التحديث الاخير بتاريخ|السبت, نوفمبر 16, 2024

حين يتغيَّر المشهد بين الأمس واليوم: سلاح النفط السعودي من دون جدوى 

إن الحديث عن السياسات التي استخدمت في سبيل إرضاخ إيران، حديثٌ يطول. فلا يمكن إختصار زمنٍ من الصمود والحنكة الدبلوماسية، بمقالٍ من صفحتين. فالغرب وعلى مرِّ سنين حربه الباردة ضد طهران، لم يقم بإستخدام وسائل إستراتيجية في ضغطه، بل لم يستطع إيجاد أي وسيلةٍ يمكنه من خلالها تركيع الطرف الإيراني على المدى الطويل. فقد تحولت وعلى مرأى العالم، مسألة العقوبات على إيران، مسبباً رئيسياً للنهوض الداخلي الذي نجحت في قيادته طهران، وأدى لحصول طفرةٍ علمية وتحقيق الإكتفاء الذاتي. وبالتالي فإن نتيجة العقوبات والحصار كانت سبباً للتحول في قدرات طهران ودفعها للأمام أكثر. وهنا يأتي الحديث عن السعودية التي حاولت من خلال سياساتها بإستخدام النفط، الضغط على إيران. لكن الحرب الحقيقية الباردة بين إيران والغرب، كانت الحرب الأساسية. فيما كانت سياسات الرياض تجاه طهران، مجرد محاولات لم ولن تصل الى نتيجة. وهو الأمر الذي يمكن أن تعود لتفكِّر به الرياض اليوم، بعد توقيع الإتفاق النووي. فكيف يمكن توصيف آثار هذا السلاح الذي لا تمتلك السعودية غيره؟ وهل يمكن أن ينجح في كسر التعاظم الإيراني؟

 

إن الحديث عن سلاح النفط مقابل إيران، أمرٌ لا يحتاج للكثير من الدلالات لإثبات فشله في تحقيق المكاسب. كما أن الأخذ بعين الإعتبار أنه جزءٌ بسيطٌ من الحرب على طهران، يجعل الأمور أوضح. فكيف يمكن إثبات ذلك؟

– طوى الإتفاق النووي صفحةً من الحصار الإقتصادي على طهران، الى جانب سنين من العقوبات الغربية. وهو الأمر الذي جعل إيران قادرةً على العودة أكثر الى عالم القدرات كافة وبالتحديد بمنحاها الإقتصادي. فبالعودة الى التاريخ السياسي المعاصر لا سيما للسنوات العشر الأخيرة، نجد أن سياسات الغرب الإبتزازية تجاه إيران كانت كلها مالية وإقتصادية الطابع. وهو الأمر الذي يمكن القول إنه كان يمثل بعضاً من نقاط القوة التي يتمتع بها الغرب مقابل طهران. وهنا نشير الى أن هذه النقاط لم تكن لتحصل، لولا إستغلال الأطراف الغربية لمسألة الإتفاق النووي. لكن إيران التي حققت من خلال صمودها الدبلوماسي، طفرةً علميةً داخلية وقدرةً إقتصاديةً خاصة قادرة على الإكتفاء والإستغناء عن العالم، أصبحت اليوم أقوى من قبل نتيجة الإتفاق الحاصل. لذلك فإن الحرب الباردة إذا صح التعبير بين إيران والغرب هي المسألة الأساس على الصعيد الإقتصادي. فيما تأتي السياسة السعودية من خلال إعتماد النفط وتخفيض أسعاره كوسيلة للإبتزاز، سياسة تفصيلية، ظرفية المنشأ والأثر، ولا يمكن إعتمادها في وجه إيران لفترةٍ طويلة أو إعتبارها سياسة إستراتيجية.

– ويمكن من خلال وصف ردات الفعل معرفة حقائق القوة. فإيران كانت وما تزال تمد يدها للحوار مع الدول كافة لا سيما الخليجية وخصوصاً السعودية، من أجل العمل على نهوض المنطقة ككل والتوصل الى نتائج تُرضي الجميع. فيما أعلنت السعودية في المقابل ومنذ سنوات حتى اليوم، أن إيران تشكل خطراً عليها وعلى نفوذها، وأخذت تُحيك السياسات التي يمكن أن تضرب محور المقاومة الذي تقوده طهران. وعندما فشلت محاولاتها، قامت بالتهديد وإستخدام سلاح النفط كوسيلةٍ لكسر إيران. وعلى الرغم من أننا اليوم نستطيع أن نؤكد أن هذه السياسة لن تُجدي نفعاً، نعود ونطرح الموضوع من باب أنه سلاح الرياض الوحيد. فهي قامت بذلك منذ أشهر بهدف التأثير على موسكو وطهران إقتصادياً ولم ينجح ذلك. واليوم وبعد توقيع الإتفاق، تسعى الرياض لذلك أيضاً. فكيف يختلف المشهد بين اليوم والأمس؟

– إن الإتفاق النووي بين الغرب وإيران لا شك أنه لم يكن ليحقق الرضا الخليجي أو الإسرائيلي. وهو الأمر الذي أدى الى تصريح السعودية عبر سفيرها ومن واشنطن عن أن الإتفاق يدخل ضمن خانة الخطر الحقيقي. ولعل ذلك ما يُعتبر حديث تل أبيب في الأيام الحالية. لكن العارف بما سيؤول إليه الإتفاق، قد يبرر للرياض وتل أبيب موقفهم، ليس من باب تأييدهم، بل من باب الأخذ بعين الإعتبار مصالحهم. فتوقيع الإتفاق مع إيران يعني عودة طهران الى السوق النفطية، وهو الأمر الذي سيعني بالنتيجة مزيداً من التعاظم السياسي. لذلك فإن ردة الفعل الإسرائيلية طبيعية ضمن مفهومها المتعلق بإيران كخطر. وهنا فإن موقف السعودية يعبِّر عن تموضعها في خانة السياسة الإسرائيلية وهو الأمر الأخطر في الموضوع. كما أن النتيجة التي ذكرناها، تعني أن القدرة السعودية على إستخدام تخفيض أسعار النفط كسلاحٍ ضد إيران، هو من الأمور التي لم تعد تنفع على الإطلاق. فقدرة إيران على التحرك إقتصادياً باتت أقوى بكثير.

– كما أن الحجيج الغربي الى طهران هو من الأمور التي تعكس حجم السعي للتقرب من إيران. ولعل ذلك يدل على أن بلاد فارس ستكون محطة التحول المركزية في المنطقة والعالم في المستقبل القريب. وهو حتماً ما يُقلق السعودية وتل أبيب ويجعلهما أمام واقعٍ سياسيٍ لن تستطيعا التأقلم مع نتائجه بسهولة.

من الواضح أن السعودية تعيش مع الكيان الإسرائيلي حالةً من السخط، يتمثل بالهاجس الذي تمثله إيران. لكن وجود السعودية على نفس الخط الإسرائيلي يعتبر من الأمور التي تصف حالة التموضع السياسي اليوم. كما أن ذلك يدخل في خانة التعبير عن المصالح المشتركة التي تجمع الطرفين. أما فيما يخص سلاح النفط. فإنه لم يُفلح في كسر إيران أيام الشدائد والحصار، فكيف يمكن أن يُفلح اليوم مع إيران التي أضحت في مصاف الدول العظمى وبإعتراف الغرب وسيدته أمريكا. فهل يجد أحدٌ أنه من المنطقي الحديث عن سياسات البعض الثأرية تجاه طهران التي لم تعد ذات أثر بعد أن تغيّر المشهد السياسي والعالمي؟

المصدر / الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق