هل بدأ التصدع يسري في جسد “جيش الفتح” في إدلب؟
لم تغب الخلافات عن الجماعات المسلحة المنضوية تحت ما يسمى “جيش الفتح لتحرير إدلب” منذ الأيام الأولى لتشكيله، حيث أن التباينات والتناقضات الموجودة بين هذه الجماعات، جعلت مهمة توحيدها، أمراً في غاية الصعوبة، ونقلت تقارير صحفية أنه لولا تدخل تركيا المباشر، والتي ألقت بثقلها من أجل تحشيد وتوحيد الجماعات المسلحة بالتنسيق مع كل من السعودية وقطر، لما استطاع هذا “الكيان المسلح” أن يبصر النور.
أولى فصول الخلاف بين فصائل “جيش الفتح”، كانت حول تقاسم السيطرة على المراكز الحكومية في مدينة إدلب، فبالرغم من الاتفاق المبدئي بين الجماعات المسلحة على عدم تواجد أي منها داخل المدينة، وإيكال إدارة المدينة لشخصيات مدنية تابعة للجماعات المسلحة، وحصر دور الجماعات المسلحة بالإدارة الأمنية، إلا أن هذا الاتفاق لم يتم الالتزام به من قبل أي من الجماعات.
إدلب في ظل سيطرة جيش الفتح
وقد شهدت إدلب المدينة انتشاراً مكثفاً للمسلحين، الذين يتدخلون في شؤونها المختلفة، ويكررون اعتداءاتهم على المواطنين، ويقتحمون منازلهم ويحتجزونها بحجة أن أصحابها من “الشبيحة”. وقد وقعت عدة اشتباكات وخلافات بين فصائل “جيش الفتح” على خلفية المنازل التي استولوا عليها. وكانت منازل العائلات الشهيرة في المدينة من نصيب عائلات قادة المسلحين، كما اقتحم المهاجرون منازل أصحاب الأموال والسياسة، في ظل انتشار حالة الفوضى والفقر الشديد، وارتفاع وتيرة الاعتداءات والاعتقالات والإعدامات، وتعديات المسلحين على الأهالي وسرقة منازلهم باعتبارها “غنائم حرب”.
كما انتشرت ظاهرة الامنيين الذين يتجولون في تلك المناطق دونما حسيب او رقيب، وسط تنافس محموم بين الجماعات المسلحة للسيطرة على المراكز الهامة والحساسة في المنطقة، وانتشار ظاهرة الاغتيالات المنظمة والمبرمجة والتي تهدف إلى تصفية المسؤولين في الجماعات المسلحة من ذوي النفوذ والمكانة الاجتماعية الهامة والمؤثرة في المجتمع.
حيث كان آخر هذه الاغتيالات، قيام جماعة “جند الأقصى”، باغتيال مازن قسوم قائد “لواء سهام الحق” التابع “لفيلق الشام” المحسوب على الإخوان المسلمين، الأمر الذي أثار المزيد من اللغط والتشنجات بين فصائل “جيش الفتح”، وسط مطالبات من جبهة النصرة بالقصاص من “جند الأقصى”، الأمر الذي عزفت عنه جبهة النصرة بسبب المصالح التي تربطها معها.
اللاعبون الأساسيون في “جيش الفتح”
بالرغم من وجود جماعات مسلحة أخرى منضوية تحته كـ “صقور الشام” و “فيلق الشام” المحسوب على الإخوان المسلمين وغيرها، إلا أن اللاعبين الأساسيين في “جيش الفتح” يمكن حصرهم في ثلاث جماعات:
جبهة النصرة: الفرع السوري لتنظيم القاعدة، وتعتبر أكبر فصائل “جيش الفتح”، ولعبت دوراً هاماً في السيطرة على مدينة إدلب، وقد استطاعت هذه الجماعة الارهابية أن تفرض شروطها على الجهات الدولية الراعية لجيش الفتح، حيث اشترطت للدخول في معركة إدلب، تصفية “حركة حزم” في ريف حلب، والسيطرة على معقل “جبهة ثوار سوريا” في جبل الزاوية، بقيادة “جمال معروف”، وهو ما تم لها بالفعل. وبعد السيطرة على إدلب، كانت هناك جهود قطرية عبر قناة الجزيرة، لتعويم الجماعة الارهابية، في محاولة للتمهيد للاعتراف بها دولياً، وحذفها من على قوائم الارهاب.
حركة أحرار الشام: ويعتبر أقدم فصيل “جهادي” سوري، وبالرغم من ارتباطه بتنظيم القاعدة فكرياً وعقائدياً، إلا أنه لم يعلن البيعة لزعيم تنظيم القاعدة “أيمن الظواهري”، كما فعلت جبهة النصرة، وبدا جلياً في الآونة الأخيرة بوادر تطبيع العلاقات بينها وبين الغرب، حيث سجلت الحركة مؤخراً محاولتين للدخول على خط مخاطبة الرأي العام الغربي، عبر مقالين لـ “مسؤول العلاقات الخارجيّة” لبيب النحاس، نُشر أوّلهما في صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية في العاشر من الشهر الجاري، وثانيهما قبل أيّام في صحيفة “دايلي تلغراف” البريطانيّة، كما دعا السفير الأمريكي السابق في دمشق، روبرت فورد، بفتح قنوات اتصال مع الحركة واصفاً إياها “بالمتسامحة”، وخلافاً لجبهة النصرة، تربط أحرار الشام علاقة جيدة مع “الإئتلاف الوطني السوري”. ويبدو أن أحرار الشام يجري اعدادها للعب دور أكثر اتساقا مع الغرب.
جند الأقصى: وهو فصيل موالٍ لداعش، معظمه من “المهاجرين” الأجانب المتمرسين على القتال، ويعتبرون القوة الضاربة لجيش الفتح، حيث لعب “انغماسيّو جند الأقصى” دوراً محوريّاً في معارك السيطرة على إدلب، وأثبتوا أنّهم دعامة أساسية من دعامات “جيش الفتح”. انفصلت جند الأقصى عن جبهة النصرة في أيلول ٢٠١٣، وتحالفت مع حركة أحرار الشام، ثم عادت من جديد إلى أحضان النصرة، لكن دون أن تتخلى عن استقلاليتها.
وقد كان سبب انفصال جماعة جند الأقصى عن جبهة النصرة الارهابية، رفضها الحرب التي شنتها الأخيرة وحلفاؤها على تنظيم داعش الارهابي، حيث اختار مؤسس الجماعة “أبو عبدالعزيز القطري” مبدأ النأي بالنفس، لينفصل عن جبهة النصرة التي كان قد أسهم في تأسيسها وبرفقته نحو ١٠٠٠ مسلح من رافضي القتال، معظمهم من “المهاجرين”. ومنذ حادثة اغتيال القطري، والعثور على جثته في بئر، والتي اتُهم فيها جمال معروف قائد “جبهة ثوار سوريا”، بدأت الأخبار تشير بقوة إلى وجود “بيعة سرية” بينها وبين تنظيم داعش الارهابي، وتقول مصادر “جهادية” إن” ٦٠% من جند الأقصى مبايعون لداعش، و٣٠% يرون داعش إخوانا لهم ونصرتهم واجبة ضد التحالف، بينما ١٠% يقولون إن قتال داعش فتنة”.
داعش يعزز نفوذه في إدلب
حيث يدور الحديث عن مساع مبرمجة ومنسقة لجند الأقصى من أجل تعزيز نفوذ “داعش” في إدلب، وذلك من خلال دفع الأموال والرشاوى لبعض رجالات “جبهة النصرة”، وتصفية الشخصيات المحلية من ذوي التأثير والنفوذ والتي يمكن أن تقف حائلاً أمام حضور داعش في المنطقة، ويرى مراقبون أن عملية اغتيال مازن قسوم قائد “لواء سهام الحق”، تأتي في هذا السياق.
ويبدو أن هنالك خشية لدى جبهة النصرة من تكرار السيناريو الذي حصل في مدينة الرقة، حيث أن المسلحين المحسوبين على “النصرة” الذين انسحبوا منها غداة سيطرة داعش عليها، لم يتجاوزوا ٢٥٠ مسلحاً، بينما بايع أغلبية مسلحي النصرة الذين كانوا في الرقة “داعش”، ونقلوا ولائهم إليها.
إلا أن جبهة النصرة وزعيمها “أبو محمد الجولاني” تحرص بالرغم من كل ذلك، على كسب “جند الأقصى” إلى جانبها، والإفادة منها لتعزيز نفوذها في إدلب، لمواجهة تعاظم نفوذ أحرار الشام هناك، خاصة في ظل أزمة الثقة بين الجانبين على خلفية تقارب أحرار الشام مع الغرب.
اتهام وتخوين بين “جبهة النصرة” وأحرار الشام
فشلت جبهة النصرة في إبراز وجه ودود تجاه الغرب بالرغم من كل المحاولات الاقليمية، والمبادرات الاعلامية التي سوقت لها قناة الجزيرة لإظهار الجبهة الارهابية بمظهر الحركة التحررية المعتدلة، وجاءت المجزرة التي ارتكبتها النصرة في قرية قلب لوزة في إدلب والتي ذهب ضحيتها ٢٠ من المواطنين الدروز، لتعيق هذه المساعي، ولم يفلح الاعتذار الذي قدمته جبهة النصرة لتغيير الصورة الارهابية لها.
هنا بدأت المساعي الدولية من أجل تمكين حركة أحرار الشام للعب هذا الدور عوضاً عن النصرة، وهو الأمر الذي لم تستسغه جبهة النصرة لتبدأ بعدها حملات التخوين، خاصة بعد المقالين الذين نشرهما مسؤول العلاقات الخارجية لأحرار الشام، لبيب النحاس في الصحف الغربية، وفيما اقتصرت ردود الفعل التي أثارها المقال الأول على تعليقات عابرة امتدحت الخطوة، وأخرى انتقدتها عبر صفحات “الجهاديين” في مواقع التواصل الاجتماعي، فإنّ المقال الثاني أثار ردوداً من العيار الثقيل، بعد أن دخل على الخط المُنظّر “الجهادي” المعروف أبو قتادة الفلسطيني (عمر محمود عثمان)، وهو من أبرز المؤثرين على مسيرة جبهة النصرة، حيث هاجم النحاس، عبر حسابه على تويتر، معتبراً خطابَه “خطاباً فاشلاً لن يحقق لقيادة الأحرار مقاصدها، ولكن سيجعلها تعادي محيطها الإسلامي الداعم لها، وخاصة التيار الجهادي الذي هو عصب الحركة الجهادية بكل ألوانها وأطيافها.”
جبهة النصرة والانقسامات الداخلية
تتسم جبهة النصرة وفق ما تصفها جماعات مسلحة أخرى، بكثرة الرؤوس، وجاءت الخلافات حول الموقف من جماعة “جند الأقصى” و”أحرار الشام”، لتعزز من حالة الانقسام داخل الجبهة، ففي حين تتبنى بعض الشخصيات في “النصرة”، كالقيادي البارز “صالح الحموي”، المعروف بـ “أس الصراع”، موقفاً حاداً من ممارسات “جند الأقصى” وتطالب بمحاربتها، تقف شخصيات أخرى كـ “عبدالله المحيسني” (سعودي الجنسية)، والذي يعتبر شرعي جبهة النصرة، إلى جانب جند الأقصى.
وفي حين أعلن الحموي تأييده لمقال “لبيب النحاس”، وخطاب أحرار الشام المهادن للغرب، لجأ بعض قادة النصرة إلى تخوين حركة أحرار الشام، واتهامها بمعاداة محيطها الاسلامي.
وقد زاد من حدة الصراع بين أجنحة جبهة النصرة قرار “ابو محمد الجولاني”، طرد “أبومحمد الحموي”، من الجبهة والذي يعتبر المسؤول العسكري المباشر للجبهة، وتجميد “أبوماريا القحطاني”، والذي يعتبر الشخصية الثانية في النصرة بعد الجولاني، وتقول مصادر إن الحموي سوف يذهب باتجاه احرار الشام، وهو يتواصل معهم، عبر “حذيفة عبدالله عزام”، وينسق مع أبو ماريا القحطاني، لعدم ترك جبهة النصرة تحت سيطرة الجولاني.
تفتت جيش الفتح مسألة وقت
يرى مراقبون أن مسألة تفتت جيش الفتح، هي مسألة وقت ليس إلا، إذ أن الصراعات المحتدمة بين فصائله المختلفة، والصراعات داخل الفصائل نفسها، تنذر بانهيار هذا الحلف الذي أشرفت على تشكيله كل من تركيا وقطر والسعودية، حيث أن الاخفاقات المتوالية التي مني بها “جيش الفتح” في أكثر من معركة، سواء على جبهة القلمون، أو في سهل الغاب ومحطة زيزون الحرارية، واتهامات التخوين المتبادلة المرافقة لها، كانت كفيلة في توسيع الشرخ بين هذه الجماعات، ومن ناحية أخرى فإن الانسجام بين فصائل “جيش الفتح” يتوقف كثيراً على التوافق التركي السعودي القطري، والذي يبدو أنه بدأ يتغير مع المتغيرات الاقليمية الجديدة، بما فيها توقيع الاتفاق النووي الإيراني واللقاء الذي جمع رئيس مكتب الأمن القومي السوري، علي ملوك، مع ولي ولي العهد السعودي محمد بن سلمان.
المصدر / الوقت
طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق