التحديث الاخير بتاريخ|الإثنين, ديسمبر 23, 2024

لماذا رحّب العالم بالإتفاق النووي ورفضته السعودية والكيان الإسرائيلي؟ 

الإتفاق النووي الذي وقعته إيران مع السداسية الدولية قبل أسابیع، سَرّ جميع دول العالم ما عدا الكيان الإسرائيلي والنظام السعودي، وأصبح المجتمع الدولي بغض النظر عن الرياض وتل أبيب، يؤكد على أن هذا الإتفاق أبعد شبح الحرب عن المنطقة، معتبراً ایاه یشکل عاملاً مهماً لترسيخ الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط، بعد أن عبثت الجماعات الإرهابية فساداً في هذه المنطقة. فمعارضة تل أبيب والرياض، رغم الاجماع الدولي علی تايید الإتفاق يطرح العديد من التساؤلات، حول أسباب تخوف السعودية والكيان الإسرائيلي إزاء هذا الإتفاق، فما الذي يفسر ذلك القلق؟ 

 

ما ظهر للعلن حول أسباب معارضة السعودية والكيان الإسرائيلي، إزاء الإتفاق النووي، علی أنهما يزعمان زوراً وبهتاناً أن هذا الإتفاق لم يقض علی طموحات إيران للوصول الی “السلاح النووي” حسب زعمهما، فهو السبب الرئیسي لرفضهما الإتفاق، لكن هذا ليس سبب تخوفهما الرئیسي كما یزعمان، والأسباب تكمن في أشياء أخری حسب إعتقاد الكثیر من المتابعین. ومن المفترض إن كانت محاولات إيران للوصول الی السلالح النووي ـ طبعا حسب ما تدعي تل أبیب والریاض ـ هي التي تثیر مخاوفهم تجاه الإتفاق النووي، فانه من المفترض أن يقتنعا كما اقتنعت واشنطن أن الإتفاق سيبدد جميع مساعي إيران المحتملة بالتحرك تجاه الاغراض العسكرية، حیث کان ذلك السبب الرئیسي وراء توقیع الإتفاق من قبل واشنطن. 

 

لان إيران وفقا لهذا الإتفاق فقد وافقت علی تفتيش منشآتها النووية، وخفضت أجهزة الطرد المركزي من حوالي ٢٠ ألف جهاز الی أقل من ٦ آلاف جهاز، وكذلك قللت كمياتها من الیورانيوم، بالاضافة الی أن طهران وافقت بناء علی هذا الإتفاق أن تخفض نسبة تخصيب الیورانيوم من ٢٠ في المئة الی نسبة لا تتجاوز الـ ٣.٧ في المئة، بعد أن تمكنت من تخصيب الیورانيوم بنسبة تفوق الـ ٢٠ في المئة.  

 

إذن جميع هذه المؤشرات تدل علی أن الإتفاق النووي سيكون حاجزا أساسيا أمام اي تحرك إيراني باتجاه الأغراض العسكرية، وستبقی نشاطات إيران سلمية مئة في المئة، وبناء علی هذا فان إدعاءات السعودية والكيان الإسرائيلي التي تتهم إيران بالسعي للوصول الی السلاح النووي، تصبح مكشوفة بانها إدعاءات كاذبة لا أساس لها من الصحة. فلذا علینا أن نبحث عن أسباب اخری تجاه مخاوف الرياض وتل أبيب. 

 

 

حيث هنالك من يقول إن الكيان الإسرائيلي والسعودية يخشيان من أن تتحسن مكانة إيران الاقتصادية في المجتمع الدولي، مما سيؤدي ذلك الی تفعيل قدرات إيران الإقتصادية الهائلة التي ظلت لما قبل الإتفاق غير مفعلة بسبب الضغوطات الدولية، حيث ستمكّن هذه القدرات إيران من أن تلعب دوراً رئيسياً في المعادلات الدولية والاقليمية خاصة في المجال الإقتصادي. وهذا بالطبع غير مقبول من قبل تل أبيب والرياض اللتين رسمتا مصالحهما خلافا لتطلعات إيران. حيث أن السعودية والكيان الإسرائيلي يعتبران، نجاح إيران، خسارة وخسارته نجاحاً لهما. 

  

ومن يتابع الإعلام السعودي يستطيع معرفة قلق السعودية إزاء الإستثمارات الأجنبية التي ستدخل إيران بعد التصديق نهائيا علی الإتفاق النووي. حيث نشرت الشرق الاوسط علی سبيل المثال تقريرا لها في الـ ٣١ من يوليو الماضي تحت عنوان «خطر انهيار الاتفاق النووي يثير مخاوف المستثمرين الأجانب»، حاولت من خلاله رسم صورة سوداء حول مستقبل الإستثمارات في إيران لتخويف الشركات الأجنبية من دخول السوق الإيرانية. وتقول في جانب من هذا المقال البعيد عن الموضوعية: «وفي مسح أجرته «الشرق الأوسط» لعدد من الشركات العالمية التي قد تدخل إلى السوق الإيرانية بعد رفع العقوبات، كانت نبرة القلق حيال انهيار الاتفاق هي المسيطرة لدى الغالبية العظمى وما قد ينتج عنه من خسائر فادحة لتلك الشركات جراء عودة العقوبات إلى ما كانت علیه». 

 

وأما حول مخاوف الكيان الإسرائيلي إزاء الإتفاق النووي الذي وصفه نتانياهو بانه “خطأ تاريخي”، فان ما تبحث عنه تل أبيب يتمثل في تدمير برنامج طهران النووي بالكامل، عبر توجيه ضربة عسكرية له، ليس تخوفا فقط من أن الإتفاق سيفتح الباب أما إيران لتكون قوة إقتصادية في المنطقة فحسب، بل أنه باعتقاد تل أبيب فان هذا الإتفاق سيكون عاملا لتطور ونمو إيران في المجال النووي السلمي، بدءاً من توليد الكهرباء وتحلية المياه واستخدام التقنية النووية في الزراعة والطب وصولا الی معرفة الظواهر الطبيعية منها في الجو والارض والماء. وذلك كما توصلت إلیه الدول الرائدة في المجال النووي. حيث إزدادت مخاوف الكيان الإسرائيلي تجاه الإتفاق النووي بعد أن عرف أن تهديداته العسكرية لا يمكن أن تقضي علی البرنامج النووي الايراني، وفق ما أكده «عاموس يادلين»، المدير السابق لجهاز الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، والعديد من القيادات الإستخباراتية والعسكرية الإسرائيلية. 

 

وختاماً یصبح من الواضح أن مخاوف الكیان الإسرائیلي والسعودیة حیال الإتفاق النووي، تنجم عن قلقهم من أن تصبح إیران دولة رائدة في جمیع المجالات الإقتصادیة والعلمیة ومؤثرة في المعادلات السیاسیة الإقلیمیة والدولیة، وأن صریخهم الذي ملأ العالم، بأنهم یخافون من أن تمتلك إیران “السلاح النووي”، فهو أبعد ما یكون عن الحقیقة. 

المصدر / الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق