في غزة .. جيش من الأطفال يعانون نفسيًا بفعل العدوان الإسرائيلي
فلسطين ـ سياسة ـ الرأي ـ
تداعياتٌ كبيرة خلفها العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة صيف العام الماضي، فلم يقتصر على هدم المنازل، وتدمير المرافق العامة والبنية التحتية، وتسببه بمئات حالات الإعاقة، بل تعدى الأمر ذلك ليدخل كل بيتٍ تقريبًا.
فلا تكاد تدخل بيتًا في قطاع غزة وإلا وتجد بداخله من يعاني من الآثار النفسية الخطيرة التي زعزعت عشرات الآلاف من كلا الجنسين، ومن مختلف الأعمار؛ فبعض ضحايا العدوان ممن أصيبوا باضطرابات ومشاكل نفسية نجمت عن المشاهد المفزعة وحالات الخوف التي عاشوا تفاصيلها.
ونوه الطبيب والمعالج النفسي يوسف عوض الله، إلى أن انتهاء العدوان الإسرائيلي على غزة كان بداية معركة قاسية على الأطباء والمعالجين النفسيين مجابهتها.
وقال:” إن العدوان الذي مرّ على غزة الصيف الماضي، كان الأطول منذ عقود، ولقد خلّف نحو 400 ألف حالة تعاني مشاكل وصدمات نفسية، معظمهم من الأطفال”.
وأضاف عوض الله: “حاولنا قبل وخلال العدوان نشر الوعي النفسي بين الأهالي، وعقدنا عشرات الندوات والورشات، وثقفنا أولياء الأمور حول كيفية التعامل السليم مع أبنائهم خلال الحروب والأزمات، لمساعدتهم في تخفيف وقع الصدمات على أبنائهم”.
وأوضح أنه “رغم ذلك، ونظرًا لطول فترة العدوان الإسرائيلي، وكثافة الغارات، وارتكاب جرائم ومجازر جماعية، فقد ضربت المشاكل والصدمات النفسية الأهالي والأطفال بصورة جماعية، وخلفت جيشًا من الضحايا”.
وأكد عوض الله أن “هناك جملة من الأعراض يجب على الأهل ملاحظتها، وإتباع سلسلة من الإجراءات معها، وفي حال لم تتحسن حالة المصاب، سواء كان طفلًا أو شابًا، فعليهم اصطحابه إلى أخصائي نفسي”.
وعن هذه الأعراض، بيّن أنها “تتفاوت من شخص لآخر، فأحيانًا تكون عبارة عن فزع ليلي، وتبول لا إرادي، وفقدان في شهية الطعام، ومخاوف مبالغ فيها فور ذكر الحرب”.
وطالب عوض الله، أولياء الأمور بتغيير الأجواء التي عاشها أبناؤهم خلال الفترة الماضية بطريقة كلية، كاصطحابهم إلى رحلات، واللعب معهم، وشراء ألعاب وحاجيات لهم، وتجنب الإكثار من فتح التلفاز على القوات الإخبارية، أو ذكر سيرة الحرب، واحتمال تجددها أمامهم.
وأوضح أن التعامل الجيد مع الأبناء، كفيل بتخليصهم تدريجيًا من الآثار النفسية المتعلقة بالحرب، لكن ثمة بعض الحالات تتطلب تدخلًا من قبل مختصين، للتعامل معها ومعالجتها.
بدورها، أشارت المعالجة حنان شلهوب إلى الأعراض النفسية التي ظهرت على الأطفال بعد الحرب، وقالت: “حسب الحالات التي جاءت للعلاج، نجد صعوبات في النوم أو كوابيس ليلية، والتركيز الضعيف، وسرعة ضربات القلب”.
ولفتت إلى أن الأخصائيين النفسيين يعالجون الضحايا بطرق مختلفة، تتناسب مع كل حالة، فهناك طريقة الرسم، حيث نتيح لهم رسم ما يدور في خيالهم، فاكتشفنا أن أغلبهم رسم الطائرات والبيوت المهدمة والشهداء.
وأضافت: “نستمر بتلك الطريقة إلى أن يرسم الطفل مع مرور أيام العلاج الأشجار والورود وأشياء جميلة تدلل على تحسن نفسيته”.
وضربت شلهوب مثلًا لطفل من عائلة النملة، فقد هو وعائلاته معظم أطرافهم، ولم يتقبل الطرف الصناعي، وقالت: “عالجناه عن طريق إقناعه أنه لن يفلح بلعب ويمارس ما يحب، والعيش بدون الطرف الصناعي، إلى أن أحبه واستوعب لبسه ومباشرة حياته به”.
من جانبها، تحدثت الأخصائية النفسية والاجتماعية رائدة قشطة، عن أصعب الحالات التي واجهتها، مشيرة إلى أن طفلة عمرها 15 عامًا، فقدت قدرتها على النطق بسبب صدمتها النفسية فور سماعها خبر استشهاد أخيها في الحرب.
وأضافت: “جاءت أختها إلى العيادة وتحدثت عنها، ثم ذهبنا إلى بيتها وأقنعناها بالعلاج الذي كانت ترفضه في البداية”، مشيرةً إلى أن الطفلة خضعت لـ12 جلسة علاجية، واستخدم معها أكثر من أسلوب، إلى أن بدأت تدريجيًا باستعادة الثقة بنفسها، وتمكنت من النطق مجددًا.
والحال نفسه عند غزي آخر وابنه، وهما ضحية فقد منزلهما، الذي عاشا فيه بأمن واستقرار، ورفضا فكرة أن يصبحا مشردين، وتعرضا لصدمة حولت الطفل الذي يبلغ من العمر 10 سنوات، حسب الأخصائية قشطة، إلى طفل عدواني، وترك مدرسته، ولم يعد يأبه لمستقبله.
وتابعت تقول: “عالجناه عن طريق إعادة إدراكه لنفسه، وأعدنا التوازن لشخصيته، وما زلنا نتابع حالته”.انتهى