الرئیس الفلسطیني القادم بین الأجندة الخارجیة والإرادة الوطنیة
ها هو الیوم الذي انتظره الكثير من الفلسطينيين أن يعلن فيه الرئيس الفلسطيني محمود عباس عن إستعداده للتخلي عن منصبه والسماح بإجراء الانتخابات، لإنتخاب الرئیس القادم للبلاد، قد أتی. لكن الشعب الفلسطيني لايعتقد أن هذا الإستعداد من قبل الرئيس محمود عباس (أبو مازن) جاء إيمانا منه بمبادئ الديمقراطية وضرورة تداول السلطة سلميا بين مختلف الفصائل الفلسطينية، بل إنه جاء بسبب معاناة الرئيس مع المرض وكبر سنه وهو الذي بلغ الـ ٨٠ عاما.
وفي هذه الأثناء أصبح الیوم الحديث عن الشخص الذي يصلح لتولي رئاسة السلطة الفلسطينية، حديث الساعة في الاروقة السياسية بين حركتي حماس وفتح، يرافقه الكثير من الخلافات الحادة. حيث أن حماس تعتقد ان علی محمود عباس التخلي فورا عن منصبه ليفسح المجال لعزيز دويك رئيس المجلس التشريعي الفلسطيني أن يحلّ مكانه وهذا ما يصرح به الدستور الفلسطيني ایضا. حيث إنتهت فترة رئاسة عباس منذ الـ ٩ من يناير عام ٢٠٠٩ لكن رغم ذلك فقد مدد لنفسه البقاء في هذا المنصب دون مراعاة القانون الأساسي وإرادة الشعب الفلسطيني.
التاريخ السياسي لمحمود عباس (أبو مازن) یعتبر مملوءاً بالاحداث المثيرة للجدل خاصة بعد ما اطلق علیه الفلسطينيون لقب “مهندس مفاوضات السلام” مع الكيان الإسرائيلي، وهو الذي أدت مفاوضاته السرية والعلنية مع الإسرائيليين الی إتفاق “أوسلو” في بدایة التسعینات من القرن الماضي. وإزداد الجدال حول شخصية أبي مازن بعد ما تم إنتخابه رئيسا للسلطة إثر اغتيال ياسر عرفات الرئيس السابق للسلطة الفلسطينية، الذي مات في ظروف غامضة قيل انه تم تسميمه من قبل الكيان الإسرائيلي وأثبتت التحقيقات التي جرت بعد مفارقته الحياة، تسممه بمادة “البولونيوم”. الكثير من الفلسطينيين إتهموا محمود عباس بالتواطيء مع سياسات الكيان الإسرائيلي والبعض الآخر إتهمه بـ “الخيانة” بسبب تنسيقه الأمني مع الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، حيث نتج عن هذا التنسيق إعتقال الآلاف من الفلسطينيين خلال السنوات الأخيرة في الضفة الغربية. لكن علینا أن نعرف أن هنالك للرجل أيضا من يؤيده في الضفة بل حتی في غزة. ومنذ إنتخاب محمود عباس رئيسا للسلطة الفلسطينية إحتجت الكثير من الفصائل الفلسطينية خاصة فصائل المقاومة علی هذه القضية بإعتبار أن الرجل ينتمي لحركة “فتح” وسياسته ليست مستقلة حتی يستطيع أن يكون رئيسا لكل الفلسطينيين.
وکما أوضحنا سلفا أن حماس تسعی لكي يكون عزيز دويك هو الرئيس القادم للسلطة الفلسطينية، لكن هذا الخيار يتعارض مع طموحات حركة فتح وسياسة الكيان الإسرائيلي. وفي هذه الاثناء إتهمت حماس مرارا وعلی لسان الکثیر من مسؤولیها حركة فتح والسلطة الفلسطينية بعدم الإیمان بإجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية، وذلك وفق ما تقوله حماس فإن إجراء اي انتخابات سيؤدي الی فوز هذه الحرکة وهذا ما تخشاه فتح والسلطة الفلسطينية.
وأما إذا اردنا ان نتحدث حول الشخصية التي يبحث عنها الشعب الفلسطيني فهي سهلة المواصفات ولاتحتاج الی الكثير من التفكير. فالشعب الفلسطيني يبحث عن شخص يكون رئيسا لجميع الفلسطينيين وليس لفصيل بعينه، الرئيس القادم يجب ان يكون علی نفس المسافة تجاه حركة حماس وحركة فتح بل تجاه جميع الفصائل الفلسطينية الاخری. كما ان الفلسطينيين يريدون رئيسا يحمي لهم مقاومتهم لا ان يتعاون مع الكيان الإسرائيلي ويساعده في القاء القبض علی المطاردين من قبل تل أبيب.
لكن في المقابل فإن الكيان الإسرائيلي یبحث عن مواصفات تختلف نهائيا عن مواصفات الشعب الفلسطيني بالنسبة للرئيس الجديد الذي من المقرر أن يخلف الرئيس محمود عباس. حيث ان تل أبيب تريد رئيسا خاضعا لسياساتها، متعاونا معها في المجال الأمني ويؤمن بما يسمی السلام مع الإسرائيليين عبر مواصلة المفاوضات. ومعظم الدول العربية ايضا يمكن القول إن المواصفات التي تبحث عنها بالنسبة للرئيس الفلسطيني الجديد، تتماشی مع مواصفات الكيان الإسرائيلي. حيث ان معظم هذه الدول لا تؤمن بمشروع المقاومة وخيارها الوحيد تجاه الكيان الإسرائيلي هو المفاوضات وفق إطار “المبادرة العربية”.
ومن الواضح جدا أن محمود عباس الذي يعتبر نفسه الرئيس الشرعي للشعب الفلسطیني اتبع سياسة الإقصاء بالنسبة للكثير من فصائل المقاومة وعلی رأسها حماس والجهاد الإسلامي خلال الاعوام الماضية، وهذا يعني أنه لم يكن رئيسا لجزء كبير من الشعب الفلسطيني الذي يعتقد بمشروع المقاومة. لذا علی الشخص الذي سیصبح رئیسا لفلسطین أن یکون رئیسا للجمیع ولیس لفصیل محدد، وأن یقف علی مسافة واحدة بالنسبة للجمیع.
المصدر / الوقت
طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق