التحديث الاخير بتاريخ|الخميس, ديسمبر 26, 2024

حين تحظى طهران بنفوذ واشنطن: لهذه الأسباب تغيرت بوصلة الدول الأوروبية 

 لم تكن أوروبا بعيدةً عن الحدث، بل كانت ممَّن سعوا لإنجازه. هكذا بإختصار يمكن وصف سعي الأوروبيين لإنجاز الإتفاق النووي مع إيران. فالدول الأوروبية وبالتحديد ألمانيا وفرنسا وبريطانيا كانت تنتظر إعلان الإتفاق لتبدأ عملية التنسيق مع طهران، من أجل حجز المواعيد للقاء المسؤولين الإيرانيين، والتباحث في مختلف المجالات لا سيما السياسية والإقتصادية. فلماذا سعت أوروبا الى إنجاح الإتفاق؟ وكيف يمكن قراءة ذلك من الناحية الإستراتيجية؟

 

أولاً: كيف تظهر مساعي الأوروبيين للتعاون مع إيران؟

على قاعدة أن تُحاجج الناس بألسنتهم، يمكن من خلال مراقبة تصريحات وزراء الخارجية الأوروبيين وتحليلها، بيان العديد من المسائل، لا سيما السعي الغربي لإنجاح الإتفاق مع إيران. وهو لا يعني أن الدول الأوروبية تنسجم مع إيران في المبادئ وفي رؤية الوقائع السياسية، إنما يجب التأكيد أن الدول الأوروبية سعت لإنجاز الإتفاق وإقامة تعاونٍ مع طهران. وهو ما يمكن إستخلاصه من التالي:

– أشار وزير الخارجية الألماني فرانك فالتر شتاينماير الى أن الإتفاق النووي “يمكنه أن يفتح فصلاً جديداً في العلاقات بين الدول في الشرق الأوسط”. وقال في تصريحه بعد الإتفاق: “آمل أن الإتفاق مع إيران يمكن أن يُستخدم كنهج نموذجي لنزع فتيل التصعيد في الأزمة السورية، على الرغم من أننا لا نزال بعيدين عن التوصل لحل هناك”.

– قالت وزيرة خارجية الإتحاد الأوروبي فيدريكا موغريني رداً على سؤالٍ لجريدة السفير اللبنانية، إن الإتفاق في أساسه هدف لمنع إيران من إمتلاك السلاح النووي. لكنها من جهة أخرى، رأت أن الإيجابيات ستشمل باقي المستويات، وهي من خلال إتاحته “الإمكانية لإعادة بناء الثقة بين إيران وجيرانها”. وقد أكدت في هذا السياق لنفس المصدر، أن الاوروبيين متشجعون للعب دور وساطة إقليمية: “الإتحاد الأوروبي مستعد ليلعب دوره، ليساعد ويسهل إعادة بناء الثقة في المنطقة، على أمل الحصول على نتائج إيجابية في القضايا الرئيسية والأزمات في المنطقة، بدءاً من سوريا واليمن”.

– كما أن بيان الوزراء الأوروبيين ألمح إلى هذه القضية حيث أن وزيرة خارجية الإتحاد الأوروبي نفسها، دعت خلال البيان إلى العمل على “استكشاف الطرق” التي يمكن عبرها للإتحاد الأوروبي “أن يعزز بفعالية إطاراً إقليمياً يحقق تعاوناً أكبر”. فيما أكد وزير الخارجية البريطاني فيليب هاموند للمصدر السابق: “أعتقد أن الإتحاد الأوروبي يمكنه لعب دور مهم هنا”.. “كما في العقيدة الإيرانية، فإن العلاقة مع الولايات المتحدة صعبة جداً، أما العلاقات مع أوروبا فهي أقل صعوبة. لذلك ربما لدينا فرصة للعب دور في محاولة تشجيع إيران على التفكير في جعل سلوكها معتدلاً في الإقليم”. 

وبالتالي فإن هذه التصريحات، إضافةً الى تصريحاتٍ أخرى ذكرتها الوسائل الإعلامية، كلها تعني حقيقةً الإعتراف بقوة إيران، ووجود مصالح أوروبية في ذلك. وإن كان هناك إختلافٌ في تقييم ورؤية الوقائع، إلا أن مجرد مبادرة هؤلاء الوزراء لطرح التعاون يعني الرضوخ للقوة الجديدة. فكيف يمكن تحليل المصلحة الأوروبية؟

 

ثانياً: المصلحة الأوروبية في التعاون مع طهران:

إن المُتابع للواقع السياسي والإقتصادي الذي تتصف به الدول الأوروبية، يمكنه التوصل للعديد من الإستنتاجات التي يمكن القول إنها تشكل أساساً في توجه الأوروبيين لتوطيد العلاقة مع طهران. وهنا نشير للتالي:

– تعيش أوروبا ومنذ بداية ما سُمي بالربيع العربي، حالةً من السعي لإثبات الدور الفعال في السياسة الإقليمية والدولية. وهو الأمر الذي بدأ عندما سقط النظام الليبي بالتحديد، ودخلت أوروبا بقوة للإستثمار في الداخل الليبي، لكن النتائج جاءت عكس التوقعات وكانت أول ضربةٍ تلقتها الدول الأوروبية هناك.

– وتوالت بعد ذلك نتائج الغرق الأوروبي في السياسة الأمريكية، فشاركت أوروبا في دعم سياسة واشنطن في دول الشرق الأوسط الأخرى وبالتحديد في سوريا، والتي يمكن اليوم الحكم عليها بناءاً للنتائج الواضحة المعالم، بأنها كانت سياسةً فاشلةً بإمتياز، بعيدةً عن الفهم الصحيح للوقائع الميدانية بشقيها السياسي والعسكري.

– إن كلَّ تلك الأحداث المتسارعة، خلال السنوات الخمس الأخيرة بالتحديد، تزامنت مع وضعٍ داخليٍ عانى منه الإتحاد الأوروبي، جاء كإنعكاسٍ للرضوخ للسياسة الأمريكية. فتوترت العلاقة مع روسيا، وارتفعت وتيرة التهديد الإرهابي، خصوصاً بعد عمليات التهريب التكفيري من ليبيا لإيطاليا. الى جانب حالة اللاإستقرار المالي جراء الأزمات المالية. ليأتي بعدها نتائج الإنتخابات في بريطانيا وأسبانيا وأزمة اليونان المُستجدة.

إن المشهد الذي إختصرناه أعلاه، يمثِّل حالة الدول الأوروبية خلال السنوات الأخيرة. فما الذي دفع الدول هذه، بالسعي لإرضاء الطرف الإيراني؟

– كانت إيران في المقابل تُثبت للعالم صحة رؤيتها وبالتحديد لأزمات الشرق الأوسط. فبعد أن أسقطت الرهانات عبر إدارتها لمحور المقاومة، رأى العالم نفسه أمام واقعٍ جديدٍ يتمثل بتراجع النفوذ الأمريكي وحلول النفوذ الإيراني مكانه. وهو ما يمكن تبيانه من خلال مراجعة تاريخ السنوات الأربع الأخيرة.

– فالتعاظم الإيراني بلغ مرحلة القدرة على التأثير وفرض الشروط في الموازين العالمية. وهو ما تحقق عملياً من خلال إبقاء الرئيس الأسد في سوريا، وتعاظم حزب الله اللبناني، وإنتصار اللجان الشعبية العراقية على الإرهاب، وتقدم المقاومة الفلسطينية في ترسيخ موازين الردع ضد الکيان الإسرائيلي.

– كلُّ ذلك جاء لمصلحة الشعوب في المنطقة، لتصبح إيران دولةً تحتضنها إنجازاتها الى جانب شعوب المنطقة. ورأى العالم كيف أن إيران أصبحت رغم العقوبات والحصار عرَّابة السياسات، وهو ما شاهدته العين الأوروبية.

لا شك أن التوصيف التحليلي الذي ذكرناه، يُشكِّل مجتمعاً، الأسباب الحقيقية للحج الأوروبي الى طهران. فالدول بأسرها اليوم، تعاني من أزمة مصالح تُهدد وجودها. وهو ما ينعكس بالنتيجة على سياساتها، والتي ستحاول من خلالها التحرُّر من مصالح الآخرين. لذلك فإن أوروبا وجدت في التودد والسعي لإرضاء إيران أمراً يصب في مصلحتها. مما يجعل الفرقاء الغربيين يختلفون في وجهات النظر، فيما بينهم من جهة، ومع أمريكا وكذلك تل أبيب من جهةٍ أخرى. لكنهم يتفقون على أن التوجه نحو إيران، والسعي للتعاون معها، هو من الأولويات القاهرة. 

المصدر / الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق