التحديث الاخير بتاريخ|الأحد, نوفمبر 17, 2024

التدخل العسكري الإماراتي بين الإقتصاد والسياسة 

تضطلع القوات الإماراتية المشاركة في العدوان السعودي على الشعب اليمني بدور أساسي في المواجهات الحالية على الأراضي اليمنية، وتحديداً المحافظات الجنوبية. قد يرى البعض أن إنخراط الإمارات في العدوان رغم التكلفة الباهظة التي من الممكن أن تتحملها لاحقاً، يأتي في سياق التعاون السعودي –الإماراتي لحماية دول المجلس التعاون، إلا أن المطالعة الدقيقة لواقع وحيثيات التدخل الإماراتي تشير إلى نتيجة مغايرة مفادها تقاطع المصالح مع السعودية لضرب اليمن تحت عنوانين رئيسيين الأول إقتصادي والآخر سياسي.

 

عند المطالعة الاولية للمشهد الإماراتي نرى الجانب الإقتصادي يعتمد بشكل كبير على التجارة والترانزيت في إمارة دبي لاسيّما ميناء دبي والمنطقة الحرّة في جبل علي، حيث قُدّرت عائدات المرفأ في العام الماضي بحوالي ٢.٥ مليار دولار، في حين بنت الإمارات سياستها الداخلية والخارجية على ثابت وحيد يتمثل بالعداء التام لجماعة الإخوان المسلمين. فكيف يمكن مقاربة هذه القراءة مع المصالح التي تتوخاها أبو ظبي من التدخل في جنوب اليمن؟ وما هي أبرز تداعيات التدخل الإماراتي؟

 

مصلحة سياسية

يهدف التدخل الإماراتي في عدن لتحقيق العديد من المآرب السياسية التي تمثل أهمية كبرى لحكام أبو ظبي، حيث تحاول القيادة الإماراتية القضاء على حزب الإصلاح بإعتباره الفرع اليمني لتنظيم جماعة الإخوان المسلمين، العدو الاول لحكام الإمارات.

ويحاول حكام أبو ظبي حالياً الضرب على وتر التفرقة بين الجماعات الموالية للسعودية نفسها، القاعدة وميليشيات هادي وحزب الإصلاح وبعض فصائل الحراك الجنوبي الذي إنقلب مؤخراً على الغزاة (السعودية والإمارات) وسيطر على مواقع إستراتيجية في مدينة عدن.

كذلك، وفي سياق المصلحة السياسية، لا يمكننا التغافل عن الدعم الإماراتي لإنفصال الجنوب، وهو الملف الذي يبدو أنه محور الخلاف بين الإمارات وعواصم أخرى في المنطقة. الرئيس اليمني المستقيل عبد ربه منصور هادي الذي زار الإمارات في الآونة الأخيرة والتقى عدداً من الشخصيات اليمنية هناك، وجد أن القاسم المشترك الوحيد بينها هو أنها تدعم انفصال الجنوب عن الشمال، وليست مع وحدة البلاد .

اذاً، يتضح أن الإمارات دفعت بجنودها على الأرض في عدن لهدفين سياسيين، الأول محاربة حزب الإصلاح خاصةً أن القلق الإماراتي ظهر على لسان الإعلامي الإماراتي علي بن راشد النعيمي الذي كان رئيس تحرير جريدة الاتحاد الحكومية في أبوظبي، وهو أحد أبرز الإعلاميين المحسوبين على السلطة في أبوظبي، عندما قال في تصريحه لقناة “سكاي نيوز عربية”: إن المقاومة الشعبية (ميليشيا هادي) تسيطر عليها حركة الإصلاح، التي تمثل جناح الإخوان المسلمين في اليمن، مطالباً بالتصدي لمخططات جماعة الإخوان في اليمن. أما الهدف الثاني فهو أن تكون الإمارات سيّدة الموقف في عدن سواءً تم التقسيم أم لم يتم. رغم أن الهدف الثاني سياسي بإمتياز إلا أنه يحمل في طياته مصلحة إقتصادية كبرى بالنسبة لأبو ظبي.

 

مصلحة إقتصادية

لم تنحصر المصلحة الإماراتية من التدخل في اليمن بالبعد السياسي، إنما يستحوذ الجانب الإقتصادي على أهمية أساسية من التدخل العسكري. إن مرفأ دبي يشكل أهمية إستراتيجية للإمارات تفوق حجم العائدات الإقتصادية للميناء نفسه، ويهدف التدخل في مدينة عدن للحفاظ على المناطق الحرّة في الإمارات؛ وتعتبر دبي الآن من أهم المدن اللوجستية في العالم، وبالتالي لا يمكن حصر مكاسب الميناء في العائدات المباشرة، بل هناك عائدات غير مباشرة قد تفوق حجم أرباح الميناء بأضعاف. 

وبما أن الإمارات ترى في مدينة عدن قضية وجود بالنسبة لها، نظراً للموقع الإستراتيجي لميناء هذه المدينة الذي يطل على مضيق باب المندب حيث تمرّ %١٢ من التجارة العالمية، حاولت أبو ظبي طيلة العقود الماضية تجميد دور ميناء عدن بتواطؤ من بعض أبناء الداخل. وتدرك أبوظبي جيداً أن الثورة اليمنية تعني إعادة عدن إلى دورها الريادي من خلال موقعها الاستراتيجي الذي سيؤثر بشكل كبير على ميناء دبي، والذي بدوره يعد من أهم ركائز الإقتصاد الاماراتي.

قد تقف هذه المسئلة بشكل أساسي وراء سعي الإمارات لتقسيم اليمن وتضعيفه، تارةً عبر اللعب على وتر الخلافات السابقة والحالية بين مكونات الجنوب المختلفة، وأخرى عبر إشغاله بتوترات دائمة مع الشمال اذاما تم مشروع التقسيم المشؤوم، مما يعني فقدان عامل الإستقرار الذي يشكل العنوان الرئيسي لأي إستثمار أو إزدهار إقتصادي.

 

ولكن هل ستتوقف تداعيات التدخل الإمارتي على الميدان، أي الخسائر البشرية والعسكرية التي يتكبدها حالياً، أم أن نار اليمن ستنسحب على الداخل الإماراتي؟ وماذا لو قامت الدولة في اليمن سواءً الجيش أو اللجان الشعبية بالرد في الداخل الإماراتي كون الأخيرة باتت شريكة مباشرة للسعودية في سفك دماء اليمنيين؟ هل تتحمل دبي أي تفجير أو هجوم قد يؤدي إلى خسارة مكانتها الإقتصادية، بإعتبار أن الأمن الإقتصادي لم يعد متوفراً؟ لا ندري، ولكن ما نعلمه أن “من يلعب بالنار تحترق أصابعه”.

المصدر / الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق