سلطنة عمان ومصر: دور مركزي لحل أزمات المنطقة
إنّ مشهد الأوضاع الإقليمية والدولية المعقّد يُظهر مدى صعوبة إختراق جدار الأزمات لإيجاد الحلول للقضايا والملفات في المنطقة. ففي ظل صراعٍ حادٍ لا يُبشّر إلا بالتصعيد والتقاتل وتنامي الإرهاب، يأتي الدور العماني – المصري للسعي إلى بناء جسور من التواصل وتقديم طروحات لنقاش ومقاربة القضايا والخلافات من خلال التوازن في المواقف وعدم تبنّي السياسات المتطرفة. فكيف يُنظر إلى دور مسقط والقاهرة الإقليمي؟ وهل يسعى الجانبان إلى تقديم ورقة طروحات لحلول منشودة خاصةً أنّ مسقط لا تتحرك سياسياً في الفراغ؟ وفي أي إطار توضع زيارة وزير الخارجية العماني يوسف بن علوي إلى القاهرة؟
ثمّة من يقول أنّ كل حراك سياسي تكون خلفه سلطنة عمان لن ينتهي إلا بوساطة لحل أزمة أو تقريب وجهات نظر. فكلمة “الوسيط” صفة متعلقة بالدور العماني الذي يمتاز عن غيره من الدول بمحددات للسياسة الخارجية لا تكاد تتوافر في غيرها من دول الإقليم الخليجي، وفي مقدمتها تبني منهجية التوازن والحياد في التعاطي مع أزمات وخلافات المنطقة وما حولها،على نحو جعلها موضع ثقة أطرافها جميعا وفي اللحظة المناسبة يدقون أبوابها لتلعب دور الوسيط وتقوم بالمساعي الحميدة، التي من شأنها أن تفضي إلى الإسهام في بلورة الحلول المطلوبة لها. فالدور العماني رقم أساسي في المعادلات الإقليمية والدولية وهي ذات ثقل دبلوماسي ذي طبيعة هادئة.
فإذا عدنا قليلاً في الزمن، نذكر محطات عديدة كان فيها لمسقط دور بارز ومهم في حلّ العديد من الملفات والإسهام في تقديم طروحات للحلول ليس على الصعيد الإقليمي فحسب، وإنما على الصعيد الدولي أيضاً ممّا يجعلها تستقطب دول العالم من خلال دورها المحوري الوسيط. كما أنها تتمتع بمكون جغرافي وعمق تاريخي مختلف عن أغلب دول المنطقة مما جعلها دولة متماسكة ومستقرة على مدى العقود الأربع المنصرمة. إلى جانب ذلك فإن حكومة السلطنة تنحاز دوما إلى خيار البقاء خارج دائرة الضوء عندما التعامل مع الأحداث والأزمات والقضايا المشتعلة وتفضيل خيار العمل من داخل الكواليس.
من جانب آخر فإنّ الجمهورية العربية المصرية بالرغم من الأوضاع الأمنية والسياسية الصعبة التي تعيشها، تحاول أن يكون دورها مساعداً لتقديم وجهات نظر تقريبية بعيداً عن الإصطفافات والتحريض، وهي تتشارك وسلطنة عمان بالعديد من المواقف المتميزة عن باقي دول المنطقة المتطرفة في مواقفها كالسعودية وقطر. وعلى الصعيد الخليجي فإن موقف عُمان ثابت من الجميع بالنأي بنفسها عن الخلافات الخليجية المعقدة وهو ما ظهر في امتناعها عن سحب سفيرها من الدوحة أسوة بباقي دول الخليج التي تكتلت أمام قطر في فترة سابقة، وقد سعت بشكل جدي لتقريب وجهات النظر بين الفرقاء، هذه المواقف الحيادية تغضب بعض الدول أحيانًا التي تحاول بسط النفوذ إقليميًا كالسعودية، وذلك أدى إلى تعرض عمان لعدة ضغوطات لمحاولة تغيير مواقفها شبه الثابتة.
وفي هذا السياق تعتبر زيارة وزير الخارجية العمانية يوسف بن علوي الى القاهرة و لقائه مع مسؤولي مصر من أهم الزيارات التي قامت بها السلطات العمانية سياسياً و استراتيجياً و التي ناقش فيها آخر التطورات في دول المنطقه منها اليمن و سوريا ودور ايران الاقليمي في ظل ما تشهده المنطقة من عدم استقرار وتفاقم خطر التنظيمات المتطرفة. وكان تعزيز التعاون الثنائي بين البلدين وتطورات الأوضاع في المنطقة، أهم محاوراللقاء. وأكد الوزير العماني على أن الأطراف اليمنية في الرياض وصنعاء باتت تؤمن بأن حل الأزمة يقوم على تحقيق الوفاق السياسي وهو ما تعمل عليه بلاده من خلال التشاور مع الأطراف الإقليمية والدولية. وكذلك قالت معلومات إنّ الأزمة السورية على جدول أعمال الثنائي الذي أيّد المضي في الحراك التي تقوم به السلطنة للوصول إلى أفقٍ إيجابي حول الملفات العالقة في المنطقة. فالدور العماني كان له الأثر المهم في الإتفاق النووي الإيراني ولأحداث في الجزائر واليمن وغيرها من القضايا.
فالتوافق في الرؤى بين القاهرة ومسقط حول ضرورة التوصل لحلول سياسية لازمات العالم العربي، يؤكد على الدور الهام الذي يمكن أن يلعبه هذا الثنائي في ضرب الإرهاب بالرغم من التباين حول المشاركة في القوة العسكرية العربية، فالوزير العماني قال إن دستور بلاده يمنع الانضمام إليها، فيما أكد الوزير المصري على أهميتها للدفاع عن المصلحة العربية المشتركة.
والحاجة أصبحت ملحة لمواجهة أصوات التطرف وتحريض المسلمين على بعضهم كما تفعل السعودية وغيرها من المتآمرين على الأمة، حيث تعكس العلاقات المصرية ـ العمانية قدراً مهم من التفاهم والتنسيق المشترك والتعاون إزاء مختلف القضايا والإقليمية والدولية، وتستمد هذه العلاقات قوتها من تعدد جوانب التعاون بين البلدين الشقيقين وتشعبها. وتمثل العلاقات المصرية العمانية محور ارتكاز هام علي الساحة العربية ، كما يعوّل على هذا الدور من أجل وضع أطر تدفع بإتجاه تفكيك الملفات وعدم تعقيدها. ففي ظل التشابك والتعارض في الأولويات والمصالح بين دول المنطقة والعالم هل ستلاقي هذه الجهود الطريق إلى الحلول ومكافحة الإرهاب؟ .
المصدر / الوقت
طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق