اردوغان يمتطي حصان طروادة المحترق
کثر الحديث في الأيام الأخيرة عن عزم تركيا التدخل بشكل مباشر في الأزمة السورية من خلال إقامة منطقة عازلة داخل الشمال السوري الممتد من جرابلس شرق الحدود الشمالية وصولاً الى اعزاز مروراً بمارع.
تردد هذا الحديث داخل اوساط الحكومة التركية حيث وصل الى ذروته بعد إعلان تنظيم داعش الإرهابي تبنيه للتفجير الذي استهدف مناطق يقطنها الأكراد داخل الأراضي التركية، فما كان لتركيا إلا أن خضعت للمطالب الأمريكية بفتح مجالها الجوي أمام طائرات التحالف الدولي ووضع قاعدة انجرليك العسكرية في خدمة التحالف الدولي وطائراته حيث هبطت في الأيام القليلة الماضية ثماني طائرات عسكرية أمريكية في قاعدة انجرليك التركية وكانت تحمل على متنها ٣٠٠ جندي أمريكي استقروا فيها.
هذا وقد اعلنت الحكومة التركية على لسان نائب وزير خارجيتها فريدون سينيرلي اوغلو بأن انقرة وواشنطن اتفقتا على إقامة منطقة عازلة في سوريا، حيث جاء هذا بعد أيام من إعلان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن بلاده ستتخذ الخطوات الأولى لإقامة منطقة آمنة في سوريا.
وفي هذا السياق سارعت الجماعات الإرهابية المسلحة ومنها “حركة احرار الشام” الحليف الرئيسي “لجبهة النصرة” بتأييد الخطوة التركية لإقامة منطقة آمنة وأكدت في بيان لها “أن إقامة هذه المنطقة حاجة ماسة لحماية أمن تركيا القومي ولقطع الطريق على المشاريع الإرهابية والإنفصالية لحزب العمال الكردستاني”.
اذاً فما هو السبب الحقيقي الذي جعل الجماعات الإرهابية المسلحة تؤيد المشروع التركي علماً أن تركيا تقول بأن مشروع المنطقة الآمنة يهدف الى إبعاد داعش والجماعات الإرهابية عن حدودها وأنه لن يكون لجبهة النصرة أيضاً مكان فيه وعلى الرغم من ذلك فإن الجماعات المسلحة كاحرار الشام اعلنت تأييدها للمشروع التركي وعبرت عن سعادتها به فهذا إن دل على شيء فإنه يدل على التنسيق المستمر بين الحكومة التركية والجماعات المسلحة وتقديم ضمانات من قبل حكومة اردوغان لها بأنها ستكون جزءاً من القوة التي ستعمل على حماية المنطقة العازلة في حال تم إقامتها لأنها لا تستهدف داعش والجماعات المسلحة بل الهدف الأساسي هو منع الجيش السوري من الإقتراب وضرب الأكراد داخل العمق السوري.
بالإضافة لذلك يمكن للمنطقة العازلة أن تعمل كدرع واقٍ للجماعات المسلحة وتنظيم داعش الإرهابي من حملات سلاح الجو السوري وتحييده عن المعركة بشكل كامل مما يتيح للإرهابيين التحرك بحرية والتنقل بسرعة وسهولة أكبر.
وأيضا تريد انقرة فرض واقع ميداني جديد بحيث يسمح لها أن تشكل ضغطاً على الرئيس السوري بشار الأسد وإعادة هيكلة المسلحين لمحاولة اقتحام دمشق من جديد.
فتنفيذ هكذا مشروع يمكن أن يكون له عواقب لا يحمد عقباها بالنسبة لتركيا التي ترغب بامتطاء حصان المنطقة العازلة لتستطيع أن تستهدف حزب العمال الكردستاني ومنع اكراد سوريا من أولا: التمتع بحكم ذاتي لما له من تأثير على اكراد تركيا.
وثانيا: منعهم من التقدم باتجاه مناطق يسيطر عليها داعش والجماعات المسلحة الأخرى، علماً أن الاكراد حققوا انتصارات على تنظيم داعش الإرهابي في الكثير من المناطق.
لم تجر الرياح كما تشتهي أنقرة فنفي الخارجية الأمريكية على لسان المتحدث باسمها مارك تونر الاتفاق مع انقرة بشأن المنطقة العازلة وتأكيده أن الاتفاق بين انقرة وواشنطن يتعلق فقط في محاربة تنظيم داعش الإرهابي ولا يشمل إقامة منطقة عازلة في سوريا.
فنفي الإدارة الأمريكية لما قالته انقرة يدل على أن حسابات الأمريكيين تختلف عن حسابات اصدقائهم الأتراك إذ تعتقد واشنطن بأنه من غير الممكن إقامة منطقة عازلة في سوريا دون وجود قوة حقيقية قادرة على حمايتها من أي خرق سواء كان من طرف الجيش السوري أو تنظيم داعش والجماعات المسلحة الأخرى، علماً أن الإدارة الأمريكية أنفقت أكثر من ٢٥٠ مليون دولار على مشروع لتجنيد وتدريب مقاتلين معتدلين ليكونوا نواة أي مشروع مستقبلي سواء كان منطقة عازلة أم لمحاربة داعش إلا أن هذا المشروع باء بالفشل.
ولا ننسى أيضا بأن هكذا مشروع لا يمكن أن يمر بسهولة لجهة وجود رفض تام من قبل ايران وروسيا اللتين تؤكدان على احترام سيادة سوريا وعدم المساس بها.
مما تقدم نجد بأن مشروع القرار الذي تسعى تركيا جاهدةً لتطبيقه لا يصب بمصلحة أحد سوى الجماعات الإرهابية المسلحة التي ستستثمره لصالحها ولتوسعها في الشمال السوري بشكل أكبر مع غياب تام لسلاح الجو السوري ومع حماية تامة من قبل تركيا والتحالف الدولي مما سيشكل خاصرة رخوة لتركيا وبؤرة مناسبة لنشاطات الإرهابيين والإسلاميين المتشددين.
فعدم التأييد الدولي والإقليمي لهذا المشروع والشك في إمكانية تحقيقه للأهداف المرجوة والخوف من انتشار أكبر للإرهابيين وتشكيل خلايا اسلامية متشددة يحول دون أن يبصر هذا المشروع النور قريباً.
المصدر / الوقت
طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق