التحديث الاخير بتاريخ|الجمعة, نوفمبر 15, 2024

العراق… إصلاحٌ في زمن الإرهاب 

لم تغب غيمة الأزمات والمؤامرات عن سماء العراق منذ سنواتٍ طويلة، وكان كل مخرج من مؤامرة مدخلاً لأخرى، وما الإحتجاجات الشعبية المطالبة بالإصلاح ومكافحة الفساد إلا إحدى الأزقة الخطيرة التي دخل بها العراق، دولةً وشعباً، وذلك بسبب الأوضاع الأمنية المتردية في البلاد والتي تزامنت مع مطالب الشعب الإصلاحية، ورغم حدة الموقف وكثرة التهديدات استطاع حيدر العبادي قيادة العراق للوصول به إلى بر الأمان وإنقاذ البلاد من هذه المخاطر.

 

ليس الخطر ناتجاً عن الإصلاح نفسه، إنما الخطر بسبب المتربصين بمطالب الإصلاح والتجمعات الشعبية، وقد حصل هذا في العديد من دول المنطقة، اذ دائماً ما كانت الأمور تبدأ بتجمعات جماهيرية لتنتهي بتسلل عناصر إرهابية تكفيرية لتمارس أعمال القتل والإجرام، وهذا ما يشكل خطراً على أمن العراق، وخاصةً مع وجود تنظيم داعش الإرهابي في بعض المناطق العراقية، الأمر الذي يُعد من أشد الأخطار على العراق، ولهذا يجب بالتزامن مع البدء بالإصلاحات منع الجماعات التكفيرية من استغلال الفرصة والتغلغل في المجتمع العراقي، وهذا ما يجعل مهمة الإصلاح ذات مسؤولية مضاعفة. 

 

في هذه الأثناء أدرك رئيس الحكومة العراقية مطالب شعبه، وتخوفاً من المخاطر المحدقة سارع إلى القيام بإصلاحات كبيرة في الدولة العراقية مستجيباً لنداء المرجعية العليا في العراق، وكان من بين هذه الإصلاحات إبعاد المناصب العليا عن المحاصصة الحزبية والطائفية التي جلبت شخصيات غير مؤهلة إلى الحكومة، أي أن خطوة العبادي هذه تعتبر في غاية الأهمية للاستمرار بتقديم إصلاحات واقعية وعملية عن طريق الأشخاص المناسبين، واللافت أن الإصلاحات التي قدمها العبادي سرعان ما لاقت رضىً شعبياً واسعاً، إذ تجمع آلاف المواطنين في بغداد ومحافظات أخرى تأييداً لإجراءات العبادي، وهذا يزيد من مكانة الدولة العراقية ويعزز دور مرجعية النجف ومساعيها في حفظ العراق وحمايته. 

 

بعد هذا يمكن التنبؤ بأن الخطر قد زال، وأن التيارات التي كان من الممكن أنْ تتوغل داخل الحشود الشعبية قد عادت صفر اليدين، وذلك لثلاثة أسباب أساسية، الأول هو حكمة ووعي المرجعية الدينية في النجف، والسبب الثاني يتعلق باستجابة العبادي لنداء الجماهير والمرجعية، والسبب الثالث يعود إلى وعي الشعب العراقي وإدراكه للمخاطر المحيطة به، وهذا ما أظهره العراقيون في ساحة التحرير عندما طردوا كادر قناة “الشرقية” بسبب توجه القناة الذي اعتبره المواطنون معادياً للبلاد، والجدير بالذكر أن قناة “الشرقية” تابعة لـ”سعد البزاز”، وهو عراقي يقطن في بريطانيا ويعتبر من المقربين إلى النظام السعودي. 

 

الخطر المحدق لا يكمن في شاشات الإعلام وحدها، فهناك الكثير من الدول والتيارات السياسية التي تحاول النيل من العراق ووحدته، ولهذا تعمَد هذه الدول إلى نشر الإضطرابات في داخل العراق والتي من شأنها عرقلة مسيرة الإصلاح والتطوير، وما مشروع تقسيم العراق الذي قدمته أمريكا في الفترة الماضية إلا إظهار لنية الغرب في السعي لإثارة النعرات الطائفية والعرقية في البلاد، ولهذا أدرك الشعب العراقي المخاطر المحدقة به فأصبح أكثر وحدةً وإلفة، كما أن الأحزاب السياسية العراقية والتيارات الاجتماعية أدركت خطر الإنقسام الذي من شأنه إيجاد أرضية مناسبة للتيارات التكفيرية التي تسعى إلى تخريب العراق وتدميره، وخاصةً أن هذا الخطر أصبح أكثر وضوحاً بعد العمليات التي نفذها تنظيم داعش الإرهابي في مدينة الصدر والتي راح ضحيتها عشرات الشهداء والجرحى. 

 

الطريق الذي اختاره الشعب العراقي لنيل مطالبه وحاجاته وإنْ كان محفوفاً بالمخاطر، إلا أن هذا الشعب المدرك للتحدي والمصاعب أزال بوعيه التهديدات التي من شأنها إضعاف العراق وتقسيمه، ليكون بذلك قد حوّل الدرب الذي سلكه إلى فرصةٍ لبناء عراقٍ قويٍ وموحد، عراقٍ تتكاتف فيه إصلاحات العبادي مع إرادة الشعب على أمل أن يستقر العراق ويتحرر من الإرهاب.

المصدر / الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق