الحشد الشعبي وتطلّعات المستقبل
أثبتت المعارك الميدانية على الساحة العراقية، أن الحشد الشعبي لم يعد أفضل الخيارات في سبيل مواجهة تنظيم داعش الإرهابي فحسب، بل بات “إستراتيجية وطنية عراقية” لمواجهة كافة التحديات المقبلة وعلى كافّة الصعد.
بعد سيناريو الموصل وفتوى المرجعية الدينية التي تهافت أبناء الشعب العراقي على مختلف إنتماءاتهم الدينية والمذهبية لتلبيتها، بدأت سياسة “الجرف” العسكري تارةً، والقضم التدريجي أخرى حيث نجحت قوات الحشد الشعبي بالتعاون مع الجيش والشرطة وأبناء العشائر في إستعادة المناطق العراقية واحدة تلو الأخرى بدءاً من “جرف النصر” مروراً بآمرلي وصولاً إلى الأنبار والرمادي.
ورغم كافّة العوائق الداخلية التي وضعت في عجلات إنتصارات الحشد الشعبي عبر بعض الأصوات الطائفية التي ثبت تواطئها مع التنظيم الإرهابي في سيناريو الموصل، أو الخارجية منها عبر التحالف الدولي بقيادة أمريكا التي لم تكن في يوم من الأيام جادة في تحرير العراق، لا بل على العكس وضعت العراقيل أمام تقدّم الحشد الشعبي واستهدفتهم في بعض المناطق، جامعة تكريت على سبيل المثال، فضلاً عن إمداد تنظيم داعش الإرهابي بالسلاح، نجحت قوات الحشد الشعبي الوطنية العراقية في النفوذ إلى قلوب العراقيين على مختلف إنتماءاتهم المذهبية والدينية، محقّقةً إنتصارات عسكرية بالقدر المستطاع تحت شعار “ما لا يدرك كلّه لا يترك جلّه”.
ما يمكن قراءته حالياً على الساحة العراقية أن بناء مستقبل هذا البلد يرتهن لوجود الجماعات التكفيرية على أراضيه، اذ لا يمكن تصور عراق قوي في ظل إحتلال تنظيم داعش الإرهابي للمدن العراقية، وبما أن المؤسسة العسكرية سواء كانت في الداخلية أو الدفاع تحتاج إلى زمن طويل لبناءها نتيجة للإحتلال الأمريكي الذي عمل على تفتيتها، فلا يوجد خيار للعراقيين سوى الإستفادة القصوى من قدرات الحشد الشعبي بالتعاون مع الجيش والشرطة لدحر التنظيم الإرهابي، وهذا ما جعل من الحشد اليوم واقعاً لايمكن لأي كائن تجاوزه.
ولا ريب في أن الحشد الشعبي وبالإستناد إلى خبرته العسكرية حيث يضم العديد من الفصائل التي إمتلكت حصة الأسد في دحر الإحتلال الأمريكي للعراق، وكذلك عديده العسكري الذي بات يناهز المليون متطوع وفق بعض التقديرات، إضافةً إلى تركيبته الطائفية التي باتت تضم المسلمين من السنة والشيعة والمسيحيين أيضاً، قادر على قيادة العراق في المرحلة الحالية، ورسم مستقبل جديد للبلاد عنوانه: الأمن والإستقرار والإزدهار والتقدّم، فما هو الدور الإستراتيجي الذي يمكن أن يلعبه الحشد الشعبي مستقبلاً في العراق؟
الحشد ومستقبل العراق
تشير المطالعة الإستراتيجية والدقيقة للميدان العسكري إلى نتيجة واحدة مفادها أن تواجد الإرهابيين في العراق مرحلة عابرة، لذلك لا بد من التفكير في مستقبل العراق ما بعد تنظيم داعش الإرهابي والتواجد الأمريكي. الحشد الشعبي الذي يرتكز على مئات الآلاف من العراقيين، جلّهم من الشباب الواعي والمتعلّم، يمكن أن يلعب دوراً بارزاً في بناء عراق قوي يختلف عن حاله اليوم، اذ تشكّل القدرات الهائلة للحشد الشعبي سندا استراتيجياً للعراق على جميع الاصعدة ولا تختص بساحة الحرب فقط.
تعيد قوات الحشد الشعبي إلى الأذهان تجربة الجيش المصري الذي لم يقتصر دوره على الجانب العسكري فحسب، بل تعدّاه إلى دور إقتصادي بارز على الساحة المصرية. لذلك يمكن للحشد الشعبي أن يستفيد من قدرات أبناءه العلمية وإستثمارها في العراق عبر الدخول في مشاريع تنموية سواءً في النفط العراقي أو الصناعات العسكرية بالتعاون مع الجيش، أو مشاريع استصلاح الأراضي والصناعة المحلية للأجهزة الاستهلاكية وإنتاج السلع الصناعية والزراعية.
قد لا تعجب هذه المقولة العديد من الأصوات الطائفية العراقية التي وجدت في إنتصارات التحالف الرباعي الوطني العراقي المتمثّل بـ “الجيش، الشرطة، الحشد، العشائر” على الجماعات التكفيرية إنهياراً لمشروعها التقسيمي، كما أنه بالتأكيد لن يروق لأمريكا ومشاريعها الإقتصادية في النفط العراقي، خاصةً أن الرئيس السابق لوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية “CIA” ديفيد بتريوس اعتبر “الحشد الشعبي” في العراق أشد خطراً على أمن المنطقة والعراق من تنظيم داعش الإرهابي. تصريحات بتريوس بغض النظر عن فحواها إلا أنها تؤكد ما ذكر أعلاه بأن تواجد الإرهابيين في العراق مرحلة عابرة، وتؤرخ واقعاً يؤكد أن الحشد الشعبي حجر عثرة أمام مخططات أمريكا في العراق، أو بالأحرى ركناً إستراتيجياً لا يمكن لأي طرف داخلي أو خارجي تجاهله في معادلة العراق المقبلة.
إن الحشد الشعبي يشكل ثروة عظيمة للعراق وسيؤدي دورا مهما في مستقبل هذا البلد وتنميته على كافّة الصعد، وبإختصار لم يعد بإستطاعتنا تصور عراق جديد تغيب عنه الإستراتيجية الوطنية العراقية الكبرى المتمثّلة بـ”الحشد الشعبي”.
المصدر / الوقت
طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق