روابط الأردن والسعودية؛ ولعدسات الإعلام نقاطٌ عمياءٌ أيضاً!
يحاول الأردن طيلة الأعوام الماضية تحسين روابطه مع السعودية، الدولة الجارة، باذلاً الكثير من الجهود لنيل مبتغىً لم يلقَ الكثير من اهتمام الجارة السعودية التي تتشارك معه في حدودٍ تزيد عن ٧٠٠ كيلومتر، إذ يبدو أنّ صناع القرار السعودي لا يرغبون في تحسين العلاقات بين البلدين، فالسعودية تحتفظ بعلاقة ثابتة مع الأردن وتمتنع عن الاستجابة للهتافات الأردنية المتكررة لحل النزاعات القائمة بين البلدين والتي غالباً ما تكون في النقطة العمياء لعدسات الإعلام.
وتشكل الحدود رأس المعضلة بين البلدين، فحدود الأردن مع السعودية تعتبر أطول حدود له مع دول الجوار، والأردن الذي سعى جاهداً إلى ضبط هذه الحدود بفاعلية باء بالفشل، فالتقارير الإعلامية تتحدث عن ازدياد نشاط تجار السلاح والمخدرات في السنوات الأربع الأخيرة بين الأردن والسعودية، الأمر الذي يقلق الأردنيين وخاصةً أنّ الوضع الأمني الداخلي أصبح هشاً بسبب تواجد مجموعات تكفيرية داخل الأردن وخاصة على الحدود الأردنية السورية، وإذا وصلت الحدود مع السعودية إلى حالة الفوضى فهذا يعني بدء العد التنازلي لدخول الأردن في دوامة الصراع مع الإرهاب، سيما أنّ منافذ إدخال الإرهابيين من الأردن إلى سوريا محدودة، في مقابل حدود طويلة غير مضبوطة مع السعودية، أي إنّ دخول المسلحين إلى الأردن عبر الحدود السعودية أسهل من إرسالهم إلى سوريا، ما يؤدي إلى تجمع مسلح داخل الأردن وهذا يهدد وبشدة الأمن في هذا البلد.
الخوف الأردني من عدم ضبط الحدود قابلته السعودية بإهمالٍ ولا مبالاة، ما تسبب بجعل الحدود الجنوبية للأردن هي الأضعف والأكثر إثارة للقلق بالنسبة لحدود الأردن الأخرى، ويعود السبب حسب ما ذكرته لجنة فنية وعسكرية أردنية إلى “عدم وجود كثافة عسكرية بشرية من الجانب السعودي قياساً بالموارد البشرية التي يخصصها الأردن من جهته”، وهذا ما دفع الأردن إلى توجيه العديد من الانتقادات إلى جارته الجنوبية، حتى أنّ عبدالله النسور، رئيس الوزراء الأردني، اشتكى من عدم وجود اهتمام من جانب السعوديين.
النداءات الأردنية المتتابعة، أخرجت السعودية من صمتها، ولكن ليس وفق الرغبة الأردنية بل حسب المصلحة السعودية، إذ إنّ صحيفة “رأي اليوم” الأردنية ذكرت نقلاً عن مصادر خاصة أنّ “السعودية قررت مؤخراً فقط التعاون مع الأردن فيما يخص مناطق حدودية متنازع على ثرواتها الطبيعية”، أي إنّ تحرك الرياض جاء لتحقيق منافعها الخاصة وليس استجابةً لطلبات عمّان المفترض أنْ تكون “شقيقة”.
وإنْ كان الخلاف بين الأردن والسعودية هو الأبرز في مسألة ضبط الحدود إلا أنّ هناك ملفات وقضايا أخرى لا تزال عالقة بين البلدين، ومن أبرز هذه المسائل قضية المياه الجوفية وخاصة حوض الديسي، إذ استمر الخلاف بين البلدين لسنوات طويلة، وكان هذا الخلاف عميقاً إلى الحد الذي وقفت فيه السعودية ضد الأردن في المحافل الدولية ومنعته من تنفيذ مشاريع مائية، واستمر هذا الخلاف إلى أنْ تم الإعلان بشكل مفاجئ عن توقيع اتفاقية بين البلدين، وتم حل أزمة المياه بينهما إعلامياً على الأقل.
حل أزمة المياه لا ينهي المعاناة، فالعلاقات بين الرياض وعمّان وإن كانت تظهر في وسائل الإعلام على أنها في أحسن أوضاعها، إلا أن خلف الستار شيئاً آخر، فالتوتر بين البلدين بلغ حداً غير متوقع، ففي قمة شرم الشيخ الأخيرة تبرعت السعودية للرئيس المصري بعدة مليارات، وهذا لم يعجب الوفد الأردني والملك فغادروا اللقاء بعد الإفتتاح مباشرة، كما أنّ السعودية أفشلت طرحاً أردنياً لعقد مؤتمر عربي إسلامي لمكافحة الإرهاب، ومبررةً بأن “الوقت غير مناسب”.
تخاذل السعودية في هذه المواقف دفع الأردنيين إلى الشك بنوايا الرياض تجاه بلدهم، فالسعودية تتثاقل عن حاجات الأردن ومتطلباته ولا تسعى إلا إلى تحقيق مصالحها، ولهذا عمد صناع القرار في الأردن إلى الوقوف في وجه المصالح السعودية، وانطلاقاً من هذا المبدأ أبدى الأردن مخالفةً شديدة لقرار السعودية باقتحام اليمن برياً.
النزاعات بين الأردن والسعودية أكبر بكثير مما يظهره الإعلام ومما يتحدث عنه المسؤولون الأردنيون المغلوب على أمرهم، وقد كشف عن هذه النزاعات فرانسوا فيون، رئيس وزراء فرنسا الأسبق، إذ كشف أنّ القيادة الأردنية في حالة “انزعاج” كبيرة من السعودية، ورغم هذا فإن زمام الأمور خرج من اليد الأردنية، والسعودية باتت بشكلٍ أو بآخر تسيطر على القرار الأردني، ولهذا نجد أنّ الأردن لا يُبرز انزعاجه من السياسة السعودية علناً ويحاول إظهار عكس ما تخفيه الحقائق.
المصدر / الوقت
طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق