دوافع رفض عمان لفكرة “القوة العربية المشتركة”
أطلق الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي نداءاً بتشكيل قوة عربية مشتركة منذ زيارته الأولى إلى السعودية والتي كانت بغرض بحث سبل إنشاء هذه القوة، وذلك حسب ما تناقلته بعض الصحف والوكالات الإخبارية، وعادت أصداء نداء “السيسي” لتتردد بين جدران القمة العربية السادسة والعشرين والتي انعقدت في شرم الشيخ في مصر، وكان هذه المرة مدعوماً من قبل السعودية أيضاً، وعلى هذه الخطوات عُقد اجتماع في إبريل/نيسان ضم رؤساء أركان جيوش دول عربية.
الجهود المصرية والسعودية لتشكيل هذه القوة المشتركة فشلت في استقطاب عدد من الدول العربية وعلى رأس هذه الدول سلطنة عُمان التي شدد “يوسف بن علوي”، وزير خارجيتها، على أن بلاده لن تشارك في تلك القوة، وذلك في مؤتمر صحفي جمعه مع نظيره المصري، ويمكن إرجاع رفض عمان للدخول في القوة العربية إلى عدة أسباب، أهمها:
أولاً:
لا يمكن لعمان أو لأي دولة حذقة سياسياً أن تضع قوتها العسكرية ولا حتى جزء منها ضمن قوة مجهولة الإدارة، فالقوة العربية المشتركة التي تعمل مصر والسعودية على تأسيسها لاتزال مجهولة القيادة، وكذلك لا أحد يعلم من سيقرر شروط استخدامها، وفي أي الأوقات ستفعل، ومصالح من ستخدم، وخاصةً أن المشروع هذا أُقترح إبان العدوان على اليمن الذي تشارك فيه دول عربية عدة تحت قيادة السعودية، وهذا ما يجعل من الاشتراك بالقوة العربية زجاً بالقوات العسكرية تحت قيادة دولة أخرى يمكن أن تستخدمها لخدمة مصالحها الخاصة، وبناءً على دوافعها وحاجاتها، ما يهدد الإستقلال الوطني، وحرية المواقف السياسية، وخاصةً أنه لا ضمانات بأن يكون تحرك القوة المشتركة وفق رغبة جميع الأعضاء وليس رغبة عضو واحد!.
ثانياً:
رفض عمان للإنخراط بمشروع “السيسي” ناتج عن سجل التحالفات العربية في المنطقة، فالدول العربية لم تتحد إلا عندما أرادت شن العدوان على اليمن، الدولة الجارة لعمان، وهذا ما ترفضه عمان رفضاً تاماً إذ أنها تسعى دوماً إلى إقامة علاقات طيبة مع شعوب دول الجوار وشعوب الدول الإسلامية، ولذلك فإن موقف وزير الخارجية العماني طبيعي بالنسبة لدولة ترفض تأجيج الصراعات في المنطقة والإغارة على بلدان إسلامية، وهذا ما نوه إليه الوزير العماني بتأكيده على أن حل الأزمة اليمنية هو حل سياسي وليس عسكرياً، في إشارة إلى أن مسقط ترفض الإنضمام لقوة عربية ستعمل على التدخل العسكري في الشؤون الداخلية لشعوب لها الحق في تقرير مصيرها، فمسقط لا ترغب بتأجيج أي نوع من الخلافات بينها وبين الشعوب العربية والإسلامية.
ثالثاً:
عمان كدولة عربية إسلامية مستقلة لايمكنها أن تنضم لقوة عسكرية وصفها الكيان الإسرائيلي بأنها “أمر لا يخيف إسرائيل، بل يجعلها تطير من فرط السعادة” حسب ما قاله “تسفي برئيل” محلل الشؤون العربية بصحيفة “هآرتس”، وأضاف المحلل أن “تل أبيب ترى في هذه القوة جزءًا لا يتجزأ من ركائز أمنها، وعلى الرغم من أن أحدًا لم يدعها للمشاركة في هذا التحالف، فإنها تمتلك فيه أسهماً ممتازة”، فهل هناك دولة إسلامية تقبل الدخول في حلف يملك الكيان الإسرائيلي أسهماً ممتازة فيه!؟
رابعاً:
من المرجح أن القوة العربية المشتركة ستدشن أسلحتها في اليمن، أو ليبيا، وهذا بحجة الإرهاب وحفظ الأمن القومي لمصر والسعودية، أو إعادة الأمن والإستقرار لهذه الدول، الأمر الذي ترفضه عمان رفضاً قاطعاً، بالإضافة إلى أن استقلالية عمان تمنع انضمامها وتحالفها مع دول تلطخت أيديها بدماء شعوب المنطقة.
موقف عمان من القوة العربية المشتركة التي أطلق شرارتها السيسي وصادقت عليها السعودية يصب في حفظ استقلالية سلطنة عمان والمحافظة على مبادئها ومواقفها دون التورط في أماكن تعرضها لضغوط دول أخرى وتخدش استقلاليتها، وهذا الأمر يعتبر موقفاً قوياً وجريئاً اتخذته القيادة العمانية، وخاصةً أن رفضها للمشروع السعودي المصري يضاف إلى رفضها المشاركة بالعدوان على اليمن، الأمر الذي يراه الكثيرون بدءاً لانهيار النفوذ السعودي في المنطقة.
المصدر / الوقت
طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق