التحديث الاخير بتاريخ|السبت, نوفمبر 23, 2024

لعبة المصالح: إقليم كردستان يبيع أكراد تركيا 

 حتى الأمس كان موقف أربيل “الغامض الخجول” من الأحداث الجارية بين حزب العمال الكردستاني والحكومة التركية، يتصف بالترقّب. لكنها خرجت عن صمتها في بيانٍ برائحة الإصطفاف التي اشتُمّت في تركيا، حيث طالب خلاله رئيس إقليم كردستان مسعود البارزاني حزب العمال الكردستاني إخراج قواعده من كردستان العراق ضمانة لسلامة المدنيين. فهل تركت حكومة إقليم كردستان أكراد تركيا في مصير مجهول وأين يُصنّف هذا الموقف في ظلّ الصراع القائم؟ هل قررّت أربيل أخذ تموضع جديد؟ وكيف ستؤثر التطورات على الحدود العراقية التركية في ظل موقف البارزاني على العلاقات بين الأطراف؟ وأين الحكومة العراقية من كل ما يجري؟ 

 

العلاقة التاريخية بين إقليم كردستان وتركيا تعود إلى سنوات وطّد فيها الجانبان الإرتباط حول العديد من القضايا الرئيسية أبرزها انفصال كردستان عن العراق، الملف الأمني والسياسي، ملف الطاقة، والعلاقات الاقتصادية بين أربيل وأنقرة. فالواضح أنّ أكراد تركيا لن يقفوا عثرةً في وجه المصالح الإستراتيجية بين تركيا وأربيل. 

 

فقد تسارعت الأحداث في الأسبوع الماضي، خاصةً بعد إعلان تركيا عن دخولها الحرب على جبهتي داعش وحزب العمال الكردستاني، ولكن الجميع يعلم أنّ داعش ليس في دائرة الإستهداف. وفي الوقت الذي كان فيه الطيران التركي يدك جبال قنديل شمالي العراق، بدأ الغرب يبدي شكوكاً بشأن هذه العملية. حتى أن بعض حلفاء تركيا في حلف شمال الأطلسي الذين أعربوا عن حق تركيا في الدفاع عن النفس، طالبوا بعدم تعريض محادثات السلام مع الأكراد للخطر. ويرى مراقبون في تركيا أن ما يحصل يمثل كابوساً للأتراك لن يؤدي إلا إلى المزيد من تأزيم الوضع وتوسيع جبهة الصراع في حدودها مع سوريا والعراق .

 

وقد قام حزب العمال الكردستاني يوم الاربعاء الماضي بتفجير خط انابيب الغاز الممتد من ايران الى تركيا بالاضافة الى خط انابيب النفط الممتد بين منطقة كردستان العراق وتركيا، وفيما قتل أكثر من ٢٥٠ مسلح من حزب العمال الكردستاني في الغارات التركية حسب التقارير الواردة، فإنّ التصعيد والتعقيد هو سيد الموقف في ظل التخبط التركي في المواجهة على جبهات ثلاث .

 

وكان أكراد العراق يراقبون الحركة الميدانية والسياسة وتطور الأحداث بين حكومة أردوغان وحزب العمال الكردستاني، حيث رأى البعض في البداية أنّ أربيل في موقفٍ محرج بين أن تدافع عن أكراد تركيا أو تحافظ على مصالحها مع حكومة أردوغان، فالخيار الثاني كان القرار .

 

فبيان أربيل الذي طالب بإخراج قواعد حزب العمال الكردستاني من اراضي الاقليم لتفادي وقوع ضحايا مدنيين في الغارات التي يشنها الجيش التركي ضد معاقله في شمال العراق، بعد مقتل سكان في قرية زاركلي شمال اربيل، أتى بعد تصريح أدلى به مسؤول كردي عراقي من العاصمة الأمريكية واشنطن وقال فيه إن الإقليم الكردي شبه المستقل في شمال العراق أصبح محاصراً بين نارين. وجاء في بيان رئيس اقليم كردستان مسعود بارزاني “يجب على قوات حزب العمال الكردستاني إبعاد ساحة الحرب عن اقليم كردستان لكي لايصبح المواطنون ضحايا هذه الحرب والصراع”. فقد رأى محللون أنّ موقف أربيل لا يمكن تفسيره إلا بسحب اليد والتغطية على قصف مواقع حزب العمال الكردستاني .

 

وقال المستشار الاعلامي في رئاسة الاقليم كفاح محمود ان “المسبب الرئيسي هو حزب العمال الكردستاني لانه لو لم تكن هناك قواعد له في داخل اراضي الاقليم فان تركيا لن تقصف المدنيين”. واوضح ان “رئاسة الاقليم تطالب حزب العمال باعادة هذه القوات”، وخاصة ان هناك اتفاقية امنية بين الحكومتين العراقية والتركية تعطي الترخيص لتركيا بالتوغل داخل الاراضي العراقية وهذه الاتفاقية مازالت سارية المفعول. “لهذا نحن نطالب حزب العمال باخراج قواعده من اراضي الاقليم لانه يعطي المبررات للحكومة التركية للقيام بهذا القصف”. ووقعت انقرة وبغداد اتفاقاً في عهد الرئيس العراقي السابق صدام حسين يسمح للطرفين بملاحقة المتمردين الاكراد حتى مسافة ١٥ كيلومترا من على جانبي الحدود .

 

فهل أنّ تركيا قد ضغطت على أربيل للطلب من حزب العمال الكردستاني أم أنّه نأيٌ بالنفس عن الصراع للحفاظ على المصالح مع تركيا، وعدم دفع ثمن غير محسوب مقابل دعم تنظيم كردي انفصالي لا يبدو ان جهة اقليمية او دولية يمكن ان تدعمه بل إن اغلب الدول وحتى القوى الدولية الكبرى تعتبره تنظيماً ارهابياً وتدعم انقرة في حربها عليه. فأربيل تقيسها بميزان المصالح بالرغم من تبرير أكراد العراق موقفهم بخوفهم على استقرار اقليمهم.  

 

من جانبها قالت أمريکا إنها تدعم الغارات ضد حزب العمال الكردستاني الذي تصفه بأنه جماعة إرهابية حتى وإن لجأت إلى قوات كردية في العراق وسوريا لتكون حليفة مقربة لها في الحرب على داعش. وفي زيارة لاربيل الأسبوع الماضي وصف وزير الدفاع الأمريكي اشتون كارتر قوات الأمن في المنطقة الكردية والتي تعرف باسم البشمركة بأنها نموذج للقوة المطلوبة لهزيمة تنظيم داعش .

 

وقال مسؤول دائرة العلاقات الخارجية في حكومة إقليم كردستان العراق فلاح مصطفى بكر، إن الإقليم يعاني تداعيات الغارات الجوية التركية على معسكرات حزب العمال الكردستاني في شمال العراق، داعيا الطرفين إلى العودة لوقف إطلاق النار. وحرص بكر على ألا ينتقد تركيا صراحة رغم إدانة وجهتها الحكومة العراقية الأسبوع الماضي للهجوم التركي على مقاتلي حزب العمال الكردستاني في شمال العراق إذ وصفته بأنه “اعتداء على السيادة العراقية”. فهو يعلم أنّ العلاقة مع تركيا محكومة لإرتباطات أمنية وإقتصادية حيث تبلغ التجارة التركية مع كردستان العراق حوالي ٧٠% من مجموع تجارتها مع العراق. كما أن الاستثمارات التركية بالإقليم تبلغ حوالي ١٢ مليار دولار، إضافة لبدء أنقرة مؤخرا تصدير نفط شمال العراق .

 

إقليم كردستان العراق إعتبر أنّ حزب العمال الكردستاني ورقةً خاسرةً في ظل اللعبة الجديدة في المنطقة ولن يغامر فيها. فمستقبل أربيل يدعو أكرادها للضحية بأبناء جلدتهم من أجل الإبقاء على الرضا والتعاون مع تركيا. فماذا سيكون ردّ حزب العمال الكردستاني وماذا سيكون ثمن ذلك في داخل الإقليم؟  

المصدر / الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق