التحديث الاخير بتاريخ|الجمعة, نوفمبر 15, 2024

قراءةٌ في زيارة نتنياهو لقبرص: إلتفاتٌ على الدور التركي وتأسيس لواقعٍ تقسيمي فلسطيني 

في ظل ظروفٍ سياسيةٍ معقدة تعاني منها المنطقة والعالم، يتصدر الإعلام اليوم الزيارة المرتقبة لرئيس وزراء الکيان الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الى قبرص، من أجل إجراء محادثاتٍ تدعي القيادة الإسرائيلية أنها ستكون أساساً حول بناء ميناء غزة البحري، الى جانب التطرق الى كيفية إستئناف المفاوضات بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي. لكن الزيارة لا بد أن لها الكثير من الدلالات في ظل إستغرابٍ للدور القبرصي البعيد عن الوساطة ومحادثات السلام. فماذا في آخر مجريات الزيارة المرتقبة؟ وكيف يمكن تحليل تداعياتها السياسية والأمنية؟ 

 

تقريرٌ حول الزيارة المرتقبة:

نقلت وسائل الإعلام الإقليمية والعالمية، خبراً مفاده أن رئيس الوزراء الإسرائيلي سيقوم بزيارةٍ الى قبرص يوم الثلاثاء في ٢٨ تموز الجاري. ويحمل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ثلاث ملفاتٍ أساسية في زيارته المرتقبة إلى قبرص، تتضمن الحديث عن ميناء غزة البحري، ومفاوضات السلام، ومد خط غاز يربط ما بين الکيان الإسرائيلي وقبرص. وقد ذكرت صحيفة هآرتس العبرية، أن الرئيس القبرصي طرح مبادرته حول السلام أمام نتنياهو لدى زيارته للكيان الإسرائيلي في ١٥ حزيران الماضي، وكذلك أمام الرئيس الفلسطيني محمود عباس، خلال محادثة هاتفية بينهما في ١٩ حزيران من نفس الشهر. وقال بيان وزعه مكتب نتنياهو، إن “إسرائيل وقبرص لديهما الكثير من المصالح المشتركة، أهمها الأمن والإقتصاد والطاقة وسنستمر في تعزيز العلاقات بين البلدين”.

وهنا لا بد من الإشارة الى أنه في السنوات الأخيرة، حصلت عدة مبادرات للتعاون بين تل أبيب وقبرص في مجال الغاز الطبيعي، ولهذا التعاون أولوية قصوى بالنسبة للبلدين، وإمكانية إنشاء خط أنابيب لنقل الغاز إلى نقطة البداية من قبرص في المياه الإقليمية التي تخضع للکيان الإسرائيلي، أو عبر قبرص إلى أوروبا أو تركيا. إلا أن الخيار الأخير، هو خارج الجدول بسبب التوترات السياسية والأمنية بين الكيان الإسرائيلي وقبرص مع تركيا.  

 

قراءة بين السطور: خلفيات الزيارة وأبعادها

عند الحديث عن العلاقات الإسرائيلية القبرصية، لا بد من الإشارة الى عددٍ من المسائل والتي من خلالها يمكن تحليل أبعاد زيارة نتنياهو المرتقبة لقبرص. وهنا نقول التالي:

– تعتبر قبرص دولةً مهمة لتل أبيب من نواحٍ عديدة لا سيما من الناحية الأمنية. فالعالم بأسره يعرف أن قبرص تعتبر مركزاً لتوزيع رجال الموساد الإسرائيلي، على مناطق جنوب شرق أوروبا وشمال غرب آسيا. لذلك فإن الأراضي القبرصية تعتبر جزءاً أساسياً مُعلناً وليس خفياً في إستراتيجية الموساد الدائمة.   

  

فكيف يمكن ربط ذلك بمسألة بناء الميناء البحري الذي يربط غزة بالعالم؟

– ليس من الصدفة أن يتم الموافقة على بناء ميناء بحري عائم في المياه يصل إلى غزة. لكن الأمر المهم هو أن الكيان الإسرائيلي ليس في وارد القيام بمشاريع خيرية تصب في صالح الفلسطينيين أو القضية الفلسطينية، وهو ما يجب التركيز عليه. وهنا فإن الهدف الأساسي من الزيارة الوصول الى صيغةٍ تمكن الطرف الإسرائيلي من ضمان بناء الميناء بطريقةٍ تصب في صالحه أمنياً وعسكرياً وبالتالي سياسياً وإقتصادياً. فكيف يمكن حدوث ذلك؟

– إن وضع الكيان الإسرائيلي يده على الميناء يهدف أولاً لإعاقة الدور التركي الذي تبرَّع بإقامة الميناء، للعلاقة القوية التي تربط أنقرة بحركة حماس، وهو الأمر الذي لا يخدم الكيان الإسرائيلي، بغض النظر عن تحليل الدور التركي هنا وما يتصل به من دلالات لا سيما على صعيد دعم حركة الإخوان المسلمين وتفرعاتها.

– وهنا يتبيَّن لنا بوضوح أن الناحية الأمنية هي الهدف الأساسي لتل أبيب، من خلال ضمان مراقبة الإمدادات الداخلية إلى غزة. وهو الأمر الذي يقول محللون إنه يجب على حركة حماس الإلتفات له وعدم إعطاء الأولوية لبناء الميناء أو ترسيخ واقع من التهدئة التي قد تضرب القضية الفلسطينية وتُرسِّخ لواقعٍ من الكينونات في فلسطين وبالتالي التقسيم. فماذا في المخاطر والنوايا الإسرائيلية؟

– إن قبرص كطرف لا يمكن أن تكون في صف الفلسطينيين على الإطلاق. وهو الأمر الذي يفرض التعاطي مع المسألة بمسؤولية ووعي كاملين. فالعلاقة بين الكيان الإسرائيلي وقطاع غزة هي علاقة عداوة تتعلق أصلاً بالقضية الفلسطينية والصراع العربي الإسرائيلي. وبالتالي فإن الأولوية تقع في إعطاء مصلحة الفلسطينيين الدرجة الأولى من الإهتمام، وهو ما لن تقوم به قبرص أو تل أبيب حتماً.

– ولعل الطرف الإسرائيلي يسعى من خلال إهتمامه بذلك، الى ترسيخ واقعٍ تقسيميٍ يُفضي الى جعل غزة كياناً مختلفاً من الناحية الإقتصادية والفلسطينية عن باقي القطاعات الأخرى، والإنقضاض من خلال ذلك على حركة حماس من خلال الترويج لفكرة إحتكارها للسلطة، وللدولة الفلسطينية. وهو الأمر الذي يجب أن يتوحد الفلسطينيون حوله، لقطع الطرق أمام أي محاولةٍ للفتنة وشق الصف الواحد. فالبعد السياسي لإقامة الميناء، سيكون من خلال الترويج لفكرة أنه مظهر من مظاهر السيادة والإستقلالية. لذلك فلا بد من الأخذ بعين الإعتبار أنه وفي حال أقيم الميناء في ظل إنقسامٍ سياسيٍ فلسطيني بعيداً عن المصلحة الفلسطينية، فسيؤدي الى تعزيز الإنقسام لأنه سيقوم بإعطاء الحكومة المسؤولية في غزة، وبالتالي تأمين مصادر للقدرات المادية والمالية والتي ستجعل من غزة كياناً سياسياً قائماً بحد ذاته. 

 

بناءاً لما تقدم:

ان الهدف الأساسي للكيان الإسرائيلي من إنشاء الميناء في غزة، هو إبعاد الإهتمام عن القضية الفلسطينية من خلال بناء واقعٍ تقسيميٍ فلسطيني، يؤسس لوجود كياناتٍ داخلية في فلسطين، وتمنع بالنتيجة الحديث عن مستقبلٍ جامعٍ للشعب الفلسطيني ككل. كما أن الدور التركي الهادف لتبني مشروع الميناء، مما يساهم في تقوية حركة حماس ضمن مشروعٍ هادفٍ لدعم الحركات التي ترتبط بالإخوان المسلمين، يُعتبر أمراً عائقاً بالنسبة لتل أبيب التي تسعى لإرساء مشروع الميناء بالتعاون مع قبرص لأسبابٍ أمنية إستراتيجية أساسية. وما علينا إلا إنتظار الأيام المقبلة لنرى نتائج الأمور .

المصدر / الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق