الأخطاء العسكرية الأمريكية في العراق: بين النفاق السياسي وجهل طبيعة الميدان
لم يكن خسارة الدور الأمريكي في العراق أمراً حدث بالصدفة. بل إن بداية ذلك كانت عندما بدأ تنظيم داعش الإرهابي بالتمدد تحت العين الأمريكية، فيما أخفقت سياسة التحالف الأمريكي عن قصدٍ أو من دون قصد، في محاربة الإرهاب. لأن واشنطن دخلت في متاهة الأولويات في التعاطي مع الملف العراقي، خسرت العراق كورقةٍ سياسيةٍ لها، كانت تقوم بإدارتها والتحكم بها لفترةٍ طويلة. فبين التردد الأمريكي تجاه العراق والمتمثل بإرسال قواتٍ لدعم الجيش العراقي في معركته ضد الإرهاب، وبين سياسة أوباما الرافضة لرفع العديد العسكري الأمريكي، حكاية أخطاءٍ أمريكية كانت السبب في ضرب الهيبة الأمريكية، لكنها انعكست حالةً من الوحدة العراقية والإستغناء عن الخارج. وهنا نطرح الأخطاء الأمريكية من باب وصف الإستراتيجية الأمريكية وتناقضاتها. فما هي الأخطاء العسكرية الأمريكية في العراق؟ وكيف يمكن تقييمها اليوم؟
الأخطاء العسكرية والتي يمكن حصرها بخطأين:
الخطأ العسكري الأول يتمثل في قيام التحالف بدعم القوات العراقية في حربها على الإرهاب، من خلال توفير القوة الجوية الغربية، للدعم الجوي فقط، وهو الأمر الذي يحتاج لتنسيقٍ عالٍ مع الكتائب والألوية العاملة على الأرض. فعادةً ما تكون العمليات الجوية، في خدمة العمليات البرية أو عمليات القوات الخاصة إذا صح التعبير. لكن الفشل في هذا الموضوع يعود لأسبابٍ عديدة قد تقع في خانة القصد الأمريكي. فواشنطن تعاطت مع الملف العراقي بطريقة مُلتبسة، وهو الأمر الذي جعل سياستها تجاه العراق تقع ضحية التردد الواضح للكونغرس من جهة ولإدارة أوباما فيما يتعلق بمسألة إرسال قواتٍ خاصة لمساعدة العراقيين في حربهم الميدانية مع الإرهاب من جهةٍ أخرى. وهنا لا نقول إننا مع ذلك، إنما نقوم بتحليل مدى التناقض الواضح في السياسة الأمريكية.
والخطأ العسكري الثاني يتمثل في تعاطي الطرف الأمريكي مع تنظيم داعش الإرهابي، عبر مكافحة تمدده من خلال إستخدام الهجمات المركزة، المُعتمدة على طائرات من دون طيار. وهو يدل على أن أمريكا تعاطت مع تنظيم داعش على أنه مجموعة محصورة الإنتشار، وليس تنظيماً لديه مواقع ميدانية متعددة ومتماسكة في بعض الأحيان. مما يعني وبالتحليل وجود إحتمالين. إما أن الطرف الأمريكي لم يكن يُريد القيام بضرب تمدد التنظيم، فتعاطى معه كما تعاطى مع المجموعات الإرهابية القبلية في باكستان، وهو الأمر الذي لا يمكن حصوله من وجهة نظرنا، إذ أن قواتٍ مُتفوقة العديد والعتاد كالقوات الأمريكية، تعرف جيداً هذه القواعد العسكرية. أما الإحتمال الثاني فيكمن في أن إدارة العمليات العسكرية الأمريكية أخطأت الحسابات والتقدير وهو من الأمور ذات الإحتمال الضئيل.
التقييم:
وهنا نقول إن الخطأين الأول والثاني، أديا الى ترسيخ واقعٍ كان في مصلحة العراقيين، وكذلك دول أخرى في المنطقة. ولعل الدور الأبرز الفاعل كان للطرف الإيراني الذي جمع في تعاطيه مع الملف العراقي العديد من مكامن القوة وأدى بالنتيجة الى عدد من الأمور وهي:
١- تعاطت إيران مع العراق كدولةٍ تعاني من خطرٍ يهدد الأمن القومي لكلا البلدين. وبالتالي فقد قدمت إيران الإستشارة العملية التي ساهمت في تعزيز وضع القوى العراقية الفاعلة لا سيما تعزيز وضع اللجان الشعبية.
٢-أدى ذلك بالنتيجة الى نقل العراقيين من حالة الإعتماد على الخارج الى حالة القدرة على الإعتماد على الداخل، وإعطاء الوحدة الوطنية في مواجهة الإرهاب، الأولوية، لما يساهم ذلك في القضاء على الإرهاب من جهة، وفي تقوية النسيج الإجتماعي العراقي من جهةٍ أخرى.
٣- وجد الأمريكي نفسه عاجزاً أمام النتائج التي حققها الشعب العراقي. فبين تردده في المساعدة العسكرية، وتعاظم دور القوات العراقية واللجان الشعبية، وجدت واشنطن نفسها أمام نتائج لم تشارك في صنعها. فظهرت في مظهر العاجز، وقد خرج الملف العراقي من يدها.
وبالتالي فإننا اليوم أمام عراقٍ جديدٍ يستطيع بتوحد أبنائه ورفضهم للرهان على الخارج، الإنتصار على الإرهاب من جهة، والإنتصار على محاولات البعض الداخلية في ضرب وحدة العراق وتقسيمه من جهة أخرى. لكن هنا لا بد من الإشارة الى أن المحافظة على وحدة العراق من التقسيم أمرٌ يقع في خانة المهمة الصعبة، لما تجري من محاولاتٍ هي أكبر من العراق للتقسيم.
وهنا فإن الواقع الذي رسخته أمريكا في العراق، والذي يقوم على ضعف الجيش العراقي وتغلغل الإرهاب، يعتبر من الأمور التي يحتاج العراقيون لفترة من الزمن لتخطي تحدياته. في وقتٍ يتزامن مع ذلك محاولات أطرافٍ دولية وإقليمية العمل على دعم الإرهاب الداخلي، والسعي للتقسيم. وهو الأمر الذي يجعل المسألة مُعقدةً أكثر. وبالتالي فإن العراق يدفع ثمن الأخطاء الأمريكية ليس على الصعيد العسكري فقط، بل على الصعيد السياسي أيضاً. وهو ما سنتطرق له مستقبلاً.
المصدر – الوقت
طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق