نمو إيراني متسارع، وعزلة تركية متزايدة
بعد توقيع الاتفاق النووي بين إيران والمجموعة السداسية الدولية (أمريكا وروسيا والصين وبريطانيا وفرنسا وألمانيا) بدأت تلوح في الأفق بوادر تشير إلى مرحلة جديدة في العلاقات الدولية تشكل إيران إحدى طرفيها فيما يشكل المجتمع الدولي طرفها الآخر.
في مقابل ذلك بدأت تلوح في الأفق أيضاً بوادر تشير إلى أن تركيا تسير نحو العزلة في علاقاتها مع المجتمع الدولي نتيجة سياسات الحزب الحاكم (حزب العدالة والتنمية) الذي يتزعمه رئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان.
فما هي هذه البوادر وما حقيقة ما يقال بشأن النمو الإيراني المتسارع والانكفاء التركي المتزايد ؟
عضو البرلمان التركي (أوطكو تشاكر أوزر) كتب مقالاً تحليلياً في هذا المجال نشر في عدد من المواقع الالكترونية على شبكة الإنترنت وحمل عنوان (الاتفاق النووي.. نمو إيراني متسارع وعزلة تركية متزايدة) أشار فيه إلى ان الاتفاق التاريخي الذي وقعته إيران الاسبوع الماضي مع الدول الكبرى (مجموعة ٥+١) في الشأن النووي هيأ لها الارضية المناسبة لاقامة أفضل وأوسع العلاقات مع المجتمع الدولي.
وأضاف (تشاكر أوزر) في مقاله ان الاتفاق النووي الذي تضمن إلغاء الحظر المفروض على إيران مقابل تقليص نشاطها النووي السلمي يمثل انجازاً كبيراً للدبلوماسية الإيرانية، وهذا الأمر من شأنه أن يفتح آفاقاً جديدة لتوسيع العلاقات بين طهران وباقي البلدان على الصعيدين الاقليمي والدولي، معرباً عن ثقته بأن إيران ستتمكن من استثمار هذه الفرصة لتحقيق ما تصبو اليه على الصعيدين الداخلي والخارجي.
وأكد عضو البرلمان التركي ان الاتفاق النووي بين إيران والسداسية الدولية يحمل في طياته بشائر كثيرة ليس لإيران فحسب؛ بل لجميع دول المنطقة والعالم، مشدداً على أن هذا الاتفاق مكن من نزع فتيل اندلاع حرب عسكرية محتملة في الشرق الاوسط، ومهد في الوقت نفسه السبيل لتعزير الامن والاستقرار في ربوع المنطقة وفتح الباب على مصراعيه لتطوير العلاقات بين إيران والدول الاقليمية لاسيما دول الجوار في شتى المجالات.
وأعرب (تشاكر أوزر) عن اعتقاده بأن الاتفاق النووي ضاعف من قدرة إيران على لعب دور أكبر لتسوية الازمات المستعصية في منطقة الشرق الأوسط بالطرق الدبلوماسية والسلمية ومن بينها الازمة السورية، كما جعلها في موقع أفضل للعب دور مماثل في حل الازمات على المستوى الدولي.
وأشار (تشاكر أوزر) في جانب آخر من مقاله إلى مواقف تركيا ازاء ما يحصل في المنطقة، واصفاً سياسة حكومة حزب العدالة والتنمية بأنها ساهمت في إبعاد البلاد عن أداء دور بنّاء في حل الازمات التي تواجهها هذه المنطقة بسبب تخليها عن النهج المحايد الذي كانت تتبناه الحكومات التركية السابقة والذي أكسبها مكانة متميزة واحتراماً خاصاً لدى كافة شعوب ودول المنطقة.
وانتقد (تشاكر أوزر) تدخل الحكومة التركية الحالية بشؤون الدول الأخرى في الشرق الاوسط، مؤكداً ان هذه السياسة هي التي جعلت تركيا تسير نحو العزلة وتوصلها إلى طريق مسدود في علاقاتها مع دول الجوار، داعيا الحكومة الائتلافية القادمة التي من المقرر أن تتشكل على ضوء نتائج الانتخابات الاخيرة التي مُني فيها حزب العدالة والتنمية بنكسة كبيرة إلى انتهاج سياسة جديدة بأسرع وقت ممكن تقوم على أساس الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة مع الدول الاخرى لاسيما دول الجوار.
وهنا لابد لنا أن نشير إلى بعض المعطيات التي أفرزها الاتفاق النووي بين إيران والسداسية على الصعيد الخارجي على وجه الخصوص.
١ – سيمكن هذا الاتفاق إيران من استعادة موقعها الاقتصادي المتميز في العالم من خلال الاستثمارات التي ستمنحها للشركات الاجنبية ومن بينها الشركات الغربية في مختلف المجالات وهذا الأمر سيعود عليها بالتأكيد بفوائد جمّة لا تقتصر على القطاع الاقتصادي، بل تشمل أيضاً حتى القطاعات السياحية والعلمية والثقافية.
٢ – سيمنح تطبيق بنود الاتفاق النووي إيران قدرة مضاعفة لتصدير نفطها وغازها إلى مختلف دول العالم ومن بينها الدول الغربية، وهذا سيعود عليها أيضاً بمنافع كثيرة من شأنها أن تسهم في رفع مكانتها في الأسواق الدولية للطاقة.
٣- الإفراج عن الأموال الإيرانية المجمدة في البنوك الغربية سيمنح طهران فرصة أكبر للنهوض بواقعها الاقتصادي والعلمي وسيؤهلها ذلك إلى الانفتاح بوتيرة متصاعدة لتسويق منتجاتها نحو الخارج، ويمنحها في الوقت ذاته القدرة على استيراد ما تحتاجه لتطوير مؤسساتها ومنشآتها الصناعية والخدمية التي ستسهم بدورها في رفع المستوى المعيشي والرفاهي لكافة أبناء الشعب الإيراني.
٤ – الاتفاق النووي سيمهد السبيل لتبادل الخبرات والامكانات العلمية بين إيران وباقي دول العالم وهذا بدوره سيعزز من مكانة طهران في المحافل العلمية الدولية.
من خلال هذه المؤشرات وغيرها يمكن الاستنتاج بأن ايران باتت في طريقها نحو الرقي الاقتصادي والعلمي والانفتاح السياسي لإقامة أفضل العلاقات مع الدول الاخرى، في حين بدأت تركيا ومنذ مدة ليست بالقصيرة تسير نحو العزلة الاقليمية بسبب مواقفها المتشنجة وغير المتوازنة لاسيما حيال الازمة السورية والوضع الأمني والسياسي في العراق، إضافة إلى ما تعانيه من عزلة مزمنة مع معظم دول الاتحاد الاوروبي التي ترفض إنضمامها إلى هذا الاتحاد رغم المحاولات الكثيرة التي بذلتها انقرة لتحقيق هذا الأمر.
أخيراً لابد من التأكيد على ضرورة أن تعيد تركيا النظر في سياستها الخارجية وأن تستفيد من دروس وتجارب الماضي لتلافي الأخطاء القاتلة التي تسببت في وصولها إلى مستوى لاتحسد عليه في علاقاتها الخارجية، وهذا يتطلب منها العمل من جديد وبقوة على مد جسور الثقة مع كافة البلدان الاقليمية وعلى وجه التحديد دول الجوار والالتزام بالمواثيق والمقررات الدولية التي تنظم علاقات البلدان فيما بينها على أساس الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة.
المصدر / الوقت
طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق