مصيرنا واحد فلماذا قرارنا غير موحّد؟
الأحداث الألیمة التي تعاني منها المنطقة إثر نشاطات الجماعات الإرهابية التي صارت تستهدف الجميع دون إستثناء، باتت تحتّم علی جميع دول المنطقة، بدء صيغة جديدة من التعاون المشترك فيما بينها، لانقاذ شعوب دولنا في هذه البقعة من العالم. حيث أن الجماعات الإرهابية التي سلكت سبيل سفك دماء المسلمين في العراق وسوريا والسعودية والكويت وغيرها من دول المنطقة، من المفترض أن تجعل دولنا أكثر شعوراً بضرورة الوحدة والتعاون المشترك فيما بينها، وتأسیس ائتلاف اسلامي موحّد لمواجهة العنف والتطرف في المنطقة. فیا تری ما هي الأسباب التي تمنع تشكيل مثل هذا الائتلاف بالرغم من حاجة شعوب المنطقة الماسة إلیه، نظراً لما یوحّدها من حضارة وديانة ومصير مشترك؟
وخلال العقود الثلاثة الماضية شهدت المنطقة حروبا عديدة وأعمال عنف لامثيل لها في العصر الحديث، راح ضحيتها الملايين من أبناء المنطقة لا لذنب يذكر، سوی أنهم يسكنون في هذه المنطقة المضطربة دائما من العالم، بسبب خلافات قياداتها المتشابکة مع بعضها البعض. ويستمر هذا الصراع بين زعماء وقادة دول منطقتنا رغم أن شعوب هذه المنطقة متحابون منذ آلاف السنين، خاصة بعد دخول الإسلام الی المنطقة وتوحيد ديانتها.
السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو، لماذا دائما تفكر بعض قيادات دول هذه المنطقة بالتصارع ضد بعضها البعض، دون أن تفكر يوما ببناء تحالف إستراتيجي مع بعضها البعض لخدمة مصالح شعوبها وإبعادها عن الحروب والقتل والدمار؟ وللإجابة علی هذا السؤال إسمحوا لنا بالعودة الی إجتماع المجلس الوزاري المشترك الذي عقد بين وزراء خارجية دول مجلس التعاون، الذي عقد قبل أيام في الدوحة، بحضور وزير الخارجية الأمريكي جان كيري. حيث طالب بعض وزراء خارجية العرب في هذا الإجتماع أن تكون المنطقة خالیة من السلاح النووي، ونعلم جميعا أن الجهة الوحيدة التي تمتلك السلاح النووي في هذه المنطقة، هي تل أبيب. لكن تصوروا ماذا كان رد فعل جان كيري علی مثل هذا القلق، هل أكد للوزراء العرب أن واشنطن ستمارس ضغوطا علی الكيان الإسرائيلي للتخلي عن ترسانته النوویة؟
الجواب كان عكس ما نتوقع، حيث قال کیري في هذا الإجتماع «توافقنا على تسريع بيع بعض الاسلحة الضرورية والتي استغرقت وقتا طويلا في الماضي». وتأتي هذه الرؤية من قبل كيري في وقت قال فيه خالد العطية وزير خارجية قطر إن الاتفاق النووي مع ايران هو «افضل خيار» متاح. إذن من خلال هذا التعامل الأمريكي لبث روح النزاعات بين دول المنطقة، نصل الی هذه النتيجة أن الحضور الأمريكي غير المشروع في المنطقة هو الذي يسبب المشاكل فيها. وإلاّ في حال تركت أمريكا المنطقة لأهلها الحقيقيين فکان من المستحيل أن تشهد الاحداث التي شهدتها الیوم. ومن المفترض أن نقول لکیري بما أن إیران قبل توقیعها الإتفاق النووي لم تشکل خطرا علی المنطقة، فانها من الطبیعي جدا أن تکون بعد التوقیع علی هذا الإتفاق مصدرا لأمن وإستقرار المنطقة ولیس خطرا علیها، إذن لماذا ترید تسریع بیع السلاح لدول المنطقة؟ وقد زعم کیري أن هذه الأسلحة تأتي لطمأنة دول المنطقة بسبب الإتفاق النووي مع إیران.
وعلی عكس مساعي واشنطن التي تسعى الی مزيد من الحضور الإقتصادي والعسكري في المنطقة، باتت دول الشرق الأوسط متصارعة فيما بينها دون أن تفكر بإصلاح علاقاتها وإنهاء خلافاتها مع بعضها البعض. فالاحداث التي تشهدها المنطقة الیوم خاصة الهجمة الإرهابية علی المنطقة، تستوجب أن تغير جميع دول هذه المنطقة سياساتها تجاه بعضها البعض ايجابيا، لمواجهة التحديات القائمة وعلی رأسها الإرهاب. حيث لن تتمكن دول المنطقة من الاقتراب من بعضها البعض وحل مشاكلها إلاّ عبر إبتعادها عن القوی الأجنبية وتقليل إعتمادها في جميع المجالات علی هذه الدول.
وفي النهاية نعود مرة أخری لنؤكد أن الدول الكبری في المنطقة وهي تركيا وإيران ومصر والسعودية بامكانها، بناء تحالف اقليمي قوي، لتجفيف جذور الإرهاب والعمل علی خدمة مصالح شعوب المنطقة. لكن في حال فشلت هذه الدول في حل خلافاتها وإستمرارها في سياسة التناحر والتخاصم، فستزداد مأساة شعوب المنطقة يوما بعد يوم، وستهدر طاقاتها في غير محلها، دون أن تكون أي من الرياض وأنقرة والقاهرة وطهران رابحة في هذا الصراع، وستكون الخسارة من نصيب الجميع. إذن بما أن مصيرنا واحد، فلنتخذ قرارا واحداً، للتعاون والتعاضد.
المصدر / الوقت
طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق