بعد صراع خاسر مع إیران، بات الغرب يسرع الخطى نحو التعاون الإقتصادي مع طهران
ظنت الدول الغربية وعلی رأسها أمريكا أن الحظر الإقتصادي الذي فرضته علی إيران، سيشل قدراتها الإقتصادية، وسيجعل إيران تواجه نفس الحالة الإقتصادية التي واجهها العراق بعد العقوبات الإقتصادية التي فرضت علیه في التسعينات من القرن الماضي، لكن لم يتحقق هذا واستطاعت إيران عبر الاعتماد علی قدراتها الإقتصادية الداخلية، إدارة شؤونها المالیة والإقتصادية دون الحاجة الی الغرب. مما أدی هذا الصمود الإيراني الأسطوري، الی أن نری الیوم سباقاً لا مثيل له من قبل الدول الغربية لدخول الأسواق الإيرانية من جديد بعد توقيع الإتفاق النووي بين إيران والسداسية الدولية. وأصبحت الدول الغربیة الیوم تتنافس فيما بینها لدخول الأسواق الإیرانیة والإستثمار فيها، وتعتبر زيارة الوفد الألماني الإقتصادي والسياسي الی طهران في هذا السياق، لتكون ألمانيا اول من شرع هذا السباق لحصد ثمار الإتفاق النووي الإقتصادية، قبل ان تسبقها سائر الدول الغربية وذلك من خلال الزیارة التي یقوم بها وزير اقتصادها سيغمار غابرييل حالیا إلى طهران.
الیوم وبعد توقيع الإتفاق النووي من قبل إيران والسداسية الدولية، ثبت أن هذه هي الدول الغربية التي تحتاج الی الفرص الإقتصادية التي تمتلكها إيران وليس العكس. وبعيدا عن الإدعاءات الغربية والأمريكية التي تدعي من خلالها أن العقوبات الإقتصادية كسرت ظهر الإقتصاد الإيراني، فان إيران بدّلت هذه العقوبات الی فرصة ثمينة من أجل بناء إقتصادها علی مقوماتها الداخلية عبر مخطط الإقتصاد المقاوم، الذي مكّن إيران من إفشال نظام العقوبات علیها، وهذا الكلام إعترف به وزير الخارجية الأمريكي جان كيري عندما أذعن أن نظام العقوبات ضد طهران قد تهاوی، خاصة أن أوروبا أصبحت الیوم بأمس الحاجة الی أسواق إيران وإحتیاطیاتها النفطية والغازية، بعدما أصبحت الصين تستهلك كميات كبيرة من منتجات أسواق الطاقة الدولية.
ويمكن الإشارة الی النقاط التالیة بإعتبارها ميزات إستثنائية يحظی بها الإقتصاد الإيراني، وتستلفت إنتباه المستثمرين الأجانب لدخول السوق الإيرانية:
١) إيران الدولة الثانية في إنتاج الغاز الطبيعي والرابعة في إنتاج النفط الخام علی مستوی العالم
٢) تمتلك إيران أكبر سوق صناعية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا
٣) تقف إيران في المكانة الـ ١٨ علی سلّم أفضل اقتصاد في العالم
٤) حصلت إيران علی نمو إقتصادي إيجابي خلال الأعوام الماضية بالرغم من العقوبات الإقتصادية المفروضة عليها
٥) تمتلك إيران بنی إقتصادية واسعة من ضمنها شركات إنتاج الفولاذ وسكك الحديد والموانيء في شمال وجنوب البلاد والطاقة الكهربائية الهائلة
٦) الید العاملة الشابة والمتعلمة
٧) تمتلك إيران كميات كبيرة من مناجم الزنك والألمنيوم والمنغنيز والنحاس
٨) تعتبر إيران رابع دولة في العالم في مجال تنوع المحاصيل الزراعية
وفيما يلي بعض الحقوق والتسهيلات التي تمنحها الحكومة الإيرانية للمستثمرين الأجانب لتشجيعهم علی الإستثمار في إِيران، حيث أن جميع هذه الإمتيازات تزيد من رغبة الأجانب في دخول السوق الإيرانية بعد رفع العقوبات الإقتصادية علی طهران خلال الفترة القريبة القادمة، ونشير الی بعضها علی النحو التالي:
- تمتع المستثمر بحقوق ودعم وتسهيلات متساوية مع المستثمر المحلي (المادة ٨ من القانون الإيراني)
- الانتقال الحر لأصول رؤوس الأموال أو الأرباح الناتجة عن الاستثمار في البلاد على شكل عملات أو بضائع، (المادتين ١٨-١٣ من القانون)
- الموافقة على الاستثمار الأجنبي في كافة مجالات الإنتاج، والصناعة، والزراعة، والشحن، والعلاقات، والخدمات وتامين المياه والكهرباء والغاز والطاقة
- إمكانية الرجوع في مشاكل الاستثمار إلى المحافل الدولية، (المادة ١٩ من القانون (
- إمكانية امتلاك الأرض باسم الشركة (مسجلة في إيران) في الاستثمارات المشتركة، (المادة ٣٤ من القانون (
- تقديم التسهيلات في تأشيرة الدخول والإقامة لثلاث سنوات في إيران للمستثمرين الأجانب، والمدراء والخبراء مع عائلاتهم من الدرجة الأولى مع إمكانية التمديد لهم، (المادة ٢٠ من القانون و ٣٥ من القانون (
- اتخاذ القرارات مقابل طلبات المستثمرين الأجانب خلال ٤٥ يوماً كحد أقصى، (المادة ٦ من القانون (
- الموافقة على استثمار الأشخاص القانونيين الإيرانيين والذين يستثمرون في البلاد برؤوس أموال من منشأ أجنبي وتقديم التسهيلات لهم، والدعم لقانون تشجيع ودعم المستثمر الأجنبي. (المادة ١ من القانون (
وبالعودة الی زیارة وزير الاقتصاد الألماني سيغمار غابرييل الذي يرافقه أكثر من ستين شخصية تجارية ومدير كبرى الشركات الألمانیة، على رأسها شركة «سيمنز»، ظلت ألمانيا أكبر شريك تجاري لإيران في أوروبا خلال السنوات الماضية وقبل أن يوقف الحظر الإقتصادي هذا التعاون حتی بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين نحو أربع مليارات يورو في ذلك الوقت، حيث إنخفض هذا التبادل الی دون ملياري يورو نهاية عام ٢٠١٣ بسبب الحظر الذي فرض من جانب الغرب علی إيران بسبب برنامجها النووي. لكن الیوم وبعد أن إنهار نظام العقوبات علی إيران تسعی ألمانيا مرة اخری من خلال دخولها الأسواق الإيرانية رفع نسبة مبادلاتها التجارية مع طهران لتصل الـ ١٠ مليارات يورو حتی نهاية العام ٢٠١٩.
ونظرا للإحتیاطي الكبیر الذي تمتلكه إیران من النفط والغاز، أدی هذا الإحتیاطي الهائل من البترول الی أن یسیل لعاب الشركات الإقتصادية الألمانية المتعطشة لمصادر الطاقة، نحو السوق الإيرانية، لضمان تلبية حاجاتها طويلة الأمد الی هذه المصادر من الطاقة. وفي المقابل تحتاج إيران الی التكنولوجيا التي تمتلكها ألمانيا في مختلف المجالات خاصة في مجال صناعة السيارات والإلكترونيات والصناعات المتطورة، هذه الحاجة المشتركة من قبل البلدين لبعضهما البعض أدت الی رغبة مشتركة من الجانبين لتوسيع تعاونهما التجاري بعد إتضاح معالم الإتفاق النووي.
لكن يجب علی إيران أن تحسن استخدام أوراقها الرابحة في اللعبة الإقتصادية مع الغرب خاصة مع ألمانيا، حيث أن ما تمتلكه إيران من نفط وغاز وسوق إستهلاكية كبيرة في الشرق الأوسط، لا يمكن للغرب أن يجده في مكان آخر سوی إيران، ولهذا علی إيران أن لا تقايض ما لديها من فرص إقتصادية رابحة بثمن بخس مع ألمانيا او أي من الدول الغربية الاخری، خاصة في هذه المرحلة التي رفع فيها الحظر الإقتصادي عن طهران وبات بوسعها التعامل الإقتصادي مع الشرق والغرب.
حیث تؤكد الإجتماعات التي عقدت بين الجانب الإيراني والألماني وبحضور بيجن زنغنه وزير النفط الإيراني ووزير الاقتصاد الألماني سيغمار غابرييل والوفد المرافق له في قاعة مؤتمرات وزارة النفط الإيرانية، وكذلك اللقاءات التي عقدت في وزارة الصناعة والمعادن الإیرانیة بین الجانبین، تؤكد أن برلين بحاجة ماسة الی الغاز والنفط الإيراني ولهذا يجب علی طهران حسن إستخدام هذه الثروة الغالیة للنهوض بإقتصادها من جديد. وأشارت المعلومات المسربة من هذه الإجتماعات خلال الیومين الماضيين إلى أن ألمانيا تبحث عن عقود طويلة الأمد لإمدادها بالنفط والغاز الإيراني وبأسعار تنافسية لسد حاجتها لهذه المادة الحيوية.
وختاما، من المفترض أن تكون الدول الغربیة قد وصلت الی هذه النتیجة أن نظام العقوبات الإقتصادیة علی إیران فشل بالكامل، وعلیها في هذه المرحلة فتح صفحة جدیدة مع طهران في المجال الإقتصادي مبتنیة علی قاعدة الربح للطرفین، وأن لا تكرر أخطاء الماضي، لأن الدول الغربیة ستكون المتضرر الرئیسي في هذه اللعبة الخاسرة بعد أن تأقلمت إیران مع جمیع أشكال الحظر الإقتصادي.
المصدر / الوقت
طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق