زمن الإنكسار الأمريكي، عندما تضيع الثقة…(١) العلاقة مع “الکيان الإسرائيلي”
نعم إنّها أمريكا فرعون العصر الجديد. لكن هذا اللقب أصبح فضفاضاً عليها! وعرش فرعون أصبح أكبر منها! ولم تعد أمريكا الحاكمة بأمرها بل أصبح محكومٌ عليها التفاوض، ولم تعد يدها مطلقة للإفساد في هذا العالم. والأخطر من هذا كلّه و”المحزن” لأمريكا أنّ حلفاء الأمس أصبحوا لا يثقون بسيدهم، وحتى أدواتها في المنطقة لم تعد تثق بها. هي أمريكا لا صديق لها ولا حليف.
فعن من نتحدث؟ عن دول الإتحاد الاوروبي، عن الكيان الإسرائيلي، عن تركيا، عن السعودية، عن من… فكلهم يعرفون أنّ سيدهم لم يعد كسابق عهده، أمريكا أيضاً بدأت تشعر يوماً بعد يوم أنهم فهموا أنّ زمن التحولات قد بدأ. نعم إنه زمن التحولات الكبرى. زمن الإنكسار الأمريكي.
الكل يتابع التطورات في المنطقة والأحداث المتسارعة والتحولات التي يشهدها العالم وما يرافقها من تحليلات وتكهنات حول مستقبل العلاقات الدولية والتحالفات في المنطقة والعالم. وأمام مشهد معقد تظهر إلى الواجهة علاقة أمريكا بحلفائها خاصةً بعد توقيع الإتفاق النووي مع إيران. فكيف انعكس الإتفاق على علاقة أمريكا بحلفائها وأدواتها مؤيدين ومعارضين؟ وهل نحن في زمن التسليم الأمريكي لموازين القوى الجديدة؟ وهل ستنكسر الأدوات بعد تراجع سيدهم وضياع الثقة أم أنهم سيركبون قطار التسويات؟
فالقصة ليست جديدة والتراجع الأمريكي في المنطقة يعود لسنوات مضت منذ الهزيمة والانسحاب من العراق، ولكن ما أظهر حقيقة الوضع الأمريكي وخيّب حلفاءها وأدواتها بدأ بعد التراجع الأمريكي عن توجيه ضربة عسكرية لسوريا، والذي سبقه تهديدات من البيت الأبيض إعتقد كثيرون وقتها أنها بمثابة إعلان حرب. لكن السيد الأمريكي خيّب وقتها آمال كثيرين كانوا يحلمون بضرب سوريا، غير عارفين أنّ سيدهم لم تعد يده مطلقة في المنطقة وأصبح يحسب ألف حساب قبل الإقدام على حماقة جديدة تودي به في مستنقع جديد.
وفي هذا السياق صرّح وقتها سفير الکيان الإسرائيلي السابق في أمريكا، مئير روزين”: إن الانسحاب الأمريكي من المسؤولية ومن العمل العسكري في سوريا، يدل على محدودية التأثير للولايات المتحدة في الشرق الأوسط”، مشيراً إلى أن “الرسالة التي وصلت إلى المنطقة والعالم، هي أن أمريكا لم تعد كما كانت في السابق، وهذه هي إشارة سيئة إلى ما يمكن أن يحدث هنا في المستقبل القريب”.
وأشار وقتها روزين في حديث للقناة السابعة الإسرائيلية، إلى أن “المهم في كل هذه المسألة، أن إيران ترى اليوم أن هناك فرقاً بين الأقوال التي تصدر عن واشنطن، وبين أفعالها”، وتابع أن “ما جرى هو انتصار كبير لسوريا وإيران وروسيا، خصوصاً أن الولايات المتحدة قامت بتركيز جهودها وعرض عضلاتها العسكرية بما يشمل المدمرات وحاملة الطائرات وأعلنت أنها في صدد تنفيذ إجراءات عقابية ضد الرئيس السوري بشار الأسد، بينما أنهت المسألة في الأخير بإعطاء انطباع بأن الأسد يمكن أن يستمر في حربه، وبالوسائل التقليدية، وأن الغرب لن يمانع ذلك”. وأكد روزين أن “الولايات المتحدة فقدت كل قدرة ردعها في الشرق الأوسط، أما لجهة طهران فهي إشارة إلى أن بإمكانها المضي قدماً في المشروع النووي، وكأن شيئاً لم يحدث”.
وكأنّ روزين كان يتنبأ وقتها بتوقيع الإتفاق النووي مع إيران، وآخرون في الكيان الإسرائيلي كانوا يراقبون الأوضاع بخوف على المستقبل كما صرّح العديد من قادته ومسؤوليه. وقال آرون ديفيد ميلر، مفاوض سابق في الشرق الأوسط وأحد العاملين في مركز ويلسون في واشنطن، إن خطاب نتنياهو في مجلس الشيوخ “صنع شقاقاً، وأفسح المجال لتوجيه درجة من الانتقادات لإسرائيل لم أرها من قبل خلال العمل في الوزارة الخارجية على مدار أكثر من ٢٠ عاماً ” . وأضاف: “لم أر العلاقات تتدهور بهذا الشكل من قبل. وهو دمار شديد، في رأيي “.
كما أشار جي جي غولدبيرغ، أحد أبرز المعلقين في الشؤون الخاصة بالكيان الإسرائيلي والجالية اليهودية: “يصعب إخفاء شك الدوائر الحكومية الإسرائيلية في إدارة أوباما، وبين حلفاء إسرائيل المقربين في الولايات المتحدة. وكان لهذا الشك والتحفز أثره، بشكل أحبط إدارة أوباما ومسانديها، وأثار غضبهم وإحساسهم بالإهانة بسبب ازدراء إسرائيل لهم “.
ومن جانبه وصف البروفيسور شاي فيلدمان، من مركز “كراون” لدراسات الشرق الأوسط بجامعة برانديس، السياسة الأمريكية بـ “بالمزدوجة” تجاه الكيان الإسرائيلي . وأشار فيلدمان: “استمرار الدعم العسكري الأمريكي لإسرائيل رغم الخلاف الكبير بين حكومتي البلدين يرجع لأن رؤية الرئيس أوباما لمصالح إسرائيل تختلف تماماً عن رؤية نتنياهو. فأوباما يهتم كثيراً بأمن وبقاء إسرائيل، وينعكس ذلك في دعم إسرائيل في الرأي العام الأمريكي، وفي مجلس الشيوخ “.
واستمرت التوترات بين إدارة الرئيس أوباما ورئيس حكومة الکيان الإسرائيلي نتنياهو إلى ان تمّ توقيع الإتفاق النووي مع إيران وهذا ما كان بمثابة تفجير للعلاقة بين الجانبين. فالعلاقات الأمريكية الإسرائيلية لم تعد كالسابق وهذا ما سيؤثر حتماً على الأوضاع السياسية في الداخل الامريكي والذي سيؤدي إلى خلاف بين الجمهوريين والديمقراطيين، فإن حقبة المساندة التلقائيّة من الحزبين لحكومة الكيان الإسرائيلي تقترب من نهايتها وربما تنتهي معها العلاقة المميزة مع أمريكا. ودعم كلا الحزبين هو في طور النهاية كذلك، فقد أمسى الديمقراطيون الذين كانوا أقوى مساندي الحكومة الإسرائيلية منتقدين لها، بينما أضحى الجمهوريون الهائمون بحميتهم الإنجيليّة، أكثر المناصرين حماسةً.
فأمريكا إلى تراجع ونظرة وتراجع ثقة حلفائها دليل على ذلك. هذا حال العلاقة مع الكيان الإسرائيلي، فأين السعودية من التأزم الحاصل في العلاقة بين أمريكا وحلفائها في ظل تمرد سعودي وخوف على المصير؟ العلاقة مع السعودية في القسم الثاني من “زمن الإنكسار الأمريكي، عندما تضيع الثقة”.
المصدر / الوقت
طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق