وفاة سعود الفيصل: عرّاب الديبلوماسية السعودية
الرياض ـ سياسة ـ الرأي ـ
71يوماً فقط فصلت بين تقاعد سعود الفيصل ومفارقته الحياة ولعلّها فترة قصير لا تقارن بـ 14 الفاً و443 يوماً قضاها الامير السعودي في منصب وزير الخارجية، الذي تسلّمه بعد بضعة اشهر على حادثة اغتيال والده الملك فيصل .
حين تسلّم الامير الثلاثيني هذا المنصب الحساس في المملكة النفطية، كانت الديبلوماسية السعودية تواجه ذروة التعقيدات التي رسمت آفاق المشهد العالمي حتى يومنا هذا.
يومها، كانت الولايات المتحدة قد خرجت مهزومة من حرب فيتنام، وكانت شركة «مايكروسوفت» قد فتحت للتو ابوابها لتصبح بعد اقل من عقدين رمزاً من رموز منظومة العولمة.
وفي الشرق الاوسط، كانت الحرب الاهلية في لبنان تشهد اولى مراحلها الدامية، فيما كانت مصر توقّع «اتفاقية سيناء» التي مهدت لخروجها من خندق الصراع العربي ضد الكيان الاسرائيلي عبر اتفاقية كامب ديفيد.
في خضم تلك التطورات المعقدّة، وما تلاها من تطورات اكثر تعقيداً ـ بدءًا بانتصار الثورة الاسلامية في ايران (1979)، واندلاع الحرب العراقية ـ الايرانية (1980)، مروراً بتفكك الاتحاد السوفياتي (1991) وهبوب «عاصفة الصحراء» على العراق (1991)، ومن ثم زلزال هجمات 11 ايلول، وارتداداته في افغانستان (2001)، وبعده غزو العراق (2003)، وصولاً الى «الربيع العربي» وتداعياته الدامية على الشرق الاوسط (2011) ـ كان الامير المخضرم في قلب الاحداث، فقاد الديبلوماسية السعودية بحنكة يشهد لها الخصوم والحلفاء في آن، تحت عباءة اربعة ملوك، آخرهم الملك الحالي سلمان بن عبد العزيز، الذي اعفاه من منصب وزير الخارجية «بسبب ظروفه الصحية»، وذلك في اطار «انقلاب الفجر» الشهير يوم التاسع والعشرين من نيسان الماضي.
ونعت المملكة العربية السعودية، في بيان عن الديوان الملكي، الامير سعود الفيصل، الذي توفي في ولاية لوس انجلس الاميركية عن عمر يناهز 75 عاماً، موضحة انه سيدفن غدا.
والأمير سعود الفيصل بن عبد العزيز آل سعود من مواليد الطائف في الثاني من كانون الثاني العام 1940، وهو ابن الملك فيصل بن عبد العزيز آل سعود ووالدته الأميرة عفت الثنيان آل سعود.
حصل الأمير سعود الفيصل على شهادة البكالوريوس في الاقتصاد من جامعة «برنستون» في ولاية نيوجيرسي بالولايات المتحدة في العام 1964، وعاد إلى السعودية ليتقلد أول مناصبه مسؤولاً عن العلاقات النفطية في شركة «بترومين»، ثم عضواً في لجنة التنسيق العليا التابعة لوزارة النفط والثروة المعدنية، فمستشاراً اقتصادياً للوزارة ذاتها. وبعدها عُين وكيلاً لوزارة النفط والثروة المعدنية منذ عام 1971 ولمدة خمسة أعوام.
وفي 13 تشرين الاول العام 1975، تولى الأمير سعود الفيصل منصب وزير الخارجية، ليصبح بذلك ثالث رئيس للديبلوماسية السعودية بعد والده الملك فيصل (1930 ـ 1960) وابراهيم بن عبد الله السويل (1962 ـ 1975)، الى ان تمت تنحيته في اواخر نيسان الماضي ليخلفه في المنصب سفير السعودية لدى واشنطن عادل الجبير، في توقيت سعودي وعربي ودولي حساس، طالت فيه نيران الحروب والعمليات الارهابية المملكة النفطية، وشهدت فيها الديبلوماسية السعودية «عاصفة ويكيليكسية» في خضم «عاصفة الحزم» على اليمن، الذي ما زال اهله يترقبون «هدنة رمضان».
وخلال المؤتمرات الصحافية كان الأمير سعود الفيصل يحضر بكامل حنكته الديبلوماسية وثقافته الواسعة، ليستقبل الأسئلة ويرد ردودا مباشرة، ولطالما استخدم فصاحته العربية وحفظه لابيات الشعر العربي في الرد على أيّ من أنواع «الغمز» أو «اللمز» السياسي. كان متحدثاً لبقاً، برغم تصريحاته القاسية في بعض الاحيان، متنقلاً في حديثه من العربية الفصحى إلى الإنكليزية أو الفرنسية، التي يجيدها جيداً، الى جانب لغات اخرى من بينها الايطالية والألمانية والإسبانية والعبرية.
وبحكم عمله كوزير للخارجية كان الفيصل عضوا في الكثير من اللجان العربية والإسلامية مثل «لجنة التضامن العربي» و «اللجنة السباعية العربية» و «لجنة القدس» و «اللجنة الثلاثية العربية» الخاصة بلبنان (السعودية، المغرب، الجزائر).
«10 سنوات وأنا أنفي تارة خبر وفاة سعود الفيصل، وأخرى استقالته… لا أصحاب الشائعات سئموا ولا أنا يئست». تلك كانت تدوينة للسفير أسامة نقلي، مدير الإدارة الإعلامية في وزارة الخارجية السعودية عبر موقع التواصل الاجتماعي «تويتر» نفيًا لاستقالة «امير الديبلوماسية» التي أُشيع خبرها في آذار الماضي. مساء امس، كتب نقلي، أيضاً عبر «تويتر»: «كنت أتمنى ان أنفي إشاعة خبر وفاتك هذه المرة، ولكن ………………………………………………».
هكذا صار خبر وفاة سعود الفيصل الذي أرهقه مرض «باركنسون» حقيقة، تماماً كما خبر تنحيته، بعدما ظل الخبران لسنوات ضمن اطار الشائعات.انتهى