التحديث الاخير بتاريخ|الخميس, سبتمبر 19, 2024

الضفّة الغربية والمقاومة الفردية 

رغم المفارقة الواضحة في شكل مواجهة الکيان الإسرائيلي بين الضفة الغربية وقطاع غزة، إلا أن الأحداث اليومية في الأولى تنم عن مضمون واحد يتماهى مع  الأخيرة في مواجهة العدوان الإسرائيلي. الحوادث الفردية شبه اليومية في ظل غياب التشكيلات المسلحة في الضفة الغربية تميط اللثام عن نتيجة واحدة مفادها إستمرار عمليات المقاومة طالما بقي الاحتلال وهي رد طبيعي على ما يرتكبه من عدوان وانتهاكات بحق الشعب الفلسطيني وأرضه.

وعند مطالعة سبل المواجهة والوسائل المبتكرة للمقاومة الفلسطينية، في ظل غياب أو تغييب السلاح سواء من الكيان الإسرائيلي أو السلطة الفلسطينية، ندرك مدى إصرار هذا الشعب على المواجهة الفردية لإستعادة أرضه ولو تحت مقولة “المقاومة أم الإبداع”. في الضفة الغربية يبتكر المقاومون الفلسطينيون وسائل خاصة لمقاومة الجيش الإسرائيلي، فقد استعمل الفلسطينيون أكثر من ٣٠٠ طريقة مبتكرة غير تقليدية في مقاومة الكيان الإسرائيلي، آخرها إستخدام الأفاعي البرية.

ولاشك في أن الضفة تعتبر الجبهة الأكثر إيلاماً للكيان الإسرائيلي لإعتبارات عدّة، أبرزها:  تواجد المستوطنين في المنطقة، وجود قوات الاحتلال ودورياته، وكذلك القرب الجغرافي بين الضفة الغربية من قلب الكيان وهذا يجعل المقاومة أكثر نجاحا، إلا أنه رغم وجود أسباب عدّة تمنع من إيجاد مقاومة شبيهة بغزّة، أبرزها العقلية السياسية للقيادة الفلسطينية الحالية، والتنسيق الأمني، ومشروع التخدير الاقتصادي، والانقسام السياسي، ولکن هناك العديد من العوامل والدوافع التي تعزّز خيار المقاومة الشعبية في الضفة الغربية.

دوافع المقاومة

تقف أسباب ودوافع عدّة تعزّز خيار المقاومة الشعبية في الضفة الغربية، وربّما إندلاع إنتفاضة فلسطينية جديدة في الضفة الغربية على غرار تلك التي قام بها شعب الضفة عام ٢٠٠٠، أبرزها التالي:

تهويد القدس: ساهمت السياسات الإسرائيلية في تهويد القدس الشريف، إضافةً إلى الإستيطان والوضع السيء الذي يعاني منه المقدسيون في إستمرار حالة المواجهة المستمرة واليومية في الضفة، من باب حطة ورأس العامود وشعفاط وحاجز قلنديا والعيسوية. الإستفزازات الإسرائيلية شبه اليومية دفعت بشعب الضفة للمواجهة ولأسباب عدّة أبرزها: اقتحام الأقصى، منع من الصلاة، الإعتقال الإداري، إخلاء منازل، هدم منازل، أو حتى افتتاح منشآت جديدة تابعة للبلدية.

فشل المفاوضات: لعل الطريق المسدود في مفاوضات أوسلو، وكذلك في كامب ديفيد٢٠٠٠ وملف القدس، من أبرز العوامل التي ساهمت في إندلاع إنتفاضة العام٢٠٠٠، لذلك سعت أمريكا على إطلاق ما يسمى بـ”عملية السلام”، ولكن فشل تجربة أنابوليس في العام ٢٠٠٧، ووصول وزير الخارجية الحالي جون كيري إلى طريق مسدود، بث مشاعر اليأس في كافة أبناء الضفة، ولم تعد السلطة الفلسطينية قادرة على تقديم الوعود الفارغة، وبالتالي بات المشهد اليوم هناك شبيهاً إلى حد ما بإنتفاضة الأقصى.

الوضع العربي: بعيداً عن إنشغال العديد من الدول العربية بأزماتها الداخلية وبالتالي إبتعادها عن القضية الفلسطينية، في ظل ترويج ممنهج من محور “الإعتدال العربي” للحل السلمي للقضية الفلسطينية ومحاولة البعض تحويل الصراع من عربي- إسرائيلي إلى فلسطيني-إسرائيلي، أعادت ثورات ما يسمى بـ”الربيع العربي” حضور مفهوم قوّة الشعب، ودور الجماهير في التغيير تحت شعار الشاعر أبي القاسم الشابي: إذا الشعب يوماً أراد الحياة فلا بد أن يستجيب القدر.

عدوان غزّة: ساهمت الإنتصارات التي حقّقتها المقاومة الفلسطينية في غزّة أثناء العدوان الإسرائيلي الأخير عام ٢٠١٤، في دحض كافّة المشاريع التي تُطرح من البعض في الضفة الغربية بعدم جدوى المقاومة وضرورة اللجوء إلى المفاوضات. وبات هناك مشروعان متناقضان يتبنى كل واحد منهم إستراتيجية خاصّة لمشروعه الوطني، الأول مقاوم ومحاصر ومعزول ويتمكن من تحقيق إنجازات، والثاني ممول ومدعوم ومنفتح ويفشل في تحقيق الأمن الذاتي.

إعتداءات متواصلة: ساهمت حالة التنسيق الأمني والمشروع الإقتصادي منذ العام ٢٠٠٧ في إيجاد تجربة مريرة لشعب الضفة، حيث بات عاجزاً عن المواجهة الفعلية، ما دفع بالكيان الإسرائيلي وخاصةً اليمين المتطرف للمضي قدماً في سياسة الإستيطان والتوغل في الموارد والكتل السكانية الفلسطينية. هذا الأمر دفع بشعب الضفة للشعور بضرورة تأمين كافّة سبل المواجهة لحماية أرضه ونفسه ومن الإعتداءات المتكرّرة التي ترتكب بحقّهم، خصوصاً في ظل قرار سياسي بعدم مواجهة الشرطة الفلسطينية لقوات الإحتلال.

إستمرار العمليات العسكرية: شهدت الفترة الأخيرة طفرة غير مسبوقة في عمليات المقاومة، بدءاً من الدهس بالجرافات والسيارات، مروراً بعمليات القنص وإطلاق النار من سلاح ناري، وصولاً إلى اختطاف المستوطنين. هذه الحالة فضلاً عن كونها تشير إلى مقاومة كامنة داخل شعب الضفة، فتحت باب العمليات الفردية المستمرة.

يتضح من خلال ما تقدم أن المقاومة الشعبية في الضفّة، تماماً كما حالها في غزّة، هي متجذّرة في دماء وعروق الشعب الفلسطيني، لذلك يتوجّب على كل القوى أن تسعى جاهدةً كل حسب قدراته لصناعة المقاومة المسلحة وإعادة إنتاجها في الضفة الغربية من جديد، إلا أن غياب الرؤية الواضحة لإطار المقاومة لن تمنع شعب الضفّة من القيام بعمليات مقاومة نوعيّة وفرديّة.

المصدر / الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق