التحديث الاخير بتاريخ|الجمعة, سبتمبر 27, 2024

المدارس الدينية في باكستان والدور المريب في نشر التطرف! 

 يعود موضوع المدارس الدينية في باكستان الى ما يزيد عن ستة عقود خلت. حيث تشير المعلومات الى وجود اكثر من ٣٠٠ مدرسة دينية عشية استقلال باكستان. وقد ازدهرت هذه المدارس بعد استقلال باكستان وكانت مرحلة حكم الجنرال محمد ضياء الحق العهد الذهبي لهذه المدارس حيث شجع على اقامة المدارس الدينية مقدما اراضٍ من الدولة لهذا الهدف كما وفر لهم مساعدات مادية من اموال الزكاة التي كان يجمعها من الاموال المودعة في البنوك بناءا لقانون سنه لهذا الغرض. وحتى اواخر القرن الماضي كان لا يزال التناغم ما بين سياسات الحكومات الباكستانية وهذه المدارس واضحا للعيان. حيث ان الحكومة كانت تشجع هذه المدارس خاصة ابان مرحلة قتال السوفيات في افغانستان، على توريد المقاتلين الى داخل افغانستان تحت مسميات الجهاد وتحرير البلاد من الاعداء.

 

وتشير تقارير حكومية باكستانية الى وجود ما يزيد عن ١٣ الف مدرسة دينية منتشرة حاليا في ارجاء باكستان. ويدرس في هذه المدارس قرابة ١.٢ مليون طالب وطالبة معظمهم من الطبقة الفقيرة. واللافت أن أغلبية المساجد الباكستانية تحوي بين جدرانها مدارس دينية يشرف عليها ويديرها ويدرس فيها إمام المسجد غالبا .  ومعظم هذه المدارس توفر الاقامة والطعام لطلابها، وهذا ما أدى الى انتشارها وسط وجود اكثر من ٧٠ بالمئة من الشعب الباكستاني تحت خط الفقر بالاضافة الى أن المدارس الحكومية الباكستانية لا تكفي لتلبية الاعداد الكبيرة من الطلاب.

 

يغلب الطابع الانعزالي والتقوقع على النفس على طلاب هذه المدارس. ويرد محللون السبب الى أن هذه المدارس والتي عادة ما يسكنها طلابها واساتذتها بشكل دائم مما يفصل بين الطلاب وبين المجتمع خارج هذه المدارس. وقد يكون النموذج الطالباني في الحكم نتاج التقوقع الذي عاشوه في هذه المدارس.

 

بقيت هذه المدارس تمارس نشاطاتها بهدوء وبعيدا عن الاضواء الى ان وصلت حركة طالبان الافغانية الى سدة الحكم في افغانستان. حيث بدأ الاعلام الغربي بتسليط الضوء عليها على اعتبار أنها التي خرجت الحركة التي اشتهرت بتطرفها والتي اعادت افغانستان عقودا الى الوراء من خلال سياساتها التقوقعية التي انتهجتها في حكمها لافغانستان.

 

واخذت هذه المدارس ضجة وصخبا اكبر بعيد تفجيرات ١١ سبتمبر ايلول التي طالت مواقع في امريكا. فاصبحت من القضايا الساخنة عالميا. حيث يتهم الغرب هذه المدارس بنشر الفكر المتشدد ويعتبرها منبتاً للحركات التكفيرية التي أخذت بالنمو بشكل مضطرد في باكستان. ويضغط الغرب وعلى رأسه امريكا على الحكومات الباكستانية المتتالية ومنذ احداث نيويورك من اجل اتباع سياسة اكثر تشددا مع هذه المدارس. ولكن وبموازاة ذلك تتحدث تقارير عن ملايين من الدولارات التي كانت ولا زالت تقدم من الحكومات الغربية بالاضافة الى بعض الانظمة العربية التي تتبع الفكر السلفي الى هذه المدارس وذلك لتوجيه الاهداف التي تسعى اليها. وما يؤكد ذلك سياسة باكستان اتجاه هذه المدارس التي تعتمد على دعم بعضها ومواجهة البعض الاخر، وذلك تطويعا لها وابقائها تحت السيطرة.

 

ومن الادلة الواضحة على الفكر الذي تتبناه هذه المدارس التفجيرات التي حصلت في لندن وتبين مشاركة افراد من اصول باكستانية من خريجي هذه المدارس واحداث المسجد الأحمر في إسلام آباد عام ٢٠٠٧ والعصيان الذي اعلنته مدرستان دينيتان ضد الحكومة الباكستانية على اعتبار أنها لا تطبق احكام الشريعة الاسلامية وقد راح ضحية هذا العصيان ضحايا من الشرطة الباكستانية وافراد من المدرستين، وخلال تلك الازمة لعبت السعودية الدور الاساس في المفاوضات بين الطرفين من خلال السفير السعودي في باكستان بالاضافة الى الشيخ عبد الرحمن السديس امام الحرم المكي مما يؤكد الروابط المتينة لهذه المدارس مع السعودية سياسيا وفكريا.

 

وبعيد تلك الازمة تحدثت تقارير عن خطة حكومية باكستانية طويلة الامد بدعم وتمويل بريطاني امريكي، وبموازنة تفوق ٣٠٠ مليون دولار وذلك لضبط توجهات المدارس الدينية من خلال اساتذة حكوميين مشرفين عليها. وقد يكون ما نقل مؤخرا من اخبار عن اغلاق ما يزيد عن ثلاثين مدرسة في انحاء باكستان بناءا لاشارة من وزير الداخلية الباكستاني بسبب نشر الفكر المتطرف. كما صرح وزير الداخلية الباكستاني “تشودهري نثار علي خان” أن هناك المئات من المدارس الاخرى المشكوك بدعمها للفكر المتطرف والوزارة تسعى ومن خلال لجان خاصة الى تقصي فعاليات هذه المدارس والناشطين فيها من اساتذة وطلاب.

 

وقد ذكر التقرير أن الوزارة قد اغلقت مدرستين في ولاية البنجاب و١٥ في السند و١٣ في خيبر وذلك لشكوك تحوم حول دعمهم للارهاب. 

 

في خلاصة المشهد وبعد ما تقدم من معطيات ومؤشرات، فان المشهد اصبح اكثر وضوحا لجهة الأهداف المريبة لهذه المدارس وما تحويه داخل جدرانها من افكار متطرفة لا تمت الى الاسلام الاصيل بصلة. ومن خلال استغلال الفقر المادي والفكري لشريحة من الشعب الباكستاني وذلك خدمة لمشاريع لا تخدم الاسلام وانما تضر به وتحرف اصوله وتعاليمه السمحة. وما المجموعات التكفيرية التي تعيث فسادا في العالم الاسلامي ومنه باكستان الا نتيجة طبيعية لهذا الفكر الذي لا يخدم الا اعداء الامة. طبعا لا بد من الاشارة هنا الى المدارس الدينية والحوزوية الكثيرة في العالم الاسلامي وفي باكستان التي لازالت تحمل راية الاسلام الاصيل في وجه المخططات التي تحاك من اجل تفتيت الاسلام من الداخل.

المصدر / الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق