التحديث الاخير بتاريخ|الخميس, ديسمبر 26, 2024

الطرح التركي الأمريكي لعمليات جوية مشتركة… هاجس تركي ومخطط أمريكي 

يثير الطرح التركي الأمريكي حول شن عمليات جوية مشتركة على جماعات التكفير في سوريا مجموعة من الأسئلة التي تصب كلها في خانة الأهداف والنتائج المترتبة على ذلك، فالشكوك حول جدية الأهداف المعلنة مردها إلى أن كلاً من تركيا وأمريكا من مهيئي الأرضية وصانعي هذه الجماعات بالدرجة الأولى والداعمين لهم والمستفيدين من وجودهم بالدرجة الثانية، ولذلك تذهب التحليلات حيال أي قرار أمريكي تركي بشأن هذه الجماعات إلى الأهداف الحقيقية وتميزها عن المعلنة منها. 

ولفهم طبيعة الأهداف لا بد من فهم رؤية أمريكا في المنطقة من جهة وتوزع المصالح بينها وبين شركائها في المنطقة من جهة ثانية، فأمريكا تنتهج في سياستها المخططات طويلة الأمد وهو ما تثبته وقائع الأحداث، فيما مخططها لمنطقتنا واضح لا يحتاج إلى كثير من التحليل والإستنتاج، أنه بخلاصة مشروع تقسيمي يسهل عليها نهب ثروات الشعوب بالدرجة الأولى وحماية الكيان الإسرائيلي بالدرجة الأولى والثانية. أما تركيا فيرتكز جوهر مطامعها بخصوص المسئلة السورية ببناء منطقة عازلة من جهة والقضاء على مشروع كردي قوي من جهة ثانية، هذا إلى تحسين صورتها أمام المجتمع الدولي كمحاربة للفكر الإرهابي.

 

تركيا وهاجس الملف الكردي

الطرح التركي للمشاركة مع أمريكا بالعمليات الجوية على جماعات التكفير يأتي وبحسب تصريح المسؤولين الأتراك بهدف إنشاء منطقة عازلة شمال سوريا بالإضافة إلى منطقة حظر جوي، هذا الهدف المعلن هو في حقيقة الأمر هدف واقعي إلا أن جوهر القضية لا يكمن فيه، فبعد التورط التركي بالملف السوري لأكثر من أربعة أعوام من خلال دعمها جماعات التكفير هناك ترى تركيا أن مليوني نازح دخلوا أراضيها خلال هذه الفترة وأقاموا في القسم الكردي منها ومع وجود نفور شعبي تركي جراء السياسة الأردوغانية من جهة وتمكن أكراد سوريا من الوقوف بوجه مخططات الجماعات التكفيرية من جهة ثانية، ومع وجود حزب الشعوب الديمقراطي التركي المعارض لسياسة أردوغان وحزبه من جهة ثالثة، عوامل مجتمعة أوجدت تخوفا اردوغانيا من احتمالية نمو المعارضة بوجهه بشكل اكبر نتيجة سياساته الخاطئة وازدياد القوة الكردية الطامحة لبناء مشروع قوي لها. 

ويضاف إلى ذلك التخوف الاردوغاني من استفادة أمريكا من هذه الورقة لتحريكها مستقبلاً بوجه تركيا حال ازداد الوضع سوءا لصالحها في المنطقة، لذلك يرى أردوغان وحزبه أن المشاركة مع أمريكا بضربات جوية داخل سوريا فضلا عن العراق هي فرصة للقضاء على قوة كردية قد تتمثل بحزب العمال الكردستاني وبالتالي القضاء على مشروع الأكراد وإنهائه نهائيا، فتشيكل قوة كردية داخل سوريا بوجه التكفير من جهة وقوة كردية داخل تركيا من جهة أخرى ونمو المعارضة التركية المتمثلة بحزب الشعوب الديمقراطي يثير المخاوف الأردوغانية.

 

المطامع الأمريكية التقسيمية

مخطط أمريكا الأول والأخير لمنطقتنا يتمثل بتقسيمها لنهب خيراتها وحماية الكيان الإسرائيلي، وهي في هذا السبيل أوجدت جماعات تكفيرية في منطقتنا مستفيدة من روح التحريض والكراهية التي عملت على بثها وتغذيتها، فأمريكا في واقع الأمر لا تنظر في مشروعها لمنطقتنا لا لهذه الجماعات التكفيرية كداعش والنصرة ولا للحكومات التي تمثل عمدة محور المقاومة والممانعة كسوريا، بل تستفيد من هذه الجماعات لإحداث خطوط ومحاور منفصلة عن الدولة إلا أن هذه الخطوط التقسيمية لا بد بحسب الرؤية الأمريكية أن تكون تحت إشرافها، ولذلك فهي تعمل على الحد من توسع هذه الجماعات في أماكن وتسهل تمددها في أماكن أخرى وفق الرؤية التقسيمية الأمريكية.

امريكا ايضا وفي مخطط تمهيد الأرضية مستقبلا لإضعاف هذه الجماعات في حال حققت وظيفتها بإضعاف الدولة من جهة، وعدم اعطاء الجماعات القوة الكافية التي تمكنها من اسقاط الدولة بشكل متسارع قبل تحقيق المخطط التقسيمي من جهة أخرى،  تعمل في سبيل إنشاء هذه الأرضية على تنويع وتعدد الجماعات التكفيرية من داعش والنصرة وفتح الإسلام وإلى ما هنالك من جماعات تتصارع مع بعضها البعض على مشروع فارغ المحتوى بالنسبة لهم.

العامل الإضافي أيضا من مخطط امريكا للتدخل لضرب التكفير بحسب ما تدعيه يتمثل بتشكيل عامل ضغط اضافي على الدولة السورية في رسالة إلى أن أمريكا من الممكن أن تتدخل بشكل فعلي على ضرب الدولة السورية في المستقبل حال اقتضى الأمر. وبالتالي كل هذه الأسباب التي دفعت امريكا في السابق لإعلان حلفها ودخول تركيا على خط المشروع، كله يصب في أهداف تدميرية للمنطقة وخنق حريات الشعوب.

 

مخطط فاشل… وانقلاب السحر على الساحر

روسيا ومنذ بداية الحرب على سوريا كما ايران وضعت الحلول لهذه الأزمة في إطار ضرورة وضع حد لدعم جماعات التكفير أولا، ودعم خيارات الحل السياسي المتمثلة بإرادة الشعب السوري وحكومته ثانيا، ومخطط أمريكا لتفكيك المنطقة والهادف لحماية الكيان الإسرائيلي ونهب الخيرات فاشل بالكامل، فإذا كان التفتيت والتفكيك للمنطقة لنهب الخيرات وحماية الكيان يتمثل بإضعاف إرادة الشعوب فإن واقع الحال يشير إلى أن محور المقاومة والممانعة وحركات التحرر اليوم على درجة عالية من التماسك والترابط والإنسجام أكثر من أي وقت مضى. والتفكيك لم يصب حتى الان ولن يصيب إلا الحكومات المهترئة التي كانت أمريكا تعتبرها أداتها في المنطقة لتمرير مشاريعها، إذن اوراق القوة الأمريكية في المنطقة بدأت تنفذ ليحل مكانها قوة شعبية متعاظمة.

المصدر / الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق