التحديث الاخير بتاريخ|الإثنين, ديسمبر 23, 2024

حقائق عملية في صراع الحضارات: بين السياسة الأمريكية والمشروع التكفيري 

على مرِّ تاريخ أمريكا ومنذ قيامها، ومن خلال مراجعة تاريخها السياسي وكيفية تعاطيها مع الملفات لاسيما الخارجية منها، نجد أن سياساتها كافة تقوم على فكرة الهيمنة والإستعلاء، أي إفتراض أنها فقط الإمبراطورية القائمة، من منطلق حكم القطب الواحد. وهو الأمر الذي تعكسه آراء ونظريات المفكرين الأمريكيين، الذين كانوا يضعون الخطط الإستراتيجية لواشنطن، حيث أن سياساتهم تقوم على تفتيت الدول والمجتمعات، وإثارة كل ما يؤجج الخلافات. وهنا يأتي الحديث عن نظرية صراع أو صدام الحضارات، والتي يُعتبر صاموئيل هنتنغتون منظرها، والتي يمكن القول إن سياسة واشنطن اليوم ترجمة لها. فما هي هذه النظرية؟ وكيف طبقتها الإدارة الأمريكية؟ وكيف تلتقي مع المشروع التكفيري؟

 

نظرية صراع الحضارات:

صدام الحضارات أو صراع الحضارات وأصل المصطلح بالإنكليزية The Clash of Civilizations  هي النظرية التي تحدث عنها هنتنغتون في كتابه (Clash of Civilization Huntington ١٩٩٣). وتقول النظرية بحسب مؤلفها، بأن الصراعات بعد الحرب الباردة، لن تكون بين الدول القومية وإختلافاتها السياسية والإقتصادية، بل ستكون الإختلافات الثقافية المحرك الرئيسي للنزاعات بين البشر في السنين القادمة. وقد قام هنتنغتون بدعم نظريته من خلال الإرتكاز على أمرين إعتبرهما من المسلمات غير القابلة للنقاش. المُسلَّمة الأولى هي أن العالم سيحكم من قطبٍ واحد وهو أمريكا ولا يوجد من سينافسه على الإطلاق. أما المُسلَّمة الثانية فتقول إن الصراع سيتحول حتماً الى صراعٍ بين الحضارات نتيجة إنهيار ما يُعرف بمفهوم الدولة.  

 

أمريكا وصراع الحضارات: بين النظرية والتطبيق

يبدو أن هنتنغتون عمل على التأسيس لنظريةٍ تختص بالسياسة الأمريكية الإستراتيجية وتُرسِّخ لواقعٍ من الهيمنة، دون الأخذ بعين الإعتبار الكثير من الأمور الأخرى. وهنا لأننا لسنا في مورد نقد النظرية من الناحية العلمية لما تحتويه من أخطاء على الصعيد المهني والإفتراضي، سنقوم بالربط بينها وبين التطبيق أي بالحديث عن إستفادة أمريكا منها وبالخصوص في سياساتها تجاه المنطقة، مما يعني معالجة النظرية عملياً.

إن مجرد توصيف الواقع السياسي لأمريكا منذ قيامها حتى اليوم، يُشير الى أنها اعتمدت هذه السياسة وإن كان بأوجهٍ وأشكال متعددة يجمعها ما يُعرف بالصراع الدموي. وهو الأمر الذي كان القاسم المشترك بين كافة نتائج سياسات واشنطن. فكيف يمكن إثبات ذلك عملياً؟

– سعت واشنطن الى ضرب مفهوم الدولة، الأمر الذي يؤدي الى ضرب الدول القائمة وبالتحديد دول العالم الثالث خاصة في منطقة المشرق العربي. وهو الأمر الذي يجعل الدول ظرفياً تعود للقوى العظمى الموجودة. مما يعزز تبعية الدول لأمريكا الساعية لذلك، فيما يؤسس إنهيار منظومات الدول الى حالةٍ من الإنتماء للطائفة والمذهب، وليس للوطن.

– وبعد ذلك وعندما تصبح أرضية الصراع قابلةً للتأجيج، يتم الإنتقال الى المرحلة المتقدمة من إدارة الصراع. فيتم تحريك العوامل التي تؤدي الى التقاتل، فينطلق الجميع للقتال من مبدأ المذهبية والطائفية، مما يساهم في تفتيت المجتمعات أكثر، بعد إنهيار الدول الجامعة.

ومن خلال هذين المبدأين يمكن فهم السياسة الأمريكية لا سيما المعاصرة، تجاه منطقة الشرق الأوسط. وهو ما يمكن أن يبرر ايضاً البراغماتية الأمريكية المعهودة، والتي يقوم على أساسها التعاطي الأمريكي. وهنا يأتي السؤال الأهم: كيف يمكن ربط ذلك بالكيان الإسرائيلي؟ والمشروع التكفيري؟

 

مصلحة الكيان الإسرائيلي:

عندما يصبح التقاتل مذهبياً، فإن المُبرر للقضاء على الكيان الإسرائيلي يصبح معدوماً. وهو الأمر الذي أدى الى أن يكون من ضمن أهداف واشنطن، ضمان إستمرارية الکيان الإسرائيلي من خلال صراع الحضارات. لذلك فقد رُوِّج لما يسمى بـ (إسرائيل) على أنها دولةٌ تنسجم مع التراث الغربي، مما يُبعد خطر الصراع بين الكيان الإسرائيلي والحضارة الغربية، ويحصر الصراع بينها وبين الحضارة الإسلامية. ثم بعد ذلك، جرى الترويج لحرب المسلمين ضد الغرب، لشمل مصلحة الكيان الإسرائيلي، بمصلحة الغرب، واللعب على وتر أن المسلمين هم العدو المقبل!

 

بين النظرية والمشروع التكفيري:

يقوم المشروع التكفيري على أسس تلتقي في جوهرها مع تطبيق النظرية، وهو ما يمكن تأكيده بمجرد توصيف الفكر التكفيري. فهذا الفكر جعل من الدين معيار التفاعل مع الآخرين وقبولهم، وهو الأمر الذي يجعل الدين على المدى البعيد، معيار تقدم المجتمعات وإرتقاء الحضارات. ويُلغي بالتالي العوامل الأخرى.

كما أن المشروع التكفيري يؤمن بأنه لا يمكن إيجاد قواسم مشتركة مع الأديان الأخرى، إنطلاقاً من قاعدة إلغاء الآخر. وهو الأمر الذي يتفق مع نظرية صراع الحضارات، التي تفترض أصلاً أنه لا إمكانية لتداخل الحضارات، بل لا بد من صدامها حصراً. لذلك فيمكن القول إنه وبناءاً لما ذكر فإن أسس المشروع التكفيري تُعتبر بحد ذاتها أسس نظرية التصادم بين الحضارات.

 

بناءاً لما تقدم:

إن المفكرين الأمريكيين الذين عملوا في خانة التخطيط الإستراتيجي من هنتنغتون الى فوكوياما ثم برنارد لويس، حاكوا الخطط والإستراتيجيات الأمريكية من منطلقٍ واحدٍ واضح المعالم، “لا يوجد في العالم سوى قطب واحد حاكم وهو أمريكا، وعلى كل المنظومات الأخرى من الدول أن تتفتت”. كما أن الصراعات لا بد أن تقوم على أساسٍ واحدٍ فقط وهو العصبية الدينية. لنخلص الى نتيجةٍ مفادها أن السياسة الأمريكية اليوم تعتبر ترجمة لنظرية صراع الحضارات. كما أن الدعم العلني للإرهاب ولا سيما التكفيري، يدخل في خانة المصلحة الأمريكية الإستراتيجية، القائمة على تأمين إستمرارية الكيان الإسرائيلي، وإدخال الشعوب في صراعاتٍ طويلة الأجل. وبالتالي فإن فهم النظرية، والقدرة على توصيف الواقع السياسي الحالي بدقة، يؤدي الى تحديد الطرف المسؤول عن الخراب في منطقتنا.

المصدر / الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق