التحديث الاخير بتاريخ|الأحد, ديسمبر 22, 2024

عندما يقع الأمن القومي الأمريكي ضحية الرضوخ لإيران! 

 يأخذ الإتفاق النووي جدلاً واسعاً في الداخل الأمريكي بين الطرفين الجمهوري والديمقراطي. فبين مؤيدٍ ومعارض للإتفاق، يتبيَّن أن المصالح الخاصة للأطراف، تأخذ الحيز الأكبر من الإهتمام، مقابل مصلحة الأمن القومي الأمريكي أو مطالب الشعب الأمريكي الذي يبدو أنه وبحسب استطلاعات الرأي يميل للإتفاق مع طهران. وهنا لا نقوم بالوقوف مع طرفٍ ضد آخر إنما نهدف لتبيان أن المصالح الفردية تغلب المصالح القومية في الجدال الحاصل، والذي يأخذ وتيرةً تصاعدية أضحت اليوم توتراً سياسياً داخلياً. فكلٌ ينظر لمسألة الإتفاق والعلاقة مع إيران من مصلحته، الى جانب أنه لا جدال حول أهمية أمن الكيان الإسرائيلي لدى الطرفين، مع وجود خلافٍ في كيفية التعاطي مع ذلك. فماذا في آخر المستجدات الامريكية؟ وما هي دلالاتها الإستراتيجية؟

 

تقريرٌ يوضح الجدل الأمريكي حول الإتفاق:

حذر وزير الخارجية الأمريكي “جون كيري” من مغبة عدم موافقة الكونغرس على الإتفاقية التي أبرمتها القوى الدولية مع إيران. وفي جلسة استماع علنية أمام لجنة الشؤون الخارجية لمجلس النواب، أكد كيري أنه “إذا لم يدعم الكونغرس هذه الإتفاقية، سنشهد ضياعها، دون أن يبقى لنا أي خيارات”. كيري الذي حاول خلال شهادته أن يقنع الكونغرس بإحتواء الإتفاقية على قيود يصعب على طهران التلاعب بها، إستشهد بتصريح لعضو مجلس النواب الديمقراطي عن ولاية ميشيغان “ساندر ليفين” وهو أحد أشد الداعمين للوبي الصهيوني، قائلاً “أعتقد أن هذا الإتفاق يقدم أفضل خيار لمنع إيران من الحصول على سلاح نووي”.

وشهدت الجلسة توتراً بين أعضاء المجلس ووزير الخارجية كان آخرها عندما قام النائب الجمهوري عن ولاية بنسلفانيا سكوت بيري بإتهام إدارة أوباما بتراخيها في التفاوض مع الإيرانيين. وقال بيري مخاطباً كيري: “هل تستطيع أن تخبرني بأيهم تكترث أنت بشكل أكبر؟ إقرار الأمم المتحدة، أو سيادة الأمريكيين وإقرار الشعب الأمريكي عبر ممثليهم المنتخبين شرعياً أيها الوزير كيري؟”، وهو ما دفع كيري إلى الرد بقوة قائلاً “حضرة النائب، لا أحتاج منك إلى دروس عمن أمثل، لقد مثلت (كعضو مجلس الشيوخ) وقاتلت في سبيل بلادنا منذ تخرجي من الكلية”، وعقب لاحقاً “لذا لا تعطيني دروساً عن ذلك؟ أتفهم؟”.

تصعيد بيري جاء بعد تصريح لكيري حول عدم رغبة إيران بالتفاوض مجدداً إذاما رفض الكونغرس اتفاقية النووي عندما قال “إذاما تركنا الإتفاقية، فسنكون عندها قد قررنا أن نستخدم القوة العسكرية، ولن نحظى بدعم الأمم المتحدة أو الدول الخمس الأخرى التي تفاوضت معنا”، متابعاً “إذا رفض الكونغرس الصفقة، فسوف تعود إيران إلى التخصيب، ولن تقبل الحكومة الإيرانية العودة إلى الطاولة (للتفاوض)”.

وأمام الكونغرس الأمريكي مدة ٦٠ يوماً، بدأت من ٢٠ تموز الماضي، لمراجعة الإتفاقية والتصويت عليها بالرفض أو القبول. فالضغوطات التي تعرض لها كيري خلال الجلسة لم تأتِ من الحزب الجمهوري فقط، بل كذلك من صفوف حزب كيري (الديمقراطي) كذلك، وعلى رأسهم عضو اللجنة نفسها وأحد داعمي اللوبي الصهيوني “إليوت أنغل” الذي قال “بهذا الإتفاق، كما أراه، سوف تكون إيران قادرة على تمويل الإرهاب، وستواصل ذلك وستصبح أسوأ”، معرباً عن قلقه على من وصفهم “أصدقائنا في (اسرائيل)”. إلا أن كيري الذي أكد على أن سجله في الدفاع عن الكيان الإسرائيلي يُبيّن نسبة دعم “١٠٠٪ لجميع القرارات” المتعلقة بها، أضاف “أعتقد أن (إسرائيل)، والمنطقة والعالم سيكونون أكثر أمناً إذا لم تتحرك إيران تجاه الحصول على سلاح نووي”. ومن المتوقع أن يصوت الكونغرس الذي يسيطر الجمهوريون على أكثرية المقاعد في كلتا غرفتيه أي الشيوخ والنواب، على قرار يمنع الرئيس باراك أوباما من رفع العقوبات عن إيران مطلع الخريف المقبل، وهو ما قد يدفع إلى عزلة الولايات المتحدة ونبذ إيران للإتفاقية. في وقت كان قد هدَّد فيه الرئيس الأمريكي باستخدام حق النقض ضد الكونغرس، إذاما حاول الأخير التصويت ضد الإتفاقية، الأمر الذي يدفع الجمهوريين الذين يسعون لتقويض جهود الرئيس الأمريكي في هذا الإطار إلى السعي لضم أصوات ديموقراطية إليهم من أجل الحصول على ثلثي الأصوات في كلا المجلسين كي يستطيعوا نقض فيتو الرئيس الأمريكي. 

 

ما يجب معرفته:

يُعتبر الجدل الحاصل ضمن خانة ردة الفعل التي تعيشها واشنطن، جراء توقيع الدول الست لإتفاقٍ يعرف العالم أنه لمصلحة إيران وحلفها أكثر من الدول الأخرى، في ظل وضوحٍ في أن طهران لم تتنازل كثيراً أمام الطرف الأمريكي والغربي الذي رضخ بالنهاية. وهنا لا بد من ذكر التالي:

– إن الحرب السياسية الدائرة بين الكونغرس من جهة وأوباما وفريقه من جهةٍ أخرى، تأتي ضمن محاولة الطرفين إثبات وجهة نظره حول مستقبل ما بعد الإتفاق. وهو الأمر الذي دفع بالترويج لحملة عنوانها أن إدارة أوباما قامت بصفقةٍ سرية مع إيران، تهدف لضرب مصداقية الطرف الأمريكي المفاوض، الى جانب التأسيس لفكرة أن الإتفاق المُعلن يختلف عن السري، مما يساهم في قلب الرأي العام ضد الإتفاق.

– وهو ما تسعى له لجنة العلاقات العامة الأمريكية الإسرائيلية من خلال حملة إعلامية تهدف للترويج ضد الإتفاق النووي عبر وسائل الإعلام الأمريكية والعالمية، وتنفق فيها ما يقارب ٢٠ الى ٤٠ مليون دولار. وهنا لا بد من الإشارة الى أن الصحف الأمريكية تركِّز في عناوينها على أهمية العلاقات الأمريكية الإسرائيلية وكذلك علاقة واشنطن بالرياض والتي قد تتأثر سلباً وتكون ضحية الإتفاق مع طهران. وهو ما يؤشر للكثير من الدلالات التي يجب الوقوف عندها.

– وفيما يمكن القول إن الطرف المؤيد للوبي الصهيوني يسعى لمنع الكونغرس من التصويت على الإتفاق إيجاباً، يحاول الضغط من خلال هذه الحملات الإعلامية على أعضاء الحزب الديمقراطي، لعله يحظى بأصواتهم في حال إستطاع أوباما نقض تصويت الكونغرس السلبي، لو حصل. 

– في المقابل ودعماً للتحليل أظهرت نتائج استطلاعٍ للرأى أجرته الواشنطن بوست وشبكة أي بي سي نيوز حول الصفقة، والتي تنص على تخفيف العقوبات ضد إيران مقابل فرض قيود على البرنامج النووي، أن ٥٦ في المئة من الأمريكيين يؤيدون الصفقة.

قد لا يؤثر الجدال الحاصل على النتائج التي حققتها طهران من الإتفاق النووي. لكنه يعني أن الداخل الأمريكي وبسبب الظروف السياسية القاهرة، جعل الطرفين الأمريكيين يكشفان حجم الإختلاف في الرؤية والمصالح، فيما يقع الأمن القومي الأمريكي ضحية هذا الجدال. والأيام المقبلة وحدها، كفيلةٌ بإظهار المزيد.

المصدر / الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق