التحديث الاخير بتاريخ|الأحد, ديسمبر 22, 2024

ما سر العلاقة بين الملوك والأمراء العرب وأكاديمية (ساندهيرست) البريطانية.. حقائق ودلالات 

هناك الكثير من الشخصيات المشهورة من عدة دول ومن العالم العربي على وجه التحديد قد تخرجوا من أكاديمية (ساندهيرست) البريطانية العسكرية الملكية (Royal Military Academy Sandhurst ) التي تم تأسيسها عام ١٨٠٢ والتي تعتبر مركز تدريب أساسي لضباط الجيش البريطاني لأكثر من ٢٠٠ عام.  

 

يلتحق بهذه الأكاديمية أبناء العائلة الملكية في بريطانيا، لكن برنامجها المكثف من التدريب يجذب عسكريين من بلدان أخرى. ومدة الدراسة فيها ٤٤ أسبوعاً (أي أقل من سنة) تصل كلفتها الى أكثر من ٢٢٠ الف دولار. 

 

وللأكاديمية تاريخ طويل في استقبال أبناء قادة دول الشرق الأوسط الذين يستلمون بعد ذلك دفة الحكم في بلدانهم. فوفقاً للمعلومات المتوفرة تخرج من هذه الاكاديمية ستة ملوك عرب وعدد من الأمراء بينهم ١٢ أميراً من العائلة السعودية المالكة والذين يشغلون حالياً مناصب عليا في الدولة. 

 

وتضم قائمة خريجي (ساندهيرست) ثلاثة ملوك عرب حاليين هُم: عبد الله بن حسين ملك الأردن، وحمد بن عيسى آل خليفة ملك البحرين، وتميم بن حمد بن خليفة آل ثاني أمير قطر

 

أما عن الملوك السابقين فهناك حسين بن طلال ملك الأردن وأبوه طلال بن عبد الله، وحمد بن خليفة آل ثاني أمير قطر السابق، وأمراء آخرين بينهم محمد بن راشد آل مكتومحاكم دبي، وحمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم ولي عهد دبي، ومحمد بن زايد آل نهيان ولي عهد ابوظبي، ومتعب بن عبد الله بن عبد العزيز آل سعود وزير الحرس السعودي، وخالد بن سلطان بن عبد العزيز آل سعود نائب وزير الدفاع السابق في السعودية، وخالد بن بندر بن عبدالعزيز آل سعود رئيس الاستخبارات السعودية وغيرهم. 

 

وعن مصر فقد التحق ثلاثة من أحفاد محمد علي باشا بالأكاديمية في أوقات مختلفة، وأحدث المتخرجين منها كان المتحدث الرسمي السابق للقوات المسلحة المصرية العقيد (أحمد محمد علي) في التسعينات. 

 

وحسب أحدث تقارير الأكاديمية، تحتل الإمارات المركز الأول على قائمة أكثر الدول التي درس ضباطها في (ساندهيرست) بعد بريطانيا. وفي عام ٢٠١٤ استقبلت الأكاديمية ٧٢ ضابطًا من خارج بريطانيا، ٤٠% منهم من العرب. 

 

ويقول المؤرخ (هيلاري بيراتون) في كتابه (تاريخ الطلبة الأجانب في الجامعات البريطانية) إن سياسة بريطانيا خلال الاستعمار وبعده تعتمد على تشكيل شبكة علاقات واسعة بين بريطانيا وبين حكّام وقادة الدول التي كانت تابعة لها.  

 

وتبدو الصفقة رابحة للجميع، حيث تحظى بريطانيا بعلاقات قوية بقادة هذه الدول، ويتلقى هؤلاء القادة تدريباً عسكرياً رفيعاً على مستوى أبناء العائلة الملكية البريطانية. 

 

وأموال أمراء مجلس التعاون السخية ليست خارج المعادلة؛ فقد تلقت أكاديمية (ساندهيرست) خلال العامين السابقين فقط، تبرعاً بقيمة ١٥ مليون جنيه إسترليني من الإمارات لإنشاء مبنى سكني جديد يحمل اسم الشيخ زايد آل نهيان مؤسس دولة الإمارات، و٣ ملايين جنيه إسترليني من ملك البحرين. 

 

والتدريب في (ساندهيرست) ليس عسكرياً فقط، وهذه ميزة تجعلها مقصداً لأبناء الأمراء والعسكريين الصاعدين، حيث يضم التدريب برامج خاصة بالسياسة الدولية وإدارة النزاعات ومهارات التواصل. وفي أروقة هذه الاكاديمية يتعرف حكام المستقبل على بعضهم البعض، وبالتالي تُمنح بريطانيا تأثيراً في بلدانهم.  

 

ويخلق التدريب العسكري في (ساندهيرست) روابط قوية بين قادة الجيوش الأوروبية والآسيوية والأفريقية، بالإضافة إلى الدول العربية التي ذكرناها، فتضم قائمة خريجي الأكاديمية العديد من أمراء وقادة جيوش ورؤساء الهند وباكستان ونيجيريا وماليزيا وسلطنة بروناي والكثير غيرهم. 

 

لكن الأمر لا يمُر دون كلفة؛ فعادةً ما يستخدم القادة العسكريون الذين تدربوا في بريطانيا ما تعلموه من معرفة عسكرية وسياسية، والعلاقات التي جمعتهم بالصف الأول من العسكريين في العالم، في السيطرة على السلطة في بلدانهم. لم يكن أولهم (شوكوما كادونا) قائد أول انقلاب عسكري في نيجيريا في عام ١٩٦٦، ولا معمر القذافي آخرهم بانقلاب عام ١٩٦٩، بعد ٣ أعوام فقط من إتمامه تدريباً عسكرياً في بريطانيا. 

 

وبحسب (مايكل ستيفنز) نائب مدير المعهد الملكي للخدمات المتحدة بقطر، “تجذب بريطانيا اهتمام النخب السياسية العربية، وهو ما يمنحها نفوذاً وقوة أكبر. فهناك أشخاص قضوا وقتاً في بريطانيا وهم على علاقة بزملائهم ومعلميهم”. 

 

وقد ظهرت هذه الألفة بوضوح خلال جنازة الملك الأردني حسين بن طلال عام ١٩٩٩ التي قال عنها الجنرال (آرثر دينارو) مستشار وزير الدفاع لشؤون الشرق الأوسط والقائد بأكاديمية (ساندهيرست) في نهاية التسعينيات: “حضر كل زعماء العالم تقريباً، بينهم رئيس الوزراء البريطاني في حينها توني بلير، وعندما رآني أتحدث إلى زعماء الدول، ومنهم سلطان بروناي وإلى بحرينيين وسعوديين، سألني كيف تعرفت إلى كل هؤلاء، فأجبته إنهم تتلمذوا في (ساندهيرست). 

 

وفي حواره مع مجلة (درع الوطن) الصادرة عن القيادة العامة للقوات المسلحة الإماراتية أوضح اللواء (تي. بي. إيفانز) القائد العام لأكاديمية (ساندهيرست): “في نوفمبر ٢٠١٢ وخلال احتفالاتنا بمرور ٢٠٠ عام على تأسيس الأكاديميـــة، كان لدينا عدد كبـــير من الشيوخ والأمراء الضيـــوف من منطقة الشرق الأوسط الذين حضروا مأدبة العشاء التي أقامتها الأكاديمية، وقد حضر عدد كبــير من كبار القادة والمسؤولين من مختلف دول العالم، لقد كان حدثاً رائعاً بكل المقاييس” حسب تعبيره. 

 

ولا يتوقف هذا التواصل عند حدود اجترار الذكريات، بل يتعداه ليجلب الجنيهات الإسترلينية. وفي هذا السياق يقول العميد سينكوك ملحق الدفاع السابق في السعودية: “بالنسبة للبريطانيين الذين يجوبون العالم، ومثلما فعلت أنا عندما كنت عسكرياً، فإننا نقابل أشخاصاً ممن درسوا في (ساندهيرست) وتبدأ الصلة معهم فوراً، وأعتقد أن هذا مفيد جداً لنا”. 

 

في ضوء ذلك يتضح لماذا استهل أمير البحرين رحلته إلى بريطانيا التي تركزت على قضايا الدفاع والأمن في ١٦ نوفمبر ٢٠٠٦ بزيارة أكاديمية (ساندهيرست) التي كان أحد أبنائه مسجلاً فيها حسب العدد الصادر من نشرة (إنتيليجانس أون لاين) الفرنسية بتاريخ ٢٤ نوفمبر ٢٠٠٦. 

 

من جانبها أشارت (جان كينينمونت) نائب رئيس برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في معهد (تشاثام هاوس) الى أن إمارات مجلس التعاون أصبحت مصدراً هاماً لرؤوس الأموال، قائلة: “لذلك ترى أن أطول مبنى في لندن موّلته قطر، كما أن الإمارات تمول عمليات تطوير البنى التحتية وآبار النفط في بريطانيا، ولازالت توجد رغبة للإبقاء عليهم لأسباب تجارية”. 

 

ولا غرابة في ذلك، فالسياسة البريطانية مع الدول العربية في الجانب التجاري تأتي في المقام الأول على حد قول (كريستيان كوتس أولريكسون) من معهد باكر في هيوستن بتكساس. 

 

وتعتبر العلاقة بأكاديمية (ساندهيرست) محل افتخار لدى حكام مجلس التعاون، لذلك حرص (محمد بن زايد) ولي عهد أبو ظبي على تدشين مقر لهذه الأكاديمية في أبو ظبي لتدريب ضباط من الدول الأخرى الأعضاء في مجلس التعاون، حسبما أفادت نشرة (إنتيليجانس أون لاين) الفرنسية في عددها الصادر بتاريخ ٢٥ نوفمبر ٢٠١٣. ولازال حكام مجلس التعاون يتبرعون بسخاء لمجرد وضع أسمائهم ولو على مبنى داخل هذه الأكاديمية. 

 

وفي مارس ٢٠١٣ أعيد افتتاح المركز الرياضي بالأكاديمية (مونس هول) نسبة الى المعركة الشهيرة في الحرب العالمية الاولى، باسم حمد هول (صالة حمد) حيث تبرع ملك البحرين الذي درس في الأكاديمية بمبلغ ٣ مليون استرليني لتشييد هذه الصالة. 

 

وحول هذا الموضوع يقول العميد سينكوك رئيس جمعية البحرين التي تروج للصداقة بين بريطانيا والبحرين “ان ملك البحرين دائماً ما شعر بأن (ساندهيرست) مكاناً رائعاً، وهناك ٢٠ من أفراد عائلته يدرسون حالياً في الأكاديمية”. 

 

وأخيراً لابد من القول إن الحكاية بين الملوك والأمراء العرب وأكاديمية (ساندهيرست) تمتد إلى ما هو أبعد من أسماء تُذكر أو ملايين تُهدى، فهذه الأكاديمية في الحقيقة هي من بقايا الماضي الاستعماري ولازالت تعمل كما كانت في السابق لخدمة أغراض استعمارية حديثة ولكن بأدوات جديدة.

المصدر / الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق