فضائح ويكيلكس: عاصفةٌ تهزُّ السعودية وتُحرجها داخلياً وخارجياً
تعيش السعودية أزمةً جديدة تعصف بها، وتزيد على أزماتها الأخرى السياسة والعسكرية اليوم. لكن لهذه الأزمة دلالات خاصة، لما تتضمنه من مزايا تتصل بالهيبة السعودية. فالرياض الساعية لإعادة صورتها المشوَّهة، تقف اليوم عاجزةً أمام فضائح ويكليكس الجديدة، والتي يبدو أنها الدفعة الأولى فقط. فيما يجري الحديث داخل أروقة القيادة السعودية عن كيفية التعاطي مع المسألة، ومنع تفشيها في الداخل السعودي، لما يضر بالمجتمع السعودي ونظرته لدولته. في وقتٍ يُشير فيه الكثير من المراقبين الى أنه قد فات الأوان. فماذا فيما يجري من إرتدادات بعد تسريبات ويكليكس؟ وما هي دلالاتها؟
أولاً: توصيفٌ دقيقٌ وموضوعي لواقع ما بعد التسريبات
تسببت التسريبات الأخيرة لآلاف الوثائق السعودية على موقع “ويكيليكس” في إحداث زلزال إعلامي في السعودية بعد أن أصبحت الشغل الشاغل للسعوديين الذين وجدوا فيها ما لم يسبق أن قرأوه أو عرفوه من حقائق تتعلق ببلدهم. وبشكل خاص تأتي الوثائق المصنفة على أنها “سري للغاية” والتي لم يكن بمقدور أحد الإطلاع عليها سابقاً، فيما اضطرت الحكومة السعودية بالإعتراف بصحة الوثائق والإقرار بأنها نتجت عن اختراقٍ لشبكة معلوماتية بالغة التعقيد في المملكة.
وقد تفاوتت المواقف في السعودية والخارج من الوثائق المسربة وأسبابها، حيث جنح البعض إلى نظرية المؤامرة معتبرين أنها جاءت مباشرة بعد الزيارة التي قام بها وزير الدفاع السعودي إلى روسيا، بحيث اعتقد البعض أن الأمير السعودي قد يكون طرح خلالها ما لم يرق للروس فعاقبوه وقاموا بنشر الوثائق. بينما أشار آخرون الى احتمال أن الزيارة السعودية لم ترق لواشنطن فقامت هي بنشرها. وعلى كل الأحوال فلم يعد مهماً الحديث عن الأسباب أو الأطراف المسؤولة، بل لا بد من تسليط الضوء على النتائج بواقعية.
فقد انشغل مئات الآلاف من السعوديين في تداول الوثائق والمعلومات التي تكشفت فجأة أمامهم، بما فيها مراسلات بين أجهزة الأمن، وأخرى بين السفارات السعودية المنتشرة في العالم وبين وزارة الخارجية، إضافة إلى مئات الرسائل التي كان يبعث بها وزير الخارجية السابق سعود الفيصل إلى الملك متضمنة توصيات بشأن قضايا وأحداث مهمة على الساحة العربية والدولية.
ورغم أن السعوديين إنقسموا بين من لم يصدق مضمون البرقيات المسربة لما تضمنته من فضائح لا يسمح بها التوجه الإسلامي للرياض، أبدى البعض تشكيكه بالتوقيت. لكن المؤكد أن نشر ٧٠ ألف وثيقة حول مختلف القضايا تقريباً، أثار جدلاً واسعاً في السعودية وحظي باهتمام كبير من مختلف النشطاء والمراقبين والمتابعين. وقد انتهز الكثيرون فرصة ظهورها للمطالبة بمزيد من الإفصاح والشفافية والكشف عن السياسات الحقيقية للسعودية في ظل العهد الجديد الذي بدأ بعد تولي الملك سلمان بن عبد العزيز الحكم. وهو الأمر الذي أصبح يشكل أزمة جديدة للرياض داخلياً. وقد استغرب الكثير من المحللين، غياب الأجهزة الرسمية المعنية في السعودية لا سيما وزارة الخارجية، وعدم إفصاحها عما حدث، وكيف حدث.
ثانياً: تقييم الواقع ودلالاته:
لا شك أن ما يميز العائلة الحاكمة في السعودية، هو حساسيتها المفرطة تجاه الإعلام. فالعارف بأسلوب الحكم في السعودية وسياسات الرياض الداخلية، يعرف أن تسريب خبرٍ صغيرٍ هنا أو هناك حول بعض الجوانب السياسية أو الإجتماعية أو الأمنية داخل المملكة، كافٍ ليسبب حالة من الهستيريا والهلع لدى القيادة السعودية. فكيف إذا تم نشر نصف مليون وثيقة، تتضمن أسراراً مهمة جداً حول سياسة الرياض تجاه الملفات العربية والإقليمية بالتحديد، وكيفية شرائها للإعلام ورجالات السياسة. وهو الأمر الذي دعا السلطات السعودية، الى أن تسارع بتحذير مواطنيه ا من الإطلاع على هذه الوثائق التي وصفتها بالمزورة. وهنا نقول التالي:
– إن إحتمال التزوير قد يكون وارداً في نسبة معينة منها، لكن في أكثر من نصف مليون وثيقة فهذا أمر لا يمكن ان يستوعبه عقل، فالموقع نفسه قد نشر سابقاً، مئات الآلاف من الوثائق الأمريكية ولم تعلق وزارة الخارجية الأمريكية حينها على أن هذه الوثائق مزورة. وهو الأمر الذي يشكل بحد ذاته دليلاً ملموساً تقدمه السياسة الأمريكية في أن الجزء الأكبر على الأقل من تلك التسريبات يتمتع بموثوقية عالية وقدر كبير من المصداقية، وهو ما يدحض الحجة السعودية التي تصف الوثائق بالمزورة. فكيف يمكن إبطال نظرية المؤامرة التي تحاول السعودية ترويجها؟
– إن العائلة الحاكمة في السعودية، أفنت عمرها ومنذ أن تأسست في حياكة المؤامرات ضد البلدان العربية، من خلال الدعم المالي والمخابراتي وبشتى الوسائل لكل من يمكن أن يحقق لها أهدافها. وبالتالي فإن السياسة السعودية ومنذ زمنٍ بعيد تقوم على العمل الإستخباراتي أساساً ومن خلال المال، وهو الأمر الذي أصبح معروفاً عن الرياض، التي تستخدم أموال النفط، لشراء المؤيدين من جهة، ولترويج وتوجيه السياسات عبر الإعلام من جهةٍ أخرى. وهو ما يثبت مقولة أن الفضائح لم تأت بجديد حول السعودية من الناحية العامة، بل أتت لتحكي حقائق وتفاصيل وأمثلة على ذلك.
– إن ما يُقلق الرياض اليوم، هو كيفية الحصول على تلك الوثائق، والأسباب التي حالت دون إتخاذ المسؤولين في المؤسسات السعودية إجراءات أمنية عالية لمنع أي اختراق لمؤسساتهم المهمة. وهنا يأتي الحديث عن كيفية حماية الرياض لهيبتها وبالتحديد صورتها الداخلية. فشعبها اليوم يقف أمام فضائح ليست فقط سياسية الطابع، بل إجتماعية. وهو الأمر المعروف عن الداخل السعودي، بحيث يعلم الجميع حجم التشدد الداخلي لناحية القوانين والأنظمة. فكيف يمكن أن يتقبل المجتمع السعودي فضائح تتعلق بممارسات الأمراء والنخب الحاكمة في بيوتهم؟ مما جعل القيادة السعودية، تحاول قدر الإمكان التقليل من شأن هذه الفضائح، عبر كيل الإتهامات بأنها مزورة حيناً، وعبر منع نشرها حيناً آخر.
– وهنا يُشير المحللون الى أن ما كشفته وثائق ويكيليكس حول الدور السعودي حتى الآن ليس بالأمر الخطير جداً، إذ أن الخوف السعودي، هو مما سيتم كشفه من وثائق لاحقة، وما يمكن أن تتضمنه من أسرار. وبالتحديد بما يتعلق بالجوانب الخفية لدهاليز الدبلوماسية السعودية، وطريقة عملها وأدواتها وآلياتها، الى جانب الفضائح المتعلقة بالحكام.
ثالثاً: الخلاصة:
لم تعد السعودية قادرة على تقديم نفسها بأنها عرابة السياسات في المنطقة، بل أصبحت اليوم أمام تحدٍ آخر يتعلق بإمكانية الإنهيار الداخلي، والذي قد يجعل مصيرها كمصير دولٍ سعت بنفسها لإسقاطها. وبالتالي فإن التحديات التي تعاني منها الرياض خارجياً، ستصبح سهلةً أمام التحديات الداخلية القادمة. ولعل المُقبِل من الأيام، سيحدد ذلك. وبالتحديد عندما تظهر الدفعة الجديدة من الفضائح.
المصدر / الوقت
طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق