الملك سلمان قد يعلن اعتزاله ونجله محمد سيحل محله
الرياض ـ سياسة ـ الرأي ـ
تَبيّن أن الفروع المحلية لتنظيم داعش في المملكة العربية السعودية هي أقل تمييزاً في اختيارها المستهدف. ففي مايو/أيار، استُهدف اثنان من المساجد الشيعية في المنطقة الشرقية، ما أسفر عن مقتل 26 شخصاً
وفي 6 أغسطس/آب، فجّر التنظيم الارهابي مسجداً سنّياً في جنوب غرب المملكة، على مقربة من الحدود اليمنية، وأسفر الحادث عن مقتل 15 شخصاً معظمهم من رجال الأمن السعوديين. جاء ذلك بمثابة تذكير لأفراد العائلة المالكة السعودية بأنه بينما يشارك تنظيم داعش نزعاتهم المعادية للشيعة، إلا أنه يكره أيضاً «آل سعود» وكل ما يمثلونه.
كما أنه تذكير بأن الحملة السعودية الجارية ضد تنظيم داعش ستستمر. ففي الشهر الماضي، أعلنت السلطات السعودية عن إلقاء القبض على 431 شخصاً يشتبه بانتمائهم للجماعة. ورغم أن الغالبية العظمى من مواطني المملكة الذين يقارب عددهم 27 مليون شخص ربما يفضلون زعامة الملك سلمان على الفوضى التي اجتاحت العالم العربي منذ 2011، إلا أن جزءً لا يستهان به من الشباب السعودي يستلهم على ما يبدو رؤى الجهاد التي تقوم بتغذيتها وسائل الاعلام الاجتماعية بصورة مستمرة ويجدون أن المجتمع السعودي لا يدين غالباً حماستهم كشباب.
إن تفجيرات المسجد السعودي هي فقط دليل واحد على تصاعد الأزمات الداخلية والخارجية التي تواجه المملكة، وكثير منها لها صلة حقيقية أو متصوَّرة مع إيران. وكان رد الرياض الأكثر وضوحاً هو جمع رسائل الدعم والمواساة من الحلفاء – في حين ربما تتساءل مَنْ هم المشتبه بهم المعتادين الذين تقوم باعتقالهم هذه المرة. ومهما كانت الخطوة، لابد أن ينظر إليها على أنها توحد البلاد بدلاً من أن تقسمها. إن تحقيق هذا التوازن سيشكل تحدياً من نوع خاص إذا وقع المزيد من حوادث [العنف] التي تُعزى إلى تنظيم داعش أو أي علامة على الانتقام من قبل السكان الشيعة في المملكة العربية السعودية.
ولكن ليس من الواضح أن قيادة المملكة هي على مستوى هذه المهمة – بشأن تنفيذ سلسلة من الهجمات الإرهابية على أراضيها أو المشاكل الأخرى التي لا تعد و لا تحصى التي تواجهها. فعاهل البلاد لا يتمكن حتى من تخطيط إجازة بشكل صحيح: ففي الأسبوع الماضي، قرر الملك «سلمان» على ما يبدو بأنه يكره جنوب فرنسا، على الرغم من أنه قد تم تطهير الشاطئ العام من المتشمسين الفرنسيين – والذي يُنظر إليه من القصر الأنيق الذي يقضي فيه عطلته. لذلك انتقل مع أكثر من 600 شخص من حاشيته إلى قصره في المغرب. وفي الوقت نفسه، وعلى الجبهة الداخلية، يتولّى مسؤولية إدارة الحكومة كل من ولي العهد الأمير «محمد بن نايف» وولي ولي العهد الأمير «محمد بن سلمان»، الإبن المفضل للملك الذي يعمل كحلقة لتفضيلات سياسة العاهل السعودي.
وقد أثارت العلاقة بين الأميرين «محمد بن نايف» و«محمد بن سلمان» الكثير من النقاش في دوائر السياسة الخارجية في جميع أنحاء العالم. وليس هناك شك في أن العاهل السعودي يرغب أن يصبح نجله «محمد بن سلمان» ملكاً يوما ما. والسؤال الوحيد هو ما إذا كان سيُسمح لـ«بن نايف» بأن يصبح ملكاً بين [فترة حكم] الرجلين. ويعتقد العديد من المراقبين السعوديين في الوقت الحالي أن الملك «سلمان» سيُبلغ عن اعتزاله ويُعلن أن «محمد بن سلمان» قد حل محله – إن نظام الخلافة في حالة تغير مستمر، ويبدو أن القانون الصارم الوحيد هو الأهمية القصوى التي تُولى لرغبات الملك.
لكن هناك معلومات متضاربة بشأن ما إذا كان التنافس قائماً بين الأميرين. ويقول البعض أن «محمد بن نايف» – أو على الأقل أولئك الخدم الذين سيكونون الطرف الخاسر في هذه المناورة – يخطط لتولّي المنصب لنفسه، مما سيُنحي جانباً ابن عمه الأصغر سنا. ومع ذلك، تفيد تقارير أخرى من الأجانب الذين تعاملوا معهما، بأن بإمكان الخصمين العمل في الواقع بشكل جيد كفريق واحد.
وفي الأشهر المقبلة سيتم اختبار هذه الشراكة بشكل متزايد. ويُعهد إلى الرجلين بدفع المؤسسة العسكرية السعودية التي غالبا ما تسودها الانقسامات، إلى العمل نحو هدف مشترك: ويشغل «محمد بن نايف» أيضاً منصب وزير الداخلية المسؤول عن الأمن الداخلي، بينما يشغل «محمد بن سلمان» منصب وزير الدفاع، وبالتالي قائد الجيش السعودي والقوات الجوية والقوات البحرية بحكم الأمر الواقع. وعلى نحو تقليدي، لا يعمل الجيش ووزارة الداخلية السعودية معاً بصورة فعالة.
أما القوة الثالثة فهي «الحرس الوطني السعودي» بقيادة الأمير «متعب بن عبد الله»، الذي تضاءلت طموحاته لأن يصبح ملكاً عندما توفي والده قبل ستة أشهر، واختفى تماماً عندما قام الملك بترقية «محمد بن سلمان» إلى منصب ولي ولي العهد في أبريل/نيسان. ويتشبث الأمير «متعب» الذي يُنظر إليه باعتباره حليفاً لـ«محمد بن نايف»، بمنصبه في «الحرس الوطني» على الرغم من التقارير التي تفيد بأن «محمد بن سلمان» يريد استيعاب القوة التي هي قبلية أساساً في القوات البرية السعودية، مما يجعل «متعب» عاطلاً.
وتشكل حملة اليمن المشكلة الأكثر إلحاحاً التي تواجه فريق الأمن القومي الجديد للمملكة. فقد فشلت الضربات الجوية – للتحالف الذي تقوده السعودية، والتي بدأت في مارس/آذار- في هزيمة الحوثيين وحوّلت الوضع إلى لعبة ضرب الجذران ضد قوات الرئيس السابق «علي عبد الله صالح»، الأمر الذي يكبّد أضرار جانبية ضخمة للمدنيين الأبرياء.
مؤخراً أعادت حكومة الرئيس المنفي «عبد ربه منصور هادي» إرساء موطئ قدم لها في مدينة عدن الساحلية في جنوب البلاد، والتي تَقَدم منها عمود من دبابات الإمارات العربية المتحدة شمالاً في وقت سابق من هذا الأسبوع. لكن التحالف بين صالح والحوثيين لا يزال سليماً، وقد أعطى الزعيم السابق مقابلة مشاكسة للموقع الجديد لـ«هافينغتون بوست» باللغة العربية هذا الأسبوع، دعا فيها إلى تقديم «هادي» إلى المحاكمة في لاهاي.
إن دور دولة الإمارات، اللاعب الكبير الوحيد الذي انضم إلى التحالف الذي تقوده السعودية، قد غيّر مجرى الحرب كما يحتمل. وكونها تعمل انطلاقاً من قاعدة أمامية في إريتريا، فقد كان السلاح المفضل للقوات الإماراتية من «الحرس الرئاسي» هو حقائب من النقد، لأن هذه القوات تحاول رشوة القبائل المحلية في جنوب اليمن من أجل القتال ضد الحوثيين. وبشكل مقلق، تم أيضاً تجنيد عناصر من تنظيم «القاعدة» للانخراط في صفوف المقاتلين.
لقد كان التفسير القاسي الذي قدمه مسؤول يمني سابق رفيع المستوى بأن «العدنيين لا يقاتلون» هو السبب وراء الحاجة لتنظيم «القاعدة» من أجل ترجيح كفة الميزان في القتال، مما تسبب في تراجع الحوثيين. وسواء سيستمر النجاح الذي تقوده دولة الإمارات بواسطة قواتها المدرعة هو موضوع قابل للنقاش. وخارج وحداتها من النخبة، فإن جودة جيش الإمارات هو أمر مشكوك فيه، على الرغم من أن معداته من المستوى الأول.
أما سوريا فلا تزال تشكل أيضاً مصدر قلق سعودي كبير، بسبب كراهية الرياض للرئيس السوري «بشار الأسد» ورغبتها في إلحاق داعميه الإيرانيين هزيمة استراتيجية. لقد كان هناك قدر كبير من النشاط الدبلوماسي على هذه الجبهة في الأيام الأخيرة: فقد التقى وزير الخارجية الأميركي جون كيري، ووزير الخارجية الروسي «سيرجي لافروف»، ووزير الخارجية السعودي «عادل الجبير» في الدوحة هذا الأسبوع. كما سافر وزير الخارجية السوري إلى عُمان. وهناك شائعات عن قيام مدير المخابرات السورية بزيارة الى الرياض.
وبالإضافة إلى المعارك التي يخوضها حكام السعودية ضد أعدائهم داخل البلاد وخارجها، يجب عليهم التعامل أيضاً مع الأزمة المالية. فقد انخفض سعر النفط مرة أخرى الى أقل من 50 دولارا للبرميل الواحد، كما أعلنت السعودية عن خطط لاقتراض مبلغ ضخم قدره 27 مليار دولار. إن النفقات الباهظة في اليمن والمنح التي تقدر بحوالي 32 مليار دولار التي أُغدِقت لإرضاء السكان عندما اعتلى الملك سلمان العرش سببت استنزافاً واضحاً للخزينة السعودية.
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا، من هو صانع القرار الرئيسي فيما يتعلق بالقضايا الاقتصادية السعودية؟ قد يكون هذا الشخص هو الأمير «محمد بن سلمان» البالغ من العمر 29 عاماً، بصفته رئيس «مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية». إن ذلك يشير مرة أخرى إلى الصعوبات التي تواجهها المملكة: فسجل الحسابات الذي يعكس ما يجب القيام به مقابل الموارد المتاحة لا يتوازن.انتهى
طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق