حرب أنقرة ضد الأكراد وتداعياتها على الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي
تعود المساعي التركية للإنضمام إلى الاتحاد الأوروبي إلى قبل ٥٦ عاماً من الآن وتحديداً منذ العام ١٩٥٩، أي بعد عامين من تأسيس الاتحاد الأوروبي، الذي كان يسمى في ذلك الوقت بـ “المجموعة الاقتصادية الأوروبية”، أو “السوق الأوروبية المشتركة”، حيث قدمت تركيا طلب عضوية كاملة للاتحاد الأوروبي، إلا أن الانضمام لم يتم. وفي عام ١٩٦٣ تم توقيع اتفاقية شراكة بين أنقرة والسوق الأوروبية المشتركة كأساس للتفاوض بينهما لإتمام العضوية الكاملة لتركيا. وبعد مد وجزر في المفاوضات قامت تركيا بتقديم طلب انضمام بعضوية كاملة في عام ١٩٨٤، لكن المنظومة الأوروبية لم ترد على تركيا وأرجأت الطلب إلى التفاوض الكامل من أجل إيصال تركيا إلى وضع يؤهلها إلى أن تكون مرشحة للانضمام بعضوية كاملة.
وفي عام ١٩٩٩ تم قبول تركيا كمرشحة للانضمام للاتحاد الأوروبي ولكن المفاوضات بهذا الشأن لم تبدأ، وفي عام ٢٠٠٥ وبعد نشاط جاد من قبل حكومة حزب العدالة والتنمية في هذا المجال، قبل أعضاء الاتحاد الأوروبي بدء المفاوضات مع تركيا على أنها مرشحة للانضمام بشكل كامل للاتحاد، ولم يحدد سقف زمني لهذه المفاوضات، إلا أنه يمكن القول بأن تركيا أصبحت حينها أقرب من أي وقت مضى لنيل صفة “عضو دائم وكامل” داخل الاتحاد الأوروبي.
وخلال ١٣ عاماً من حكم حزب العدالة والتنمية، تمكنت تركيا من تحقيق تقدم اقتصادي كبير، يؤهلها لعضوية الاتحاد الأوروبي، واستطاعت تخطي أزمتها الاقتصادية وسداد ديونها، إلى جانب أنها سجلت نمواً اقتصادياً يتفوق على العديد من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوربي، وتمكنت من أن تحتل المرتبة ١٧ ضمن أقوى اقتصاديات العالم.
إلا أن هناك شروطا أخرى تفرضها الدول الأوروبية على تركيا لتكون مؤهلة للعضوية الكاملة في الاتحاد الأوروبي، وتتضمن المسائل المتعلقة بالحريات والصحافة، والسلم الأهلي، والديمقراطية وغيرها. وقد سبق لوزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي “فيديركا موغيريني” بأن صرحت في اعقاب قمع حكومة رجب طيب أردوغان، للمتظاهرين في حادثة “حديقة غزي” في منتصف العام ٢٠١٣، بأن الاقتصاد وحده لا يكفي للانضمام للاتحاد، وحذرت حينها من أن المداهمات تتعارض مع حرية الإعلام وتتناقض مع “القيم والمعايير الأوروبية التي تتطلع تركيا إلى أن تكون جزءاً منها”.
قضية الأكراد وتأثيرها على عضوية تركيا في الاتحاد الأوروبي
ومن الخطوات الإيجابية التي أقدمت عليها حكومة العدالة والتنمية، والتي أسهمت في تقريب تركيا من العضوية في الاتحاد الأوروبي، كانت عملية السلام التي أطلقتها الحكومة التركية مع الأكراد، والمفاوضات التي دارت بينها وبين حزب العمال الكردستاني بقيادة عبدالله أوجلان في سجنه، حيث أفضت المفاوضات إلى دعوة أوجلان لأتباعه من الانفصاليين الأكراد لإلقاء السلاح، وإنهاء النزاع المسلح مع أنقرة.
وقد تضمن “تقرير التقدم” الأوروبي السنوي لتقييم الأداء التركي والصادر في أكتوبر/تشرين الأول ٢٠١٤، مديحاً للجهود التركية في عملية السلام مع الأكراد. معتبراً إياها خطوة إيجابية على صعيد تسريع الإنضمام للاتحاد الأوروبي.
الحرب ضد الأكراد وخلط الأوراق
شكلت الحرب المفاجئة التي أعلنتها حكومة حزب العدالة والتنمية ضد الأكراد، العديد من علامات الاستفهام، حيث أنهت هذه الحرب فصولاً طويلة من مفاوضات السلام مع حزب العمال الكردستاني، ولم تكن ذريعة مقتل شرطيين تركيين على يد الحزب الكردي مقنعة لهذا التصعيد المفاجئ ضد الأكراد عموماً، حيث قامت الطائرات التركية بقصف مواقع حزب العمال في شمال العراق، كما قصفت مواقع للجان الحماية الكردية السورية في ريف كوباني في قرية زور مغار، في ظل حديث عن صفقة أمريكية تقضي بفتح قاعدة انجرليك التركية أمام طائرات التحالف، في مقابل بسط يد أردوغان ضد الأكراد.
وعلى صعيد الداخل الكردي، دعا الرئيس أردوغان البرلمان التركي لرفع الحصانة عن سياسيين أكراد، حتى تتسنى محاكمتهم، ويبدو أن الرئيس التركي يهدف من خلال هذه الخطوة، إلى الحد من قدرة ونفوذ حزب الشعوب الديمقراطي الذي دخل البرلمان للمرة الأولى بنسبة أصوات بلغت ١٣ بالمئة، حيث كان لفوزه الدور الأهم في حرمان حزب العدالة والتنمية من نسبة الأصوات التي تؤهله لتشكيل الحكومة منفرداً، مما تسبب في القضاء على طموحات اردوغان بتعديل الدستور وتحويل نظام الحكم من برلماني إلى جمهوري.
وهنا بدأت تظهر بعض الأصوات الأوروبية الداعية إلى الحفاظ على عملية السلام مع الأكراد، حيث ناشد الاتحاد الأوروبي عبر الممثلة السامية للسياسة الخارجية والأمن الأوروبي، “فيديريكا موغيريني” تركيا بضرورة الالتزام بعملية السلام، كما دعت المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل إلى الأمر نفسه.
النتيجة:
يبدو أن الفخ الأمريكي الذي استُدرجت إليه تركيا، عبر اعلانها المفاجئ الحرب على تنظيم داعش الارهابي وحزب العمال الكردستاني، قد جعل تركيا أبعد عن تحقيق الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، وهو الهدف الذي لطالما أعلنت أمريكا عبر حكوماتها المتعاقبة وخاصة في عهد الرئيس جورج دبليو بوش أو خلفه باراك أوباما، وقوفها إلى جانب تركيا من أجل تحقيقه.
والجدير بالذكر أن مفاوضات ضم تركيا إلى الاتحاد الأوروبي والتي بدأت في عام ٢٠٠٥، لم تفلح في فتح سوى ١٤ فصلا فقط (من أصل ٣٥ فصلا) للتفاوض، ولفتح أي فصل جديد، يلزم موافقة جميع الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، وهو أمر بالغ الصعوبة، في ظل خلافات تاريخية للدول الأوروبية مع تركيا، خاصة اليونان وقبرص، وهو ما تعيه تركيا جيداً، ولهذا فهي تعول على الدعم الأمريكي لتحقيق هذا الأمر.
ما نريد قوله هو إن أمريكا ومن خلال توريط تركيا في قضية الأكراد، إنما تدفع تركيا نحو سياسات توسع الهوة بينها وبين الانضمام للاتحاد الأوروبي، لتجد تركيا نفسها أكثر حاجة إلى الدعم الأمريكي في هذا المجال، وهو بالطبع ما لن تقدمه أمريكا دون ثمن.
المصدر / الوقت
طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق