أمريكا وهوس السلاح الكيميائي السوري
تبدي أمريكا تقلباً في المزاج السياسي حيال سوريا وخاصةً فيما يتعلق بملف الأسلحة الكيميائية الذي كان من المفروض أن يتم إغلاقه منذ ٢٣ يونيو/حزيران ٢٠١٤ حيث أتمت سوريا آنذاك عملية تسليم أسلحتها الكيميائية وذلك وفقاً لقرار مجلس الأمن الذي يحمل الرقم ٢١١٨ والصادر بتاريخ ٢٧ سبتمبر/أيلول ٢٠١٣، إلا أن أمريكا بدأت تحاول إعادة إحياء القضية من جديد رغم تلاشيها واندثارها.
قدمت أمريكا مقترحاً لمجلس الأمن الدولي بفتح تحقيق حول استخدام السلاح الكيميائي في سوريا، وذلك بعد إتهامات وجهتها إلى الجيش السوري باستخدام هذا النوع من الأسلحة في مايو/أيار من العام الجاري، أمريكا التي تطلق هذه الإتهامات تناقض نفسها بنفسها، ففي أكتوبر/تشرين الأول ٢٠١٣ أشادت أمريكا على لسان وزير خارجيتها بتعاون سوريا في مجال تسليمها للسلاح الكيميائي، وبعد إتمام تسليم الأسلحة في يونيو/حزيران ٢٠١٤ اعتبر وزير الدفاع الأمريكي، تشاك هيغل، أن تسليم الحكومة السورية لآخر دفعة من الكيميائي “مرحلة مهمة جداً”، فكيف يمكن لأمريكا أن تتهم الجيش السوري باستخدام أسلحة هي اعترفت بنفسها بأنه قام بتسليمها كاملةً!؟
وكذلك فإن منظمة حظر الأسلحة الكيميائية بالإضافة إلى البعثة المشتركة للتخلص من الأسلحة الكيميائية أكدتا انتهاء عملية نقل الترسانة الكيميائية السورية خارج سوريا بشكل كامل، بالإضافة إلى أن الكثير من الدول أكدت هذا الأمر كبريطانيا والنرويج، ناهيك عن أن بان كي مون اعترف بأن سوريا سلمت كامل ترسانتها الكيميائية، الأمر الذي يجعل من الاتهام الأمريكي تشكيكاً بمجلس الأمن وكامل المنظمات الدولية المعنية وخاصة منظمة حظر السلاح الكيميائي!.
والجدير بالذكر أنه في ٢١ أغسطس/آب ٢٠١٣ حدث هجوم بالأسلحة الكيميائية على غوطة دمشق أسفر عن مقتل ما لايقل عن ١٣٠٠ شخص، وبعد التحقيقات التي جرت أشار خبراء أمريكيون أن الحكومة السورية بريئة من هذا الهجوم، مشيرين بأصابع الإتهام للتنظيمات المسلحة، ورغم هذا فإن أمريكا التزمت الصمت حيال الموضوع، الأمر الذي يؤكد أن المسؤولين الأمريكيين ليسوا بصدد إحقاق حق ولا دفع باطل، إنما يسعون إلى تحقيق مكاسب سياسية ومصالح استراتيجية متعددة، منها:
١- فتح ملف السلاح الكيميائي يمكن أن يشكل ضغطاً على الحكومة السورية وحلفائها، فوفقاً للنظرة الأمريكية فإن فتح هذا الملف وخاصةً في هذه الفترة يمكنه أن يعرقل تقدم الجيش السوري وحزب الله، وذلك بعد التقدم الذي تحقق على حساب الجماعات المسحلة.
٢- تحاول أمريكا إدخال اليأس والإحباط إلى قلب الشعب السوري من خلال تخويفه من أن تؤدي اتهامات أمريكا لحكومته إلى اندلاع حرب ضده، وهذا يدخل في إطار الحرب النفسية والإعلامية.
٣- تعمل أمريكا على تغطية ضعف الجماعات التكفيرية التي تقاتل لصالحها وذلك من خلال الضغط على سوريا وحلفائها لكسب أكبر قدرٍ ممكن من التنازلات والمكاسب التي تخدم المصالح الأمريكية والإسرائيلية في المنطقة.
٤- تحاول أمريكا رفع معنويات المجموعات المسلحة التي تقاتل لصالحها من خلال الإشارة بأنها لن تترك دعمها في مواجهة الدولة والحكومة السورية.
٥- يجتهد صناع القرار الأمريكي بين الحين والآخر على إظهار أنفسهم كراعين للقوانين الدولية ولحقوق الإنسان، فإعادة فتح الملف الكيميائي بمثابة رسالة بأن أمريكا لا تتهاون في مجال انتهاك حقوق الإنسان.
٦- من الطبيعي أن يقابل الإتهام الأمريكي لسوريا ردة فعل دفاعية من روسيا وإيران، وهكذا ستكون أمريكا قد حاولت إظهار هاتين الدولتين على أنهما تدافعان عن انتهاكات حقوق الإنسان.
الملف الكيميائي الذي تحاول أمريكا إعادة رسم حلقاته بعد انتهائها وانقضاء صلاحيتها يشكل صفعة قوية للمجتمع الدولي الذي يلتزم الصمت، وضربة للعدالة التي ترفعها المنظمات الدولية في شعاراتها اليومية، اذ أن الإتهامات الأمريكية تدخل ضمن سياسة الإعتماد على كافة الوسائل والطرق لنيل المكاسب وتحقيق الأهداف، ولكن رغم هذا ستبقى الرغبات الأمريكية مجرد أحلام ومشاريع نظرية، فالكلام الأمريكي لم يعد يعني أكثر من حبرٍ على ورق لايفيد إلا لملء الصحف والمجلات.
المصدر / الوقت
طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق