الغموض الذي يلف قضية موت ياسر عرفات … بين الحقيقة والفبركة
سنوات مرت على وفاة الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات الا ان الشبهات لا تزال تلف القضية، فالبعض يقول ان الوفاة كانت طبيعية نتيجة كبر السن، وآخرون يؤكدون ان الوفاة ناتجة عن تسمم. وبين هذا وذاك سر سيظهر عاجلا ام اجلا.
فرنسا تلعب دورا رئيسيا في قضية وفاة عرفات حيث انه امضى ايامه الاخيرة في مستشفى برسي العسكري قرب باريس، وبعد وفاته اكد الاطباء الذين اشرفوا على علاجه أنه لم يمت بالبكتيريا ولا فيروس ولا سرطان، إنما بمادة خارجية غريبة لم يستطيعوا التعرف عليها، وقالوا إنه قتل بسمّ لا يعرفون عنه شيئا فهو لا يتطابق مع عينات السموم التي عندهم. وكانت النيابة الفرنسية قد اعلنت ان القضاة الفرنسيين الذين يجرون تحقيقا لمعرفة ما اذا كان هناك اغتيال انهوا عملهم مؤكدين ان الموت كان طبيعيا.
في تشرين الثاني سنة ٢٠١٢ فتح قبر الرئيس عرفات واخذت منه ٦٠ عينة توزعت على خبراء روس وفرنسيين وسويسريين، وهنا تعارضت اراء الخبراء، حيث خلص الروس والفرنسيون عام ٢٠١٣ الى ان الوفاة طبيعية وليس هناك تسمم، وفي المقابل كان للفريق السويسري رأي اخر اعاد الى الواجهة فرضية التسمم بمادة البولونيوم المشعة.
بعد تقرير مبني على بحث علمي اعدته احدى القنوات العربية اكد وجود مواد مشعة في اغراض شخصية للرئيس الفلسطيني، اعادت سهى عرفات، عبر محامييها فرنسيس سبينر ورينو سمرديان، طلب فتح القضية من جديد. وفي اذار الماضي اعلنت المدعية العامة الفرنسية أن الخبراء المكلفين بالتحقيق في وفاة الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات يستبعدون مرة أخرى فرضية موته مسموما. وأكدت المدعية العامة أن الخبراء الفرنسيين دحضوا فرضية تناول الرئيس ياسرعرفات كمية كبيرة من مادة البولونيوم المشعة في الأيام التي سبقت ظهور الأعراض عليه، استنادا إلى نتائج التحاليل الجديدة. بعد هذا الاصرار من الجانب الفرنسي طلب محاميا ارملة عرفات من القضاء الفرنسي “تحليلا جديدا من قبل فريق دولي.” وهم يطالبون أيضا بالاستماع إلى قاض يتهمونه بانتهاك سرية التحقيق عبر تسريب معلومات للصحافة. وأمام القضاء شهر للرد على هذه الطلبات ومن المفترض ان ترد النيابة جوابا في ٣٠ تموز القادم.
بالعودة الى التقرير الذي بني على تحقيق علمي ممنهج واعتمد على القرائن والأدلة، وعلى العمل المخبري والتحاليل العلمية في أرقى المشافي ومختبرات التحليل البيولوجي والباثولوجي والإشعاعي في العالم، قد خلص التقرير الى ان الفحوص دلت على وجود مادة البولونيوم المشعة على ملابس عرفات واغراض شخصية استعملها في ايامه الاخيرة. وهذه المادة لا تملكها سوى دولة نووية لديها مفاعلات نووية كالكيان الإسرائيلي. هذا التقرير اعاد توجيه اصابع الاتهام الى الکیان الاسرائيلي بشكل مباشر.
الجدير بالذكر انه فور شيوع نبأ اغتيال عرفات سارع الکیان الإسرائيلي للنفي والتبرأ من المسؤولية، حيث قال بعض المسؤولين الاسرائيليين انه لا الشاباك ولا دولة الكيان كانا يعملان في تحضير الطعام لياسرعرفات، لقد كان له أعداء كثيرون من الداخل والخارج، في اشارة الى احتمال ضلوع اطراف داخلية بالاغتيال، مع العلم ان عرفات في اخر ايامه كان محاصرا في رام الله وكل ما كان يصل اليه كان يمر عبر الاسرائيليين. مهما حاول الكيان الإسرائيلي أن یبرئ نفسه فهو یظل المستفيد الأول من تغييب عرفات، وهو من يمكنه أن ینفذ جريمة كهذه بمثل هذه الحرفية والغموض، وهو صاحب السجل الأكبر في الاغتيالات السياسية بالسم وغيره، ولديه ١٣ محاولة سابقة لاغتيال عرفات.
آخر المستجدات في قضية موت ياسر عرفات يبدو مبهما حيث اصدرت النيابة العامة الفرنسية قرارا نهائيا يقضي بعدم وجود وجه حق للدعوى، التي تقدمت بها سهى عرفات باعادة التحقيق، حيث لم يصدر أي اتهام في إطارها سابقا، ونتيجة لذلك اغلق التحقيق. فبالنسبة للفرنسيين عرفات مات موتا طبيعيا، وهذا القرار بكل تاكيد يفرح الکیان الإسرائيلي الذي تنصل غير مرة من المسؤولية. اما بالنسبة للفلسطينيين فهم يصرون على متابعة التحقيق للوصول الى النتيجة والاقتصاص من الفاعل.
بين الغموض الفرنسي والتكتم على النتائج ورفض فتح التحقيق من جديد، والترحيب الاسرائيلي بالقرار الفرنسي، والنتائج الثلاث المتناقضة التي صدرت عن لجان الخبراء في كل من سويسرا وفرنسا وروسيا، المتفقة على القول ان الحالة الصحية للرئيس الفلسطيني في الايام الثلاثين الاخيرة من حياته ليست لرجل مات طبيعياً، تطرح هذه الأسئلة برسم المستقبل وهي هل شاركت فرنسا في تسميم عرفات؟ هل مارس الاسرائيليون ضغطا على فرنسا لتسمیم عرفات أو لوقف التحقيق؟ ما الذي يدفع فرنسا والاسرائيليين للقلق في هذه القضية؟
المصدر / الوقت
طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق