دور القوى الكبرى في الشرق الأوسط الجديد
لم تكن معرفة كيفية تعامل القوى الكبرى مع قضايا منطقة الشرق الاوسط وكذلك معرفة علاقات هذه القوى ببعضها البعض صعبا الى مستوى صعوبتها اليوم حيث نجد علاقة هذه القوى ببعضها البعض غير مستقرة ونرى الشرق الاوسط غارقا في الفوضى كما ان القوى الكبرى ايضا تشهد تغييرات في داخل بلدانها، ويمكن التعبير ان الاوضاع الحالية تشبه عراكا جماعيا يصعب خلاله معرفة من بدأه ومن يقف مع من ومن غير اتجاهه ومن يحارب ومن يتفرج فقط وكيف يمكن انهاء العراك؟
الاستراتيجيات التي يجب اتباعها
ان المعرفة الكاملة والدقيقة لما يجري في الشرق الاوسط تؤدي الى معرفة الكثير من القضايا ويجب على القوى الكبرى ان تغير من استراتيجياتها التي كانت تتخذها ابان فترة الحرب الباردة وما بعدها فاذا نظرنا الى اوروبا نجد انها اصبحت صاحبة نفوذ اكبر في الشرق الاوسط واذا نظرنا الى روسيا نجدها صاحبة قوة وطموح دوليين كما ان الصين ايضا باتت تهدد بنموها حتى النفوذ الامريكي في المنطقة والعالم، ورغم ان امريكا ماتزال القوة الاكبر على الساحة الدولية لكن هناك الكثير من الملفات التي لايمكن لامريكا ان تحلها لوحدها، والى جانب كل هذه الحقائق يجب ان نأخذ بعين الاعتبار ايضا ان الشرق الاوسط شهد ثلاث ظواهر جديدة خلال الفترة الماضية اولها حرب العراق وثانيها انتشار التطرف والمذهبية وثالثها الثورات العربية، ونظرا الى الخلافات الموجودة بين القوى الكبرة فان لكل واحدة منها طريقتها الخاصة للتعامل مع قضايا الشرق الاوسط.
روسيا
تسعى روسيا في فترة حكم فلاديمير بوتين الى تحقيق ثلاثة اهداف استراتيجية اولها بسط نفوذ موسكو في الدول المجاورة القريبة من روسيا وثانيها السيطرة على الاقتصاد الروسي وتقوية السياسة الداخلية في روسيا وثالثها اعادة احياء النفوذ الروسي في الشرق الاوسط.
ولايمكن اعتبار جميع المصالح والاهداف الروسية في الشرق الاوسط على النقيض من المصالح والاهداف الامريكية لأن روسيا تشعر بخطر كبير ازاء وجود التيارات المتطرفة كما ان وجود اهداف وغايات متعددة لروسيا في الشرق الاوسط يفسر قيام الروس بالتحرك بمنتهى الحيطة والحذر وفي هذا السياق يمكن تفسير التعقيد والحساسية والصعوبة التي تتسم بها السياسة الروسية تجاه ايران، فموسكو التي كانت في بداية الثورة الاسلامية في ايران تقف ضد انتشار النفوذ الايراني في المنطقة عدلت من سياساتها وساعدت ايران في بعض جوانب قضيتها النووية رغم موافقتها على فرض الحظر على طهران، اما فيما يتعلق بتركيا فاننا نجدها اكبر شريك تجاري لروسيا في المنطقة رغم انضمام انقرة لحلف الناتو المعادي لروسيا التي تبسط نفوذها في المنطقة عبر بيع دولها اسلحة متطورة.
الصين
كانت الصين دوما تضع نصب عينها في الشرق الاوسط ثلاث قضايا هي أمن مصادر الطاقة والتنمية الاقتصادية والاستقرار السياسي لكن هناك الان قلق يساور الصين تجاه كل هذه القضايا في الشرق الاوسط فالاضطرابات في هذه المنطقة والقلق من الدور الامريكي زاد من القلق الصيني على مصادر الطاقة كما ان التطرف المنتشر في المنطقة يمكن ان يصل الى محافظة شينجيانغ الصينية التي تقطنها اقلية الايغور.
ويمكن القول ان الصين تقاوم تغيير الانظمة في الشرق الاوسط خاصة اذا كان هذا التغيير يجري بدعم من القوى الغربية لأن بكين تخشى من امتداد هذه القضية الى داخل اراضيها ومن هنا يجب ان ننتظر دخول الصين بشكل اكبر من السابق في التطورات الجارية في الشرق الاوسط ولن يقتصر هذا الدخول على القضايا الاقتصادية والتجارية بل يتعداها نحو بناء تحالفات سياسية وعسكرية.
اوروبا وامريكا
تتدخل اوروبا وامريكا اكثر من باقي القوى الكبرى في قضايا الشرق الاوسط فامريكا ترسم لنفسها مسؤولية دولية ازاء كافة القضايا كما انها تلتزم بأمن الكيان الاسرائيلي وتحتاج الى مصادر الطاقة ايضا ولذلك نجدها مهتمة بالشرق الاوسط كما ان هناك اسباباً عدة ايضا لاهتمام الاوروبيين بهذه المنطقة.
وتعتبر السياسات الاوروبية والامريكية في الشرق الاوسط قريبة من بعضها البعض لكن اوروبا وامريكا تمتلكان الان ادوات ضغط في هذه المنطقة أقل من اي وقت مضى فالعديد من الانظمة ورؤساء الانظمة المتحالفة مع الغرب قد سقطوا كما ان دول الشرق الاوسط ترغب في الاساس في تلقي الدعم العسكري والاقتصادي من الغرب لكن الغرب يعاني الآن من تراجع وسبات اقتصادي ولايستطيع تلبي هذه الحاجات.
ان الصراعات التي تشهدها منطقة الشرق الاوسط وانتشار العنف قد بلغ حدا غير مسبوق وان ما يجري في العراق وسوريا يعتبر مثالا على ذلك كما ان قادة الدول الاوروبية باتوا يخشون عودة الارهابيين الذين يحملون جنسيات غربية الى بلدانهم وكذلك الحال بالنسبة لامريكا.
وقد فقدت امريكا الكثير من اسباب النفوذ والقدرة في الشرق الاوسط وشهدت السياسة الامريكية تخبطا ازاء الاحداث الجارية في مصر وسوريا والعراق وايران كما ان السعودية والكيان الاسرائيلي ايضا ليسا راضيين عن السياسة الامريكية المتبعة حيال ايران.
واخيرا يمكن القول ان الشرق الاوسط بات المسرح الرئيسي للتغييرات السياسية في العالم وكذلك لتدخلات القوى الكبرى ولعبة التحالفات الدولية وان هناك “لعبة كبرى” قد بدأت في هذه المنطقة وان هذه اللعبة ستستمر سواء استعدت القوى الكبرى لها أم لم تستعد.
المصدر / الوقت
طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق