عندما يرضخ العالم لإيران النووية، وتدخل أمريكا دوّامة الصراع الداخلي
ينظر العالم بأسره للإنجاز الإيراني من منطلق نتائجه الإيجابية على إيران وشعبها. لكن الحقيقة أن إنجاز طهران، يتعدى السياسة الظرفية ليدخل في تحديد أولوياتٍ جديدةٍ ضمن نطاق الإستراتيجيات الخاصة بالدول كافة. فإذا كانت أمريكا والغرب قد رضخا لإيران كقوةٍ نووية، فهذا يعني أن إعتبار إيران أصبح أمراً يمكن إضافته الى جانب إعتبارات الدول الكبرى الأخرى. وهنا يجري الحديث عن الصراع الحاصل في الداخل الأمريكي، وحقيقة الإختلاف بين الجمهوريين والديمقراطيين حول مصلحة واشنطن والغرب وحلفائهم في المنطقة، من الإتفاق النووي. فماذا في مجريات إحالة الإتفاق للكونغرس؟ وكيف يمكن تحليل واقع الصراع في الداخل الأمريكي بالتحديد؟
تقرير حول إحالة الإتفاق لتصويت الكونغرس:
أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية أنها أحالت إلى الكونغرس الإتفاق النووي الذي تم التوصل إليه الأسبوع الماضي بين إيران والقوى العالمية الست بما في ذلك الملاحق والمواد ذات الصلة، وأمام أعضاء الكونغرس ٦٠ يوماً لمراجعة الإتفاق. وقد ذكرت الوزارة في بيان لها أن فترة الـ ٦٠ يوماً تبدأ منذ إحالة الإتفاق إليها. وبإحالة الإتفاق تبدأ مرحلة جديدة من المفاوضات المكثفة، لكن هذه المرة بين إدارة الرئيس باراك أوباما والكونغرس، إذ يعمل بعض الجمهوريين منذ فترة طويلة على إفشال التوصل إلى هذا الإتفاق.
وبحسب المصادر ستواجه أي محاولة في الكونغرس لإلغاء الإتفاق معركة شاقة. فعلى الرغم من أن الجمهوريين يتمتعون بالأكثرية في مجلسي النواب والشيوخ، لكنهم سيحتاجون دعماً من أعضاء الحزب الديمقراطي لضمان إصدار قرارٍ بالرفض يُمكن أن يعرقل الإتفاق. إلا أن احتمالات حدوث ذلك محدودة، إذ يحتاج إصدار هذا القرار إلى تأييد الأكثرية الجمهوريّة إضافة لأصوات ٦ أعضاء ديمقراطيين على الأقل للحصول على الأصوات الـ٦٠ المطلوبة لإسقاطه.
في المقابل تعهد أوباما باستخدام حق الفيتو ضد أي مشروع قانون يقره الكونغرس يمنع تطبيق الإتفاق مع إيران. وأشادت نانسي بيلوسي، التي تقود الديمقراطيين في مجلس النواب، بالرئيس الأمريكي، وقالت إنها تمتدح الرئيس “لقوته خلال المفاوضات التاريخية التي قادت إلى هذه المرحلة” ووعدت بأن يدرس الكونغرس تفاصيل الإتفاق “عن كثب”. وتصدى الأعضاء الديمقراطيون في مجلس الشيوخ بحزم حتى الآن للجهود التي قادها الجمهوريون للتدخل في المحادثات. وشكك البعض في الإتفاق لكن آخرين قالوا إنهم يتوقعون التصويت بالموافقة عليه.
قراءةٌ بين السطور في التداعيات:
في تقييم التفاوت الحاصل بين الجمهوريين والديمقراطيين، لا بد من الأخذ بعين الإعتبار العديد من المسائل. وهنا نقول التالي:
– يتعاطى الرئيس أوباما على أن الإتفاق النووي هو إنجازٌ تاريخيٌ لواشنطن في التأسيس لواقعٍ سياسيٍ يمنع الحرب ويساهم في إحقاق السلام في الشرق الأوسط. لكن التحدي الأكبر بوجه أوباما وإدارته، يكمن في مرحلة ما بعد الإتفاق من ناحية ضمان مصالح أمريكا كما تريد هي والغرب. وهنا يمكن النقاش في هذه المسألة مطولاً لما ترتبط به من مسائل أخرى، لا سيما قدرة واشنطن على فرض ما تريد في ظل تراجع نفوذها الواضح في الشرق الأوسط.
– كما لا بد من الأخذ بعين الإعتبار أن الواقع السياسي الحالي في أمريكا يتأثر اليوم بمجريات الحملات الإنتخابية. وهو الأمر الذي يعني أن الإتفاق سيكون موضوع أخذٍ وردٍ بين الطرفين. لذلك نجد أن الديمقراطيين يتعاطون مع الإتفاق كإنجازٍ للرئيس الديمقراطي أوباما، فيما يحاول الجمهوريون التخفيف من الإنجاز عبر الحديث عن سلبياته بالنسبة لواشنطن، والأخذ بمصلحة الكيان الإسرائيلي كأولوية للمفاضلة، الى جانب حديث البعض عن الرياض كحليفٍ إستراتيجيٍ يُضاف الى تل أبيب، وهو ما يجب الوقوف عنده في التحليل أيضاً.
– وفيما يتعلق بتل أبيب، فإن للكيان الإسرائيلي تأثيراً يمكن ملاحظته على سياسات أمريكا حتى الداخلية. فعلى الرغم من أن إبطال الإتفاق هو من الأمور الصعبة، إلا أن تعالي الأصوات الإسرائيلية المنددة بفشل السياسة الخارجية لنتنياهو، سيدفع بالأخير للعمل على حشد قواه للتأثير على اللوبي الصهيوني وبالتالي على نتيجة التصويت في الكونغرس.
بناءاً لما تقدم:
على الرغم من أن فرصة إبطال الإتفاق النووي محدودة، فإنه لا مهرب من المواجهة المُحتدمة بين الكونغرس وحكومة الرئيس الأمريكي أوباما. وفي وقتٍ يُشكك فيه البعض بأهمية الإختلاف الحاصل، يجد الطرفان الأمريكيان أنفسهما أمام فرصةٍ للمزايدة على مصالح واشنطن وتل أبيب الإستراتيجية، في ظل حقيقةٍ يبدو أنها الأكثر وضوحاً تتعلق بأن الأطراف الأمريكية تتعاطى مع المسألة النووية من منطلق حساباتٍ إنتخابية، الى جانب تأثُّر البعض بالتوجهات الصهيونية. لكن الأمر الذي لا بد من الإشارة له، هو أن واشنطن التي رضخت للإتفاق مع إيران، لن تتهاون في مصالح تل أبيب وإن كان يمكن القول إن هناك إختلافاً في طريقة تحديد السياسات الإستراتيجية. فيما يبقى الكلام لدى الطرفين الأمريكيين عن مصلحة الكيان الإسرائيلي وربطها بمصلحة الرياض، من الأمور التي تحتاج لكثيرٍ من التساؤلات لا بد أن تجيب عنها السعودية. إلا أن الأمر الواضح الذي لا لبس فيه، هو أن إيران وبغض النظر عن النتائج المقبلة، عادت وأدخلت أمريكا في دوامةٍ من الصراع الداخلي، يُعتبر الثاني خلال هذه السنة، بعد أن كان الأول عندما قرر نتنياهو إلقاء خطابه الشهير في الكونغرس، حيث كان فحواه المفاوضات النووية. وبالتالي فإن إيران، تعود مرةً أخرى لتكون سبب الصراع الأمريكي الداخلي، والأزمة الجديدة بين واشنطن وتل أبيب.
المصدر / الوقت
طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق