التحديث الاخير بتاريخ|الخميس, ديسمبر 26, 2024

أمريكا بعد الإتفاق النووي: قراءة في خطابي أوباما الأخيرين والمواجهة في الكونغرس 

الكل يعلم أنّ أمريكا لا تعطي مكسباً لأحد كرمى لعيونه، فالدولة الأقوى في العالم على الساحة الدولية قد رضخت وتعبت بعد جولات وجولات مع المفاوض الإيراني لتعترف في نهاية المطاف أنّ الجمهورية الإسلامية الإيرانية دخلت النادي النووي الدولي من الباب الواسع بشهادة العالم. 

 

والأمر لا يقف عند هذا الحد فإرهاصات ونتائج هذا الإتفاق أبعد من النووي بل هو خطوة على طريق تحرير إيران من الحصار والقيود وهو ما يعني الكثير بالنسبة لحلفاء إيران وأعدائها، هذا إذا ما صفت النوايا وبقيت القرارات على حالها، خاصة داخل أمريكا التي يترقب العالم ما ستؤول إليه المواجهة المتوقعة بين الديمقراطيين والجمهوريين في الكونغرس الأمريكي.

 

ويعتبر خطاب اوباما بعد توقيع الإتفاق الطلقة الاولى في المواجهة المتوقعة بينه وبين الجمهوريين، وبعض الاعضاء النافذين في الحزب الديموقراطي خلال مرحلة مناقشة مضمون الاتفاق قبل التصويت عليه بعد أن تجري مراجعته ومناقشته في الكونغرس خلال ٦٠ يوماً. فهل سيمر الإتفاق في الكونغرس؟ وهل سيصمد أوباما بعد تأكيده المضي في الدفاع عن الإتفاق؟ وماذا سيفعل الإسرائيليون للضغط على الكونغرس بعدما فشلوا في تعطيل الإتفاق؟

 

فقد قال الرئيس الأمريكي باراك اوباما إن الاتفاق النووي “الشامل والبعيد المدى مع ايران” الذي توصلت اليه أمريکا من موقع قوي ومبدئي، قد أوقف انتشار الاسلحة النووية في منطقة الشرق الاوسط. واضاف: “وبفضل هذا الاتفاق، سوف يكون المجتمع الدولي قادراً على التحقق من أن جمهورية ايران الاسلامية لن تطور الاسلحة النووية “.

 

وفي خطاب متلفز وجهه يوم إعلان الإتفاق الى الامريكيين من البيت الابيض، شدد أوباما على ان “الاتفاق ليس مبنياً على الثقة، الاتفاق مبني على التحقق” من تطبيقه. لكنه أضاف ان الاتفاق “يوفر فرصة للتحرك في اتجاه جديد، وعلينا ان نغتنم هذه الفرصة”، في اشارة الى امكان تحسين العلاقات الامريكية – الايرانية في المستقبل. وحذر الكونغرس من انه سيستخدم حق النقض (الفيتو) اذا اصدر الكونغرس قراراً برفضه .

 

المراقبون يرون أن أوباما قد بدأ المواجهة مع الجمهوريين وهذا الخطاب بمثابة رصاصتها الأولى. والخلاف السياسي في أمريكا قد ينعكس على السير بالإتفاق، خاصة أنّ المسؤولين الإسرائيلين قد أعدوا العدة لما بعد توقيع الإتفاق وعينهم على الكونغرس، والتجربة تؤكد أنّ للإسرائيليين يداً طولى داخل الإدارة والمؤسسات الأمريكية ولكن مسار المفاوضات أثبت أيضاً أنّ ليس كل ما يتمناه الکيان الإسرائيلي يدركه. وكانت تقارير إسرائيلية قد أعلنت أنه خلال الشهر المقبل، سيستقبل الكيان الإسرائيلي بعثتين كبيرتين من نحو ١٠٠ مشرّع أمريكي، من مجلسي الشيوخ والنواب، يُمثلون الديموقراطيين والمحافظين. ومن المُتوقع أن يلتقي نتنياهو مع كل المُشرعين لإقناعهم بمُعارضة الاتفاق. وتحدثت تقارير أخرى عن أن نتنياهو ينوي التوجه إلى أمريكا، خلال أيلول المقبل، بهدف تحريض أعضاء الكونغرس على معارضة الاتفاق النووي .

 

وقد زعم مسؤول الملف النووي لدى الحكومة الإسرائيلية، يوفال شطاينتس أنهم في أمريكا يعارضون الاتفاق، مضيفاً أن “إسرائيل ستحاول التوضيح للكونغرس، بطريقة واحدة وصريحة، وإقناعه بأن هذا الاتفاق سيء.” وأيضاً، تحدث عن حراك داخل أمريكا حول هذا الموضوع، يقوم به صحافيون ومعلّقون وخبراء بدؤوا توجيه الانتقادات إلى الاتفاق. وقال شطاينتس، متوعّداً: “نعرف كيف نؤثر في الرأي العام والإعلام الأميركي، وأنا مقتنع بأن هناك أيضاً شكوكاً كبيرة اتجاه هذا الاتفاق” .

 

وسارع بعض زعماء مجلس الشيوخ من الجمهوريين وبعض المرشحين لمنصب الرئاسة حتى قبل قراءة الاتفاق وملاحقه الى التنديد به والقول إنه سيوجد سباق تسلح نووياً في الشرق الاوسط. إلا أن وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون المرشحة لمنصب الرئاسة عن الحزب الديموقراطي رأت أن الاتفاق “وفقاً لما اعرفه الآن، هو خطوة مهمة”. وكانت المفاوضات السرية بين ايران وأمريكا في سلطنة عمان قد بدأت خلال وجود كلينتون في وزارة الخارجية .

 

وكان الرئيس أوباما قد أقر بأنّ مثل هذا الاتفاق المعقد يجب ان يخضع لمراجعة دقيقة من الشعب الامريكي وممثليه في الكونغرس “لان التفاصيل مهمة، ولاننا نتعامل مع دولة كانت مدى على ٣٥ سنة خصماً ثابتاً للولايات المتحدة. ولذلك فانني ارحب بنقاش قوي في الكونغرس لهذه المسألة، كما ارحب بالتدقيق في تفاصيل الاتفاق “.

 

ومن ناحية أخرى في حال رفض مجلس الشيوخ الاتفاق، واستخدم اوباما حقه في نقضه، عندها يعود قرار فرض الفيتو الى مجلس الشيوخ، الذي يحق له نقض الفيتو الرئاسي ولكن بأكثرية ثلثي الاعضاء وهو أمر لا يمكن ان يحققه الجمهوريون الا اذا انضم اليهم عدد كاف من الديموقراطيين، وهو أمر بالغ الصعوبة .

 

وسارع رئيس مجلس النواب الجمهوري جون بوينر الى اتهام ادارة اوباما بالتراجع عن أهدافها الاولية مثل وقف كل عمليات تخصيب اليورانيوم، وابقاء العقوبات سارية المفعول الى حين التأكد من أن ايران قد تخلت فعلاً عن سعيها الى انتاج قنبلة نووية، وقال: “لقد تخلى الرئيس عن كل هذه الاهداف، ولهذا فان الاتفاق الذي نراه الآن في رأيي ووفقا لما أعرفه الآن غير مقبول. واذا كان فعلاً اتفاقاً سيئاً فعلينا ان نفعل كل ما في وسعنا لوقفه “.

 

وقال السناتور الجمهوري بنيامين ساسي: “اشعلت الادارة ويا للأسف فتيل سباق تسلح نووي في الشرق الاوسط… كلنا نعلم ان جيران ايران لن يقفوا ساكتين، عندما تصير الدولة الاولى الراعية للارهاب في العالم على عتبة انتاج السلاح النووي “.

وحذر السناتور ليندسي غراهام المرشح لمنصب الرئاسة والمعروف بمواقفه المتصلبة عن قضايا الشرق الاوسط، من ان الاتفاق هو “بمثابة كارثة وخصوصاً اذا الغيت العقوبات المفروضة على تصدير الاسلحة من دون حصول تغيير في سلوك ايران… من وجهة نظرنا، لا أستطيع ان أفكر، في أي شيء أسوأ يضمن حصول آية الله (الخامنئي) على برنامج نووي. من وجهة نظر السنة العرب، انه بمثابة اعلان حرب، وهو يمكن ان يكون بمثابة عقوبة الاعدام لاسرائيل “.

وقال السناتور الديموقراطي بنيامين كاردين: “لا ثقة هناك بايران، وعلينا ان نضمن ان هناك اتفاقاً شاملاً يتضمن آليات التحقق من التطبيق ويوفر في الوقت عينه آلية اعادة فرض العقوبات بسرعة اذا انتهكت ايران التزاماتها “.

 

وتوجه أوباما أمس في خطاب آخر إلى الكونغرس ناصحاً بعدم تفويت الفرصة والموافقة على اتفاق فيينا، مشيراً في الوقت نفسه إلى أن الإتفاق مع إيران على برنامجها النووي لا يعني أنه لم يعد هناك من خلافات كبيرة بين البلدين، حيث أن طهران لا تزال “تشكل تهديداً لمصالحنا وقيمنا”. وتوجه الرئيس الأمريكي إلى الأمريكيين وحلفاء أمريكا قائلاً “أقولها بثقة إن إيران لن تمتلك قنبلة نووية “. وأضاف أن مراجعة نصوص إتفاق فيينا النووي بين الدول الست وإيران، “بدأت والامر بيد الكونغرس “. وأكد الرئيس الأمريكي في كلمة له بعد يوم من إعلان التوصل إلى اتفاق، إنه في حال أخفقت إيران في التزاماتها فإن نظام العقوبات سيعود “بصورة أشد”، على قوله .

 

إنها محاولة لإعادة إمتصاص الردود الأولية لخطابه الأول والردود على توقيع الإتفاق، وهو يعلم أنّ مواجهة الداخل حول الإتفاق النووي بدأت وأن القيادة الإسرائيلية تسعى جاهدة لإستمالة الكونغرس للحصول على أغلبية الثلثين لتعطيل فيتو الرئيس الأمريكي من أجل الضغط لعدم تمرير الإتفاق في الكونغرس. ولكن فاته القطار والأيام القادمة ستشهد إقرار الإتفاق من قبل الأمم المتحدة ورفع العقوبات، والإتحاد الأوروبي يسارع بدوله جميعها لاعادة العلاقات مع إيران ورفع القيود والعقوبات. وكل الدول العربية باستثناء السعودية كانت ردودها إيجابية، فالمواجهة الآن في الملعب الأمريكي فهل يستطيع أوباما وتياره أن يثبت للعالم أنه سيسير إلى آخر الطريق ويقنع الكونغرس للسير بالإتفاق أم أنّ اللوبي الإسرائيلي سيكون له التأثير الأكبر في المواجهة؟        

المصدر / الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق