى بعد فشل المشروع الذى أقره المجلس سابقاً فى الحصول على تأييد مجلس النواب فى وقت سابق من الشهر الحالي. وبعد ذلك نجح قادة الكونجرس بمجلسيه الشيوخ والنواب فى التوصل إلى اتفاق لدراسة عدة إجراءات تجارية بشكل منفصل من أجل التغلب على المعارضة حيث وافق مجلس النواب على القانون الذى يعطي الرئيس الأمريكى باراك أوباما سلطة واسعة فى التفاوض مع الدول الأخرى حول اتفاقيات التجارة الحرة.
من جهةٍ ثانية فقد أوصى المشروع بمحاولة إقناع واشنطن للدول الأوروبية، من خلال أساليب تجاربة، للوقوف في وجه حملة مقاطعة البضائع الإسرائيلية وذلك دعماً للكيان الصهيوني. فقد جرى الحديث مؤخراً عن الأزمة التي تعاني منها تل أبيب جراء حملات المقاطعة التي تطالها، وبالخصوص من بعض الدول الأوروبية التي تنخرط جمعياتها في حملات تندِّد بالكيان الإسرائيلي وتدعو لمقاطعة منتوجاته، وعدم الإستثمار في شركاتٍ تابعة له. وهو الأمر الذي أوصى مجلس الشيوخ أوباما به، من خلال الوقوف الى جانب تل أبيب ودعمها ضد هذه الحملات.
الدلالات والنتائج:
ليس من المُستغرب أن تقوم واشنطن بالسعي للوقوف الى جانب تل أبيب وهي الدولة التي وعلى الرغم من أنها تنادي بحقوق الإنسان والديمقراطية، تقف الى جانب أفعال وجرائم الإحتلال الإسرائيلي، إما من خلال دعمه في مجلس أمن الأمم المتحدة، أو من خلال تمويله وتسليحه سنوياً. لكن الحدث المهم اليوم والذي يحتوي في جوهره على الكثير من الدلالات، هو مسألة محاولة الوقوف ضد الحملات المنددة بالكيان الإسرائيلي، والمنادية بمقاطعة منتوجاته. لذلك نقول التالي:
– تعبر الحملات عن حجم السخط العالمي والأوروبي تحديداً، وإن على المستوى الشعبي، من أفعال الكيان الإسرائيلي. وهو إن دل على شيءٍ، فيدل على أن العالم اليوم، أصبح يعي الحقيقة الإجرامية، لما يسمى بـ”إسرائيل”، وهو الأمر الذي تعكسه حالة الشعوب العربية والغربية، لا سيما الأوروبية منها، والتي يبدو من الواضح مخالفتها للسياسة الرسمية لدولها.
– وهنا يمكن وصف إجراءات الدعم الأمريكي لتل أبيب، بالخيانة لفلسطين كدولة وللعالم الاسلامي كإطار. الى جانب إعتبار واشنطن شريكة في الجرائم الإسرائيلية. وهو الأمر الذي يؤكد زيف إدعاءات أمريكا، والتي تتدخل في شؤون الدول تحت مسميات دعم الشعوب وإنتفاضاتها، فيما تقف الى جانب الإحتلال الإسرائيلي منذ إنتهاكه حرمة فلسطين والدول العربية والإسلامية.
– ولعل الأمر المُستغرب هو الصمت العربي الرسمي، الذي ما يزال السمة البارزة للأنظمة العربية. مما يجعل المرء يشعر بالإستياء، من ممارسات هذه الدول، ووقوفها الى جانب الكيان الإسرائيلي. كما أنها وكعادتها، لم تحرك ساكناً تجاه واشنطن وسياساتها الإنتقائية.
– لكن الأبرز والأهم هو تأكيد بأن هذا الدور الأمريكي والعربي، ليس إلا دليلاً إضافياً على أن الخيار الوحيد أمام الشعب الفلسطيني هو المقاومة. فرهانات السلام التي قد تفكر بها بعض الدول والأطراف، ليست إلا محاولاتٍ لمنع إنتفاضة ومقاومة الشعب الفلسطيني.
– ولا بد من الإشارة الى أن الأمم المتحدة لا تعمل إلا وفق السياسة الأمريكية، حيث أنها أبدت معارضتها لسفينة المساعدات الأخيرة التي قُرر إرسالها الى غزة. وهو الأمر الذي يدل على حجم المؤامرة الدولية على الشعب الفلسطيني والقضية الفلسطينية.
النتيجة:
لم يعد صعباً التاكيد على أن سياسات أمريكا في المنطقة، تهدف لضمان أمن وإستمرار الكيان الإسرائيلي. وهو الأمر الذي تُبديه سياسات واشنطن تجاه المنطقة والعالم. لكن لا بد من الإلتفات الى أن وعي الأمة والشعوب العربية والإسلامية الى جانب الأوروبية، يؤشر وبوضوح الى أن مقاومة الشعوب المستضعفة لا سيما الشعب الفلسطيني، قد أثمرت في تحريك وعي العالم أجمع. وهو الأمر الذي تعكسه حالة السخط لدى المواطن الغربي. وبالتالي فإن صبر الأمة على الإحتلال ومقاومته، الى جانب بشاعة الجرائم الإسرائيلية، يدخلان في السياق الطبيعي الذي يُسرِّع زوال هيبة وكيان الإحتلال الإسرائيلي. ومهما فعلت واشنطن تجاه تل أبيب، ومهما حاولت دعمها في مجلس الأمن، أو حتى شرعنة القوانين لحمايتها، فإن الواقع الشعبي وحال الأمة على الصعيد العالمي، أصبح يرفض وجود هذا الكيان. كما أن مِضي الفلسطينيين في خيارهم بالمقاومة، أمرٌ يزيد التحديات على القيادة الإسرائيلية. والتي أصبحت اليوم أمام مأزقٍ أكبر فيما يخص كيفية التعاطي مع إيمان المستوطنين الصهاينة، بأن دولتهم المزعومة لم تعد قادرة على حمايتهم، وفرض هيبتها. وهو الأمر الذي لا بد أنه يؤرق واشنطن وتل أبيب على حدٍ سواء .
محمد علي جعفر
طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق