أين أصبح حزب الله وإلى أين في ظل معادلة سيد المقاومة “لن يبقى إرهابي واحد على الحدود”؟
المعارك في الجرود القلمونية والعرسالية الحدودية ما زالت مستمرة والحسم المنشود قريب للناظرين بعد الإنجاز الإستراتيجي في القلمون، ولعل المراقب قد شعر في الفترة الأخيرة خاصةً بعد دحر وقتل إرهابيي “جبهة النصرة” أنّ الوقائع الميدانية قد تأخذ وقتاً أكثر من المتوقع ولم يعد التسارع في الأحداث الميدانية صفة المعارك عندما توجهت البوصلة بإتجاه تنظيم داعش الذي هو أكثر تدريباً وتجهيزاً من أخته السابقة له في الهزيمة.
فحزب الله وفقاً لما قاله أمينه العام السيد نصر الله اعتمد تكتيكاً جديداً في عملية قضم تلك المساحات التي تسيطر عليها المجموعات التكفيرية بأقل الخسائر. فالمستوى العسكري والأداء الميداني المحترف لرجال المقاومة حجز للحزب موقعاً ريادياً في معادلات الصراع العسكري على اساس ان ذكر اسمه وحده يجعل خصومه يحسبون له الف حساب. والمقاومة التي دافعت وتدافع عن كل لبنان وتحمي كل مواطنيه تملك كل الخيارات الميدانية دون التسرع. فالإستراحة التكتيكية تمهّد لما بعدها في الايام القادمة، والخطة المرسومة يجري تنفيذها وفق برنامج واضح لمسار العمليات العسكرية والمفاجآت قد تكون سمة المرحلة المقبلة.
فالوقائع الميدانية في جرود عرسال تؤشر الى تمكّن حزب الله من تحرير مساحة تزيد عن ١٥٠ كيلومترا مربعاً من المجموعات التكفيرية. ويقول متابعون أن ما قبل نهاية شهر رمضان لناظره قريب، والجهد مستمر لتحرير المساحة المتبقية التي تسيطر عليها تلك المجموعات والتي تزيد عن ١٤٠ كيلومتراً مربعاً، خاصة أن الجهوزية والحشد الذي قامت به المقاومة في الأيام الماضية قد بلغ ذروته للحسم في الجرود، وما بعدها نحو المعركة التي لا بد منها: “الحسم في الزبداني”.
فقد عزل حزب الله الزبداني بشكل تام عن مناطق سيطرة المسلحين في القلمون الغربي، وقطع طرق الامداد عنهم، كما أنه سعى الى تحصين السلسلة الشرقية بشكل سريع لحماية الداخل اللبناني من قوسايا الى بعلبك، فيما باقي المناطق الممتدة من جرود عرسال إلى رأس بعلبك يتواجد فيها الجيش اللبناني والمقاومة بكثافة ولا يمكن خرقها بسبب الاجراءات المتخذة. وبذلك يكون الحزب قد حصن الحدود اللبنانية قبيل إنطلاق الهجوم والمعارك ، والتحضيرات في هذا الاتجاه تجري على قدم وساق، ورُصدت لها كل متطلبات المعركة عدةً وعديداً .فلماذا الزبداني؟ ومن أين ستبدأ المعركة؟
الزبداني من أكبر المدن السورية التي تسيطر عليها الفصائل المسلحة وخصوصاً جبهة النصرة وهي تقع على سفوح السلسلة الشرقية من الجهة السورية، ومن خلال السيطرة على عسال الورد وجرود بريتال، يكون حزب الله قد طوقها من الجهة اللبنانية، وأصبح استهدافها أمراً ممكناً من التلال العالية. والزبداني تقع ضمن نقطة جغرافية حساسة جداً، وتتصف بما يجعلها نقطة شديدة الخطورة والحساسية وحاجةً وهدفاً للسيطرة عليها من قبل كل الأطراف المتقاتلة على ساحة سوريا، للأسباب التالية:
– قربها من لبنان، حيث تبعد ١١ كيلومتراً عن الحدود اللبنانية ـ السورية.
ـ قربها من دمشق، حيث تبعد عنها ٤٥ كيلومتراً فقط.
ـ إطلالتها المباشرة على خط بيروت ـ دمشق.
ـ وقوعها كنقطة وسط بين دمشق وحمص ومنطقة الساحل في الشمال.
ـ إتصالها بالقلمون، وهذا يعني انها تتصل ايضاً، بشكل او بآخر بجرود عرسال.
– خزان السلاح والذخيرة لمناطق القلمون الغربي، التي توحدت فيها الفصائل المسلحة تحت مسمى “جيش فتح القلمون”
والزبداني فيها أكثر من ١٥٠٠ مسلح، معظمهم لجأ اليها بعدما تم طردهم قبل فترة قصيرة من منطقة قارة وجرود عسال الورد، واتخذوا من الزبداني منطلقا لتحركاتهم، وباتوا يشكلون كتلة قتالية خطيرة. وتسعى هذه المجموعات للسيطرة على خط بيروت دمشق فتوجه بذلك ضربة موجعة لحزب الله، فهو الخط الرئيسي لحركة إمداد المقاومة لارتباطه بمستلزمات التجهيز والتسلح في المواجهة الدائمة مع العدو الاسرائيلي والحرب الجديدة مع الإرهاب.
ولقطع هذا المخطط وحماية خطوط إمداده وحماية لبنان والإنجازات السابقة سيسعى حزب الله إلى إطلاق هجومه نحو الزبداني من ٣ جهات أي من السلسلة الشرقية من الجهة اللبنانية، ومن الداخل السوري من عسال الورد نحو سرغايا ومن الجهة الاخرى في سوريا من بلدة مضايا.
وحسم معركة الزبداني يعني الكثير بالنسبة للمقاومة ولبنان وسوريا وأهمية ذلك تكمن في:
– وقف الضغط العسكري على القرى اللبنانية القريبة من الحدود وترييح الحدود اللبنانية بالكامل.
– قطع الطريق نهائياً على اي دعم محتمل انطلاقاً من الزبداني في اتجاه الجرود.
– إلغاء أية مخاطر مستقبلية من قبل تلك المجموعات على خط بيروت دمشق.
– اغلاق آخر المنافذ من جهة لبنان، وبالتالي تأمين دمشق، وتضييق الخناق على المجموعات التكفيرية وإبعاد تهديدها عن العاصمة السورية.
– أنه عاملاً مساعداً جداً للجيش السوري، في القيام بعمليات عسكرية مريحة في مناطق تواجد المجموعات التكفيرية في ريف دمشق لابعادها او محاصراتها او الحد من امكانية تحركها.
فجبهة الزبداني التي كانت مؤجلة في الفترة الماضية أصبح حسمها حاجة ملحة في ظل تغيرات حصلت في الميادين العسكرية المتشابكة، وخاصةً بعد فشل “عاصفة الجنوب”، وتمكن حزب الله والجيش السوري من منع المجموعات التكفيريّة ومن هم خلفها، من تحقيق الهدف الذي حددوه في معركة اسقاط درعا الاخيرة، والتوجه بعدها الى دمشق.
فالمخاطر الكبرى والحقيقية والمصيرية، بحسب المتابعين والميدانيين لا تأتي من الشمال السوري وإنما من الجنوب، فوجود الكيان الإسرائيلي على الحدود وكذلك الأردن (ممر المسلحين الى سوريا)، وأيضا قرب المسافة من دمشق التي يبعدها عن درعا ٩٠ كيلومتراً فقط يعطي هذه الجبهة أهمية كبرى لحسمها. ولم تكن “عملية القنيطرة” التي نفذها حزب الله والجيش السوري إلا لقطع الطريق على المخاطر المتأتية من الجنوب على سوريا والعاصمة دمشق. فالسعودييون كانوا يراهنون على سقوط درعا وبدل ان تكون معركة حمص هي الاولوية بالنسبة اليهم، فسقوط درعا يعطي الاولوية لمعركة دمشق على طريق الحسم واسقاط الرئيس الاسد.
فالعين في المرحلة المقبلة بعد جرود عرسال على الزبداني، ومن المتوقع أن تكون الأسابيع المقبلة حاسمة في هذا الإطار من أجل تطهير الحدود اللبنانية من التكفيريين تنفيذاً لمعادلة سيد المقاومة بأنه “لن يبقى إرهابي واحد على الحدود مهما غلت التضحيات” لحماية لبنان من السقوط في مخطط الإرهاب الدموي الذي ليس له عقيدة الا تكفير الآخر
المصدر / الوقت
طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق