أكراد سوريا، قراءة في الدور والتأثير على خارطة الصراع في المنطقة
يشکل الأكراد في سوريا ما یقارب ١٠ بالمئة من عدد السکان، ويزيد عددهم عن مليوني نسمة، من مجمل عدد السكان البالغ ٢٣ مليون نسمة، وهم يشکلون اکبر أقلية عرقية في البلاد. ويتوزع الأكراد ديموغرافياً على الشريط الحدودي السوري التركي، وبشكل أساسي في ثلاث تجمعات منفصلة، هي الحسكة، وعين العرب (كوباني)، وعفرين في محافظة حلب، إضافة إلى تواجدهم في دمشق وبقية المدن السورية، وقد برز في تاريخ سوريا العديد من الشخصيات الكردية ذات التأثير السياسي والثقافي والديني، أمثال رئيس سوريا السابق حسني الزعيم، والراحل العلامة محمد سعيد رمضان البوطي، ومفتي سوريا السابق، الراحل أحمد كفتارو، وسكرتير الحزب الشيوعي خالد بكداش، وغيرهم..
ومنذ استقلال سوريا في العام ١٩٤٦ حمل الأكراد العديد من المطالبات للحكومات السورية المتوالية، وكان على رأسها ايجاد حل لقضية المواطنة لأكراد الحسكة، وإزالة العراقيل أمام حصول عدد كبير من الأكراد النازحين من تركيا منذ عام ١٩٢٥ على الجنسية السورية.
وتعود أزمة الأكراد غير المجنسين إلى العام ١٩٦٢ في زمن الرئيس السوري السابق ناظم القدسي، حيث تم تجريد ٢٠ بالمئة من الأكراد في الحسكة من الجنسية السورية، بسبب ما قالت حينها السلطات السورية بأن هؤلاء تسللوا عبر الحدود التركية ودخلوا البلاد بصورة غير شرعية، وحصلوا على الجنسية بشكل غير قانوني، وبالتالي تم تسجيلهم كأجانب، ومنذ ذلك الحين وحتى عام ٢٠١١ ظل هؤلاء وأبناؤهم محرومين من حقوق المواطنة كالتملك والانتخاب والتوظيف.
وبعد اندلاع الأزمة السورية، كان من جملة الاصلاحات التي قام بها النظام السوري، تسوية أوضاع غير المجنسين من الأكراد، حيث أصدر الرئيس بشار الأسد بتاريخ ٧ نيسان ٢٠١١ المرسوم الرئاسي رقم ٤٩ لعام ٢٠١١ والقاضي بمنح الجنسية السورية للمسجلين كأجانب في سجلات الحسكة.
وقد برز ثقل ودور أكراد سوريا على الواقع السوري والاقليمي، بشكل واضح بعد اندلاع الأزمة السورية، مما جعلهم محط اهتمام محلي واقليمي ودولي.
وقد حاولت الأطراف المعارضة للنظام السوري، استمالة الأكراد إلى صالحها، حتى أنها عينت شخصية كردية (عبدالباسط سيدا) رئيساً لـ “المجلس الوطني السوري”، في محاولة منها لكسب الثقل الكردي لصالحها، إلا أن الجانب الكردي لم يتجاوب مع هذه الدعوات، خاصة مع الهجمات التي نفذتها جبهة النصرة على مدينة رأس العين في ٢٠١٢، وقد قاطع الأكراد اجتماع المجلس الوطني في اسطنبول، وخرجوا بنتيجة بأن الجماعات المتطرفة، لن تسمح ببديل ديموقراطي للنظام الحالي، وأن مطالبات الأكراد في سوريا لن تكون قابلة للتحقق في ظل الرعاية التركية للمعارضة السورية.
القوى والكيانات الكردية المؤثرة على الساحة السورية
حزب الاتحاد الدیمقراطيPYD : تأسس هذا الحزب بالتزامن مع الغزو الأمریکی للعراق في عام ٢٠٠٣. وقد عرف الحزب نفسه بأنه یلتزم من الناحية الأيدولوجية أفکار عبد الله أوجلان قائد حزب العمال الكردستاني في تركيا (PKK )، وصرح بأنه يهدف إلى تحقيق الإدارة الذاتیة الدیمقراطیة للأکراد السوریین. وقد تشكلت نواة أعضاء هذا الحزب من مجموعة من الشباب الأكراد السوريين الذين انضموا إلى حزب العمال الكردستاني بعد اعتقال أوجلان، ويمكن القول بأن هذا الحزب يتمتع بدعم كبير من حزب العمال الكردستاني، ويحظى بتأييد وتعاطف الغالبية العظمى من أكراد سوريا.
حالياً ينضوي الحزب تحت إطار “هيئة التنسيق” المعارضة منذ نشأتها عام ٢٠١١، ويرأسه “صالح مسلم” والذي يشغل أيضاً منصب نائب المنسق العام “حسن عبدالعظيم”، وقد غادر سوريا منذ عام ٢٠١٢ ويشارك على نحو شبه دوريّ في اجتماعات الهيئة (عبر “سكايب”).
وحدات حماية الشعب الكردي YPG : تعرف بأنها الجناح العسكري لحزب الاتحاد الديموقراطي، تم الإعلان عنها في يوليو/تموز ٢٠١٢ حين جرى كشف شعارها علنا، بعد أكثر من سنة على بدء الأزمة السورية. تتولى حالياً مسؤولية حماية المدن الكردية في الشمال السوري، في كل من الحسكة وعين العرب (كوباني) وعفرين، وتقوم بتسيير دوريات على حدود المناطق الكردية كما تشرف على العديد من حواجز التفتيش، وقد أدّت هذه الوحدات دوراً هاماً في القتال ضد تنظيم داعش الارهابي، ولا يوجد ارتياح من الجانب التركي لهذه القوات، حيث يصفها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بالارهابية، نتيجة لارتباطها بحزب العمال الكردستاني المحظور في تركيا.
المجلس الوطني الكردي: تأسس في اكتوبر من العام ٢٠١١، تحت اشراف ورعاية مسعود البارزاني رئيس إقليم كردستان العراق، في مسعى ليكون ممثلاً عن المجتمع الكردي، ویتکون هذا المجلس من ١٢ حزبا کردیا ليس من بينها الاتحاد الديمقراطي، وقد شكل أحد مكونات ما يسمى “المجلس الوطني السوري” ثم “الائتلاف السوري”، وينظر إليه الائتلاف السوري كممثل وحيد للأكراد السوريين. واقتصر دوره على تمثيل الأكراد في اجتماعات اصدقاء سوريا، دون أن يكون له تأثير كبير على الواقع الكردي.
موقف الأكراد من الأزمة السورية وطبيعة العلاقة مع النظام السوري
كان للخطوة الاصلاحية التي أقدمت عليها الدولة السورية بمنح الجنسية لـ ٣٠٠ ألف مواطن كردي، أثر هام في موقف الأكراد من النظام السوري، حيث اتخذ الأكراد بشكل عام موقفاً أكثر اعتدالاً من الاحداث في سوريا، بالرغم من كل المساعي الأجنبية ومساعي القوى المعارضة من أجل تحريك الورقة الكردية ضد النظام السوري.
وتربط وحدات الحماية الشعبية YPG علاقات جيدة مع النظام السوري، وبالرغم من أن هذه العلاقة لا ترقى لمستوى التحالف، إلا أنها تندرج ضمن التفاهمات الاستراتيجية.
ويتبنى الأكراد في سوريا، وعلى وجه الخصوص حزب الاتحاد الدیمقراطي PYD ، موقفاً يدعو إلى حصول الأكراد على حقوقهم والاعتراف بهم في الدستور السوري، ويؤكدون على أنهم لا يسعون للحصول على حكم ذاتي كما أكراد العراق، بل ينحصر مطلبهم بالحصول على إدارة ذاتية.
ويرتبط نشاط الأكراد في سوريا بشكل كبير بحزب الاتحاد الديموقراطي، الذي بنى هيكلاً إدارياً متيناً، استطاع عبره أن يحكم السيطرة على المناطق الكردية، كما أقام تحالفات مع بعض العشائر العربية وأقليات المنطقة من (آشور وسريان)، في الخامس من كانون الاول عام ٢٠١٣، أعلن الحزب مشروع “الادارة الذاتية الديمقراطية” في “روج آفا” (“كردستان سوريا”)، وقسمها إلى ثلاثة كانتونات: كوباني (عين العرب)، والجزيرة (الحسكة)، وعفرين (في ريف حلب الشمالي)، حيث اعتبر مسؤولون في الحزب أن هذا الاعلان نتاج طبيعي للوضع في المناطق الكردية، بعدما أصبحت من دون وجود رسمي للدولة بمؤسساتها وأمنها.
ولم تكتف “الإدارة الذاتية” بتسيير شؤون الناس، بل أقرّت، أيضاً، قانوناً للتجنيد الإلزامي ورأت أنّ من حقها جلب سكان المنطقة إلى المعسكرات، ثم أقرّت قانوناً آخر يقضي بمنع المغادرة، إلا بموافقة الأسايش “الشرطة”.
بعد وصول المعارك إلى مدينة رأس العين (سري كانيه بالكردية) في ريف الحسكة الغربي (تشرين الاول ٢٠١٢) في مواجهة “الجيش الحر” وتنظيمات إسلامية أخرى، تواصل قادة محليون في الحزب الكردي مع مسؤولين سوريين رسميين، عرض فيه الأكراد على النظام السوري أن تقوم وحدات الحماية الشعبية، بحماية المدينة وكل مدن الشريط الحدودي مع تركيا (رأس العين، الدرباسيّة، عامودا، القامشلي، القحطانية، الجوادية، المعبدة، رميلان، المالكية، اليعربية) والتعاون الكامل مع الجيش السوري للقضاء على المسلحين. هذا العرض أُتبع “بتوجيهات مركزيّة للجيش والشرطة والقوى الأمنية بتسليم كافة المفارز الأمنية والأقسام والقطع العسكرية على أساس الحفاظ عليها جميعها وحماية المناطق التي يقطنها الاكراد السوريون”. كذلك جرى الاتفاق على حماية مديرية حقول رميلان وكافة الآبار النفطية بعقد مقابل قرابة ٥٠ مليون ليرة سورية لمدة عام في الربع الاخير من عام ٢٠١٢، وفقاً لجريدة الأخبار اللبنانية.
ومع بدء العمل في عقد الحماية، بدأ التنسيق مع الجيش السوري الذي مدّهم بأنواع مختلفة من الاسلحة وساهم في تنفيذ غارات والمشاركة بعناصر الهندسة والمشاة أحياناً مقابل الحفاظ على كل مؤسسات الدولة لتعمل بشكل طبيعي في تلك المناطق.
منعطفان مرّ بهما الوضع الكردي في سوريا
المنعطف الأول: معركة تحرير كوباني
جاءت معركة تحرير كوباني في نهاية العام الماضي ٢٠١٤ التي خاضتها القوات الكردية ضد تنظيم داعش الارهابي، كعلامة فاصلة في الوضع الكردي في سوريا، حيث أكسبت هذه الحرب الحزب الديموقراطي PYDووحدات حماية الشعب الكردي اعترافاً وتعاطفاً دولياً كبيراً، حيث أبلت القوات الكردية بلاء حسناً في مواجهة التنظيم الارهابي، واسهمت هذه المعركة في انفتاح أمريكا على الحزب الكردي، حيث ساهمت غارات التحالف في ضرب قوات داعش في المدينة. إلا أن السلطات السورية على ما يبدو لم تكن مرتاحة لهذا الانفتاح.
من ناحية أخرى شهدت المعركة أول تنسيق بين وحدات الحماية الشعبية الكردية مع الجانب التركي، حيث سمحت تركيا، لهذه القوات عبور الحدود مع الحسكة، ومن ثم دخول كوباني عبر الأراضي التركية، بالرغم من اعتبار تركيا هذه القوات ارهابية، كما سمحت تركيا لقوات البيشمركة العراقية عبور الحدود للمشاركة في هذه المعركة، إلا أنها عارضت دخول الأكراد الأتراك لنصرة كوباني.
كما تحسنت علاقة YPG مع مسعود البارزاني، حيث شهدت المعركة تعاوناً بينها وبين قوات البيشمركة العراقية.
المنعطف الثاني: السيطرة على تل أبيض
استطاعت قوات الحماية الكردية في منتصف يونيو/تموز من العام الحالي استعادة السيطرة على مدينة تل أبيض الحدودية، التي تشكل المعبر الحدودي لمدينة الرقة (معقل داعش) مع الحدود التركية، وقد رافق سيطرة الأكراد على تل أبيض الكثير من الجدل، ودار الحديث حول تهجير سكان المدينة من عرب وتركمان، بهدف تغيير البنية الديموغرافية للمدينة والربط من خلالها بين المناطق الكردية في كل من الحسكة وكوباني بما يمهد لانشاء منطقة حكم ذاتي على غرار العراق، الأمر الذي أثار مخاوف الجانب التركي، حيث توالت التصريحات من المسؤولين الأتراك بأن تركيا لن تسمح بإقامة دولة كردية على حدودها الجنوبية.
من جهته أكد رئيس حزب الاتحاد الديموقراطي “صالح مسلم” في حديث لصحيفة “الحياة”، رفض تقسيم سوريا أو إقامة كيان كردي، فيما لم ينف احتمال ضم تل أبيض للإدارة الكردية، حيث قال: “إن موضوع ربط مدينة تل أبيض بإقليم الجزيرة أو كوباني (عين العرب) أمر يعود إلى المجلس المحلي المدني الذي ستشكله المكونات الموجودة في المدينة.”
إلا أن مراقبين يرون بأن دعم التحالف الأمريكي لوحدات الحماية الشعبية الكردية وتوفير الغطاء الجوي للسيطرة على تل أبيض إنما كان يهدف للضغط على تركيا من أجل انضمامها إلى التحالف الدولي ضد داعش.
ومع سيطرة القوات الكردية على بلدة تل أبيض التابعة لمحافظة الرقة والواقعة شمالي سوريا على الحدود مع تركيا، يصبح الأكراد يسيطرون على ثلثي الحدود السورية مع تركيا البالغ طولها ٩٠٠ كيلومتر. مما يعزز من دورهم في رسم سياسات المنطقة في المستقبل، حيث لاشك بأنهم سوف يشكلون بما لديهم من ثقل جزءاً من أي حل تنتهي إليه أوضاع الأزمة في سوريا.
المصدر / الوقت
طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق