الحياة المستحيلة في ظل الارهاب … أو الهجرة
منذ دخول تنظيم داعش الارهابي في الخدمة وسيطرته على مناطق في سوريا والعراق بدأ الناس يتداولون أخبار هذا التنظيم ويتحرون عن افكاره وايديولوجياته وطريقة ادارته. ويولي المتابعون لهذا التنظيم الارهابي اهمية خاصة لمعرفة ماهية الحياة في المناطق الخاضعة لسيطرة التنظيم المباشرة كمدينة الرقة السورية، التي يعتبرها التنظيم “عاصمة الخلافة” منذ سيطرته عليها في شهر اب من العام 2014، ومدينة الموصل العراقية التي اصبحت خاضعة للتنظيم في حزيران من العام نفسه. لا احد اخبر بالحياة في ظل هذا التنظيم اكثر ممن عاش داخل هذه المدن وعايش الاوضاع المأساوية، هذه الاوضاع التي اجبرت العديد من السكان الى الهجرة والنزوح الى اماكن بعيدة عن تواجد التنظيم.
كمثيلاته من التنظيمات التكفيرية الارهابية يسعى تنظيم داعش الارهابي الى فرض افكاره المتطرفة ونشر “اسلامه”، الذي لا يمت للاسلام باي صلة، عبر قوانين وتشريعات إسلامية، وعبر إخضاع وترهيب كل من يعارض مخططاته في المناطق التي تخضع لسيطرته. ففي هذه المناطق يتعرض الناس لابشع انواع القهر والمعاناة، حيث يفرض التنظيم الارهابي افكاره، ويتدخل بكل صغيرة وكبيرة، حتى في الامور الشخصية. واول من تعرض للظلم والاضطهاد كان الاقليات الدينية والعرقية كالمسيحيين والشيعة والايزيديين وغيرهم، حيث وضعوا امام امرين اما اعتناق الاسلام “الداعشي” او القتل، ومن تمكن منهم من الهرب صودر بيته واعطي للمقاتلين الاجانب فهم بنظر التنظيم احق به منه. وسعى التنظيم الى إعادة تشكيل المنطقة ديموغرافياً حيث استولى على الملكيات العامة والخاصة وصادر المساكن ووطَن الاجانب الذي يطلق عليهم التنظيم اسم المهاجرين. ولم تسلم المقدسات الدينية والمقامات والقبور من ارهاب داعش، فهدموا القبور ومقامات الانبياء كمقام النبي يونس والنبي شيت في الموصل.
وقد انشأ التنظيم الارهابي شرطة تسمى بـ”رجال الحسبة” مهمته تطبيق القوانين التي تسنها “الهيئة الشرعية للتنظيم” والحرص على تطبيقها، ويحرص هؤلاء على القاء الرعب في قلوب السكان، فيتعرضون للنساء بالضرب امام الناس فقط لان عباءتها اقصر من المطلوب، او يسوقون رجلا الى السجن لانه يرتدي الجينز. بالاضافة الى الشرطة بنى التنظيم عشرات السجون حيث يمارس فيها اقصى انواع العنف.
ويمنع الناس من مغادرة المدن الا باذن من المحكمة الشرعية، فعلى من يرغب بالمغادرة الحصول على ورقة خروج من مقار المحكمة المنتشرة في المدينة، ويسجن احد اقربائه لضمان عودته، ويسعى تنظيم داعش الارهابي من خلال هذه الخطوة الى اجبار الناس على البقاء في المدينة.
كما وقام التنظيم الارهابي بوضع قوانين جديدة تتماشى مع اهواء امراءهم المزعومين وفرضوا عقوبات صارمة بحق كل من يخالفها، فمنعوا التدخين ومنعوا المكتبات والكتب التي وصفوها بكتب الردة والكفر، وفرضوا الصلاة بالقوة، وسيطروا على المحال التجارية وفرضوا الضرائب، وان اقل عقوبة هي الجلد وقد تصل الى الذبح. وفي كل مدينة يسيطرون عليها يرهبون اهلها عبر “حفلات” الذبح والاعدام في الساحات والشوارع العامة. على صعيد اخر منع الرجال من حلق اللحى واجبر النساء على لبس النقاب، ومنعوا من التجول في الطرقات والاسواق بدون محرم، بالاضافة الى جهاد النكاح الذي يفرض على الفتيات البالغات من اجل التزوج من المقاتلين الارهابيين.
اما الفاتورة الاعلى فكانت من نصيب الاطفال الذين اجبروا على التخلى عن مدارسهم والانخراط في العمل من اجل اعالة عائلاتهم. هذا ولا يمكن ان ننسى التعبئة والتحريض عبر مشاهد القتل والتعذيب واخضاع الاطفال للتدريب الديني والعسكري وغسل الادمغة التي يتعرضون له، وقد انخرط العديد من المراهقين والاطفال في هذا التنظيم الارهابي وشاركوا في عمليات عسكرية وانتحارية.
في ظل هذه الظروف وضع السكان امام خيارين، احدهما مر وهو الرضوخ والخنوع للتنظيم الارهابي والعيش في اجواء من الذل والقهر التي لا يمكن لاي انسان حر تحملها، وخيار ثان امر من الاول وهو الهجرة والنزوح والابتعاد عن البيوت والاملاك.
المصدر / الوقت
طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق