لماذا يسارع تنظيم (داعش) الإرهابي إلى إعدام أسراه؟
منذ ظهور تنظيم (داعش) الإرهابي على الساحة اعتدنا أن نرى صوراً وافلام فيديو عن الجرائم التي يرتكبها عناصر هذا التنظيم في العديد من دول المنطقة وفي مقدمتها سوريا والعراق والتي تظهر مدى وحشيتهم وهمجيتهم وانتهاكهم للقوانين والأعراف الدولية والقيم الإنسانية إلى درجة تفوق التصور؛ بل أحياناً لاتخطر على بال أحد.
ومن هذه المشاهد المؤلمة والمخزية في نفس الوقت قيام إرهابيي (داعش) بقتل الأسرى الذين يقعون في قبضتهم إما بفصل رؤوسهم عن أبدانهم أو حرقهم أو اعدامهم بالرصاص بشكل جماعي ومن ثم التمثيل بأجسادهم وغيرها من الأساليب والطرق الوحشية التي لا تتسع هذه السطور لاستعراض الشواهد عليها، بل يعف القلم عن ذكرها لبشاعتها وهمجيتها.
وهناك تساؤل مشروع يتبادر إلى الذهن عن السبب الذي يدعو عناصر (داعش) إلى ارتكاب هذه الجرائم بهذه الطرق البربرية بحق الأسرى؟!
قد يظن البعض في الوهلة الأولى ان هذا التصرف ناجم فقط عن المشاعر الوحشية التي تقطن نفوس هؤلاء الإرهابيين التي تتلذذ بالقتل والذبح وترويع الناس بأساليب إجرامية دنيئة لإشباع رغباتها المريضة.
وهناك من يعتقد ان نشر (داعش) لافلام وصور القتل التي يرتكبها عناصره تهدف إلى بث الرعب في نفوس الآخرين وبالذات خصومه من أجل تحقيق انتصارات ميدانية بأقل الخسائر كما حصل في مدينة الرمادي العراقية التي إحتلها هذا التنظيم الإرهابي دون قتال وبتواطئ أمريكي.
وثمة من يرى ان (داعش) لا يُبقي الاشخاص الذين يقعون بيده على قيد الحياة ولا يولي أهمية لقضية تبادلهم مع أسراه لأن ذلك يتطلب منه الاستغناء عن بعض عناصره من أجل مراقبة هؤلاء الأسرى في أماكن محددة وتخصيص أموال لإعداد غذاء وربما دواء لهم، وهذا السلوك الانساني لا معنى ولا وجود له في قاموس هذا التنظيم الإرهابي.
إذن لم يبق أمام المراقب تفسير آخر لهذا التصرف الهمجي الذي دأب عليه (داعش) سوى الرغبة بالانتقام من هؤلاء الأسرى بأسرع وقت من أجل التفرغ لارتكاب المزيد من الجرائم في إطار مخطط إرهابي يهدف إلى تدمير كل شيء دون تفريق بين بشر وحجر لتحقيق مآرب لا علاقة لها بالدين أو أي مشروع انساني حضاري لامن قريب ولا من بعيد.
والسؤال الآخر الذي يطرح نفسه في هذا المجال هو: أين دور المنظمات الدولية لاسيما منظمات الدفاع عن حقوق الانسان وتلك المعنية بمراقبة تطبيق قوانين الحروب وبنود اتفاقية جنيف بشأن الأسرى والتي تؤكد جميعها على وجوب التعامل معهم معاملة إنسانية في جميع الأوقات، وتحظر أن يُقترف بحقهم أي فعل أو إهمال يتسبب بموت أحدهم أو يعرضه لتشويه بدني وما شابه ذلك.
الاجابة عن هذا التساؤل لاتحتاج إلى كثير عناءٍ خصوصاً إذاما عرفنا ان المنظمات الدولية وعلى رأسها الامم المتحدة المعني الأول بمتابعة تطبيق بنود لائحة حقوق الانسان المنبثقة عنها لم تعد ومنذ زمن بعيد سوى أداة طيِّعة بيد القوى الاستكبارية والسلطوية في العالم وفي مقدمتها أمريكا التي إعترف الكثير من مسؤوليها ومن بينهم وزيرة الخارجية السابقة (هيلاري كلينتون) بأن بلادهم هي التي أسست تنظيم (داعش) الإرهابي لتحقيق أغراضها في تمزيق أوصال المنطقة والتحكم بمقدراتها في إطار مشروع ما يسمى الشرق الاوسط الجديد أو الكبير الذي دعت له واشنطن بعد غزوها للعراق مباشرة عام ٢٠٠٣ بحجة محاربة الإرهاب.
وهنا لابد من الاشارة إلى أن اعدام الطيار الاردني (معاذ الكساسبة) حرقاً على يد تنظيم (داعش) الإرهابي قد تمَّ بضوءٍ أخضر أمريكي، وهو ما أكده والد وشقيق الكساسبة حينما كشفا النقاب عن رفض واشنطن لاطلاق سراح (ساجدة الريشاوي) التي كانت معتقلة لدى الحكومة الاردنية بتهمة الإرهاب مقابل اطلاق سراح الكساسبة بحجة أن الأخير لم يكن أسير حرب كي يتم اطلاق سراحه مقابل تقديم تنازلات للإرهابيين.
واخيراً لابد من القول إن اعدام تنظيم (داعش) الإرهابي للأسرى الذي يتم في كل مرة على مرأى ومسمع العالم أجمع ما كان ليحصل أو يستمر لولا الضوء الأخضر الأمريكي، ولولا سكوت المنظمات الدولية وفي مقدمتها الأمم المتحدة ومجلس حقوق الانسان التابع لها، وهذا غيض من فيض من تنصل هذه المنظمات عن مسؤولياتها الحقوقية والقانونية والتي أوصلت العالم إلى هذا المستوى من الانحدار في القيم والأخلاق بسبب نظرتها القاصرة لكرامة الانسان وتقصيرها الواضح في أداء هذه المسؤوليات ومن بينها الدفاع عن حقوق الأسرى الذين تقتلهم (داعش) بدم بارد بين الحين والآخر وبأساليب همجية أقل ما يقال عنها إنها لاتليق بالقرون الوسطى وليس الألفية الثالثة التي تتطلع فيها البشرية الى العيش بأمن واستقرار وحرية وكرامة تتناسب مع طموحاتها بعد كل هذا العناء الطويل الذي كلفها ما لايعد ولايحصى من دمائها ووقتها وثرواتها عبر تاريخها المديد.
المصدر / الوقت
طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق