التغييرات في مفاصل الحكم السعودي.. أبعاد ودلالات
منذ اللحظة الاولى لوصول سلمان وتوليه زمام العرش في السعودية، وعلى غرار الملوك الذين سبقوه كان من المتوقع حصول تغييرات تطال الفريق المقرب من البلاط. ولكن لم يتصور أحد أن يمس بشخصيات تعتبر بمثابة مفاصل اساسية في الحياة السياسية السعودية، ولكنه لم يدم طویلا له حتى بدأ بقرارات اعتبرها البعض انقلابا على ثوابت كان قد أرساها الملك عبد العزيز وحفظها بعده الاولاد بانتقال الملكية بشكل افقي بين الاخوة من اولاد عبد العزيز، طبعا هنا لا بد من الاشارة الى ان الراحل عبد الله هو من ساعد سلمان دون أن يدري باتخاذ بعض هذه القرارات بعد تعطيل العمل بهيئة البيعة من خلال تعيين مقرن وليا لولي العهد في ذلك الوقت.
وبالعودة الى القرارات التي اصدرها سلمان يُلاحظ انها تؤسس لمرحلة جديدة من السياسة السعودية وعلى عدة اتجاهات منها:
داخلي حيث أن اعفاء مقرن بن عبد العزيز من ولاية العهد ومن منصب نائب رئيس مجلس الوزراء (السبب ودون اي تبريرات بناءً على طلب الاخير) وتعيين محمد بن نايف بن عبد العزيز وليا للعهد ونائبا لرئيس مجلس الوزراء، بالاضافة الى تعيين ابنه محمد وليا لولي العهد وهو وزير الدفاع وعلى رأس العدوان السعودي على اليمن. بالاضافة الى ازاحة تركة ابناء عبد الله من المشهد. كل ذلك يُعد تغييرا دراماتيكيا لمشهد انتقال السلطة في السعودية. وبهذا يكون سلمان بدأ وبدون لُبس بالتمهيد لابنه لاستلام سدة الحكم فيما بعد، والزيارات الاخيرة لمحمد بن سلمان موفدا من والده الى بعض عواصم القرار ليست سوى خطوة لتعبيد الطريق امامه الى العرش.
والاتجاه الآخر خارجي حيث أتى تغيير طال سعود الفيصل الذي بقي وزيرا للخارجية السعودية طيلة ٤٠ عاما ليحل محله شخص من خارج العائلة المالكة وهو عادل الجبير السفير السعودي لدى واشنطن، ولذلك عدة دلالات حيث ان سلمان أراد رضا امريكا عن التغييرات التي يقوم بها وهي العارفة بخفايا آل سعود والقادرة وحسب الكثير من المراقبين على كبح جماح التيارات المختلفة داخل العائلة المالكة، بالاضافة الى ان الجبير معروف بولائه المطلق لواشنطن والعداء المستميت لطهران، مما يؤكد أن السياسة السعودية في المرحلة المقبلة ستأخذ وجها اكثر عدائية اتجاه ايران. طبعا هذه التغييرات كانت مؤشراً واضحاً على أن الملك السعودي الجديد يريد ايجاد تغييرات جذرية ليس فقط في الاشخاص المستلمين زمام الامور بل أراد ايضا تغييرا جذريا في سياسة السعودية واسلوبها في ادارة ملفاتها. وطبعا ليس لوجود سوء في ادارة سياسة البلاد في المرحلة السابقة، فأراد التصحيح في مسار الامور! بل لانه اراد التشدد اكثر وتسليم زمام الامور الى مجموعة من الشباب اتسمت سياستهم وخلال الفترة القصيرة الماضية بالتهور والطيش مع ضعف بادٍ في التجربة.
هذا ولا زالت التغييرات على قدم وساق حيث طالعتنا اليوم اخبار عزل بعض الامراء من مناصبهم وتنصيب غيرهم بالاضافة الى تعيين رئيس جديد للديوان الملكي. قرارات لها دلالاتها وابعادها المصيرية على الحكم السعودي في ظل تقارير كثيرة من الداخل السعودي ومن داخل العائلة المالكة على مدى تدهور الامور والخلافات الكبيرة على ادارة امور السعودية، وقد ظهر هذا الامر في اكثر من مناسبة خاصة ان بعض الامراء لم يقبلوا بمبايعة محمد بن نايف ومحمد بن سلمان ومنهم طلال بن عبد العزيز الذي جهارا وعبر تغريدات له على تويتر اعلن ان قرارات سلمان “لا تتفق مع شريعتنا الإسلامية ولا أنظمة الدولة” لذلك “لا سمع ولا طاعة، وبالتالي لا بيعة ” داعيا الى اعادة العمل بهيئة البيعة للنظر مجددا في هذه الامور. هذا وقد بدأت بعض الامور بالانحراف عن المسار الذي رسمه لها سلمان والعدوان على اليمن خير دليل، حيث ان سلمان اراد تثبيت قوته العسكرية وتعزيز وضع محمد بن سلمان من خلال عدوان هدفه اخضاع اليمن بقوة النار فكان ان اختلفت حسابات البيدر والميدان، والكل شاهد على فشل العدوان. بالاضافة الى الاستحقاق الامني الداخلي وسط حديث عن اعتقال خلايا داعشية داخل السعودية. ويبقى السؤال الذي يشغل المحللين حول مستقبل السعودية في خضم هذه التغييرات والانتكاسات المتوالية داخليا وخارجيا؟
المصدر / الوقت
طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق