أين تقع قطر على خارطة المعادلات الدولية والإقليمية ؟
الشرق الأوسط منطقة معقدة جداً نظراً لأهميتها الاستراتيجية وللإمكانات التي تتمتع بها من ناحية غناها بالثروات الطبيعية وتنوعها الثقافي والإثني وموقعها الجغرافي الذي يجعل منها حلقة وصل تربط كلاً من اوروبا وآسيا وافريقيا، الأمر الذي جعل منها هدفاً لكل طامع بثرواتها وخيراتها.
وقد بتنا نشهد تدخلات من قبل دول كبرى واستقدام للأساطيل واحتلال لدول بحجة حماية أمن الطاقة العالمي والدول المصدرة له والحرب على الإرهاب وحجة نشر الديمقراطية ولحماية أمن الكيان الإسرائيلي، قابل هذا التدخل السافر من قبل الأمريكيين وحلفائهم الغرب وتجاوز الكيان الإسرائيلي الحد في ممارسة جميع أنواع العنف أدى الى إيجاد جبهة مقابلة تقودها ايران وتمتد الى لبنان مروراً بالعراق وسوريا.
مع انطلاقة أولى شرارات ما يسمى بالربيع العربي في تونس وفتح السعودیة بابها للرئيس التونسي الفار وسوء إدارة السعودية للأزمات أدی الى استغلال الفرصة من قبل قطر الدولة الخليجية الغنية التي لطالما طمحت لأن تكون لها الصدارة بدلاً من السعودية، فكانت دولة قطر أول من ركبت موجة ما يسمى بالربيع العربي حيث قدمت نفسها على أنها الدولة الأخت التي تخاف على مصالح الشعوب فلم تكتف بالكلام في المجالس بل ذهبت الى أبعد من ذلك حيث صادرت آراء دول الجامعة العربية واستخدمت الترغيب والترهيب لقبول أعضاء الجامعة العربية بإعطاء الضوء الأخضر لضرب ليبيا التي كانت رأس الحربة في الهجوم علیها.
استخدم امير قطر حمد بن خليفة آل ثاني سلاحين فتاكين في مشروع تضخيم قطر ودورها في المنطقة وهما الإعلام والمال حيث كان لقناة الجزيرة “السلاح الإعلامي” الدور الأكبر في التأثير على الرأي العام العربي حیث كانت سلاحاً فعالاً له تأثير أكبر من السلاح في أزمات المنطقة كالأزمة السورية وأيضاً كان لها دور مماثل في مصر والإطاحة بالرئيس المصري المخلوع حسني مبارك، كما في اليمن والبحرين كان لها دور فعال أيضاً.
أصبحنا نسمع بقطر في كل مكان تتردد أسماء الحمدين “امير قطر ووزير خارجيته السابقين” في الصحف العالمية ونشرات الأخبار لا تخلو من ذكرهم، هذه الدولة التي نسجت علاقاتها مع دول كبرى كامريكا وفرنسا ودول اوروبية عديدة لم تعد ترضى بالدور المهمش تحت عباءة السعودية فاستطاعت أن تصنع لها هالة أكبر من حجمها الجغرافي والسياسي وأن تخرج من تحت عباءة السعودية، إلا أن هذا الدور الكبير بالنسبة لحجمها لم يدم طويلا ولم تجر الرياح بما تشتهي سفنها الإخوانية التي كانت تراهن عليهم بقوة.
سقط الإخوان في مصر وخسرت قطر دورها بعد رحيل الرئيس مرسي، كما أنها لم تستطع أن تسقط الرئيس السوري بشار الأسد على الرغم من كل الحشد الإعلامي والعسكري وإهدار المليارات من الدولارات في خدمة ذلك الهدف وآخر سقوط لقطر الكبيرة كان في تونس حيث خسر الإخوان المسلمون في الإنتخابات الرئاسية.
لم تستطع امريكا تحمل الدور السلبي الذي يلعبه هذا اللاعب الصغير في ملعب الكبار فكان التحول الكبير الذي على إثره تم انحسار الدور القطري الى داخل حدوده وتم اعتزال الأمير حمد بن خليفة السياسة وتولي نجله تميم لدفة الحكم، فبعد أن علا نجم قطر في الأفق فوق نجم السعودية عادت السعودية بقوة الى الواجهة مجددا لتلعب الدور القطري ولكن بصبغة سعودية.
أصبح الحل في سوريا مرهوناً بالتوافق بين ايران والسعودية التي دخلت بقوة الى حلبة المنافسة وذلك برعايتها للفصائل الإرهابية المسلحة في سوريا وتقديم كامل الدعم المادي والعسكري لها وجلب مقاتلين أجانب من بقية الدول وإدخالهم الى سوريا عبر الأراضي التركية حيث لعبت الأخيرة دوراً رئيسياً في تدهور الأوضاع في سوريا لجهة تحويل أراضيها الى ممر للمسلحين القادمين من كافة الدول للقتال في سوريا.
فالصراع والتنافس اليوم في المنطقة وخصوصاً في سوريا واليمن بين امريكا والسعودية وتركيا من جهة وبين روسيا وايران وسوريا من جهة أخرى والحل يكمن في التقاء وتوافق هذه الأطراف على صيغ معينة تضمن لكل منهم مصالحه الاقتصادية والأمنية وإنهاء دوامة العنف التي تعصف بالمنطقة وتهدد أمنها، وحقاً هذا ما بدأ يتردد مؤخراً في الكواليس حيث هنالك تقارب في وجهات النظر الروسية والأمريكية لجهة الحل في سوريا وتسريب معلومات عن لقاءات بين مسؤولين سوريين وسعوديين برعاية روسية وايرانية وبوساطة عمانية، فإذا تم هذا التوافق فعلاً فأين سيكون الدور القطري الكبير الذي لعبته في الماضي؟
في ظل الأوضاع الراهنة لن يكون لقطر دور لتلعبه لا في حل الأزمات ولا في تعقيدها فهي أقرت بخسارة دورها التي كانت تتمتع به حتى قبل الربيع العربي وأيضا خسرت أصدقائها المقربين كسوريا ومصر وحتى الدول الخليجية بعد تدهور علاقتها مع السعودية على أثر تدخل قطر بالشؤون الداخلية للدول الخليجية، هنا يصدق القول بأن قطر أصبحت صفرا الى اليسار بالإضافة الى صفر أصدقاء.
المصدر / الوقت
طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق